من نصاحب...؟
حميدي عبدالله الرشيدي
قال لقمان الحكيم لابنه: «يا بني: حملت الجندل والحديد وكل شيء ثقيل فلم أحمل شيئا هو أثقل من جار السوء، و أكلت الحنظل وذقت الصبر فلما أرى شيئا أمر من «الفقر». فاذا افتقرت فلا تحدث به الناس، كي لا ينتقصونك، ولكن اسأل الله تعالى من فضله، فمن ذا الذي سأل الله ولم يعطه من فضله أو دعاه فلم يجب». تحدث القرآن الكريم عن «الفقر» و«الفقراء»، في كثير من المواضع، وجعل سبحانه الناس جميعهم «فقراء» اليه، وجعل «الفقراء» من الناس أول الأصناف الذين يستحقون الزكاة. و جاء في اللغة أن «الفقر» يدل على انفراج في شيء، من عضو أو غير ذلك. ومن ذلك الفقار للظهر الواحدة فقارة، سميت للحزوز والفصول التي بينها. والفقير: المكسور فقار الظهر، قال أهل اللغة: منه اشتق اسم الفقر، ومن الملاحظ عن تم ربط بين الكسر والفقر. قال أحد الحكماء: «طلبت الراحة لنفسي فلم أجد لها روح من ترك مالا يعنيها وتوحشت في البرية فلم أرَ وحشة أقرب من قرين السوء وغالبت الاقران فلم أر قرينا أغلب للرجل من المرأة السوء، ونظرت الى كل ما يذل القوة ويكسرها فلم أر شيئا أذل له ولا أكسر من «الفقر». وقالت العرب: سد الله مفاقره، أي: أغناه وسد جوعه وفقره. قال الشاعر: (وان الذي ساق الغنى لابن عامر/ لربي الذي ارجو لسد مفاقري). وورد لفظ الفقر في القرآن على أربعة عشر موضعا، ورد جميعها بصيغة الاسم، ولم يرد بصيغة الفعل، من ذلك قوله تعالى: (الشيطان يعدكم الفقر)» البقرة: 268». ولفظ «الفقر» جاء في القرآن الكريم على معنيين رئيسين، ومعنيين فرعيين. وسئل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن الفقر فقال: «لو كان الفقر رجلا لقتلته». وان كان لا مفر من الفقر، «فمصائب قوم عند قوم فوائد». ولم يمدح الفقر الا قلة من الناس ومنهم أب العتاهية يقول: (ألم تر أن الفقر يرجى له الغنى/ وان الغني يخشى عليه من الفقر). و قال الرجل لصاحبه وهو يتأمل في القصور: أين نحن حين قسمت هذه الأموال؟ فأخذه صاحبه للمستشفى وقال له: وأين نحن حين قسمت هذه الأمراض! فالحمد الله والحمد معناه في لغة العربية: الثناء الكامل، والألف واللام فيه لاستغراق الجنس، وهو نقيض الذم. ويقول الزمخشري عن الفقراء: فان قلت: لم أعرف الفقراء؟ قلت: قصدي بذلك أن يريهم انهم لشدة افتقارهم اليه هم جنس الفقراء، لأن كانت الخلائق كلهم مفتقرين اليه من الناس وغيرهم لأن الفقر مما يتبع الضعف، وكلما كان الفقير أضعف كان أفقر وقد شهد الله سبحانه على الانسان بالضعف في قوله: (وخلق الانسان ضعيفا). ومن فصول ابن المعتز يقول: لا أدري أيهما أمر، موت الغني أم حياة الفقير؟! و قال ابن الأحنف عن الفقر: يمشي الفقير وكل شيء ضده/ والناس تغلق دونه أبوابها؛ وتراه مبغوضاً وليس بمذنب / ويري العداوة لا يرى اسبابها؛ حتى الكلاب اذا رأت ذا ثروة/ خضعت لديه وحركت أذنابها؛ واذا رأت يوما فقير عابرا/ نبحت عليه وكشرت أنيابها. ليس لنا الا الحيلة؛ يقول بشر بن المعتمر: حيلة من ليست له حيلة.
ان الفقر عبارة عن فقد ما هو محتاج اليه، أي : الانسان، اما فقد ما لا حاجة اليه فلا يسمى فقراً، وان كان المحتاج اليه موجوداً مقدوراً عليه لم يكن المحتاج فقيراً، واذا فهمت هذا لم تشك في ان كل موجود سوى «الله تعالى» فهو فقير لأنه محتاج الى دوام الوجود في ثاني الحال ودوام وجود مستفاداً من فضل الله تعالى وجوده، فان كان في الوجود موجود ليس وجوده مستفاد له من غيره فهو الغني المطلق، ولا يتصور أن يكون مثل هذا الموجود الا واحداً. فليس في الوجود الا غني واحد، وكل من عداه فانهم محتاجون اليه ليمدوا وجودهم بالدوام، والى هذا الحصر الاشارة بقوله تعالى (والله الغني وأنتم الفقراء) هذا معنى الفقر مطلقاً.
وأختم مصاحبة الفقير بقول الأمام الشافعي:
ولرب نازلة يضيق لها الفتى
ذرعا وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها
فرجت وكنت أظنها لا تفرج
ان الفقر عبارة عن فقد ما هو محتاج اليه، أي : الانسان، اما فقد ما لا حاجة اليه فلا يسمى فقراً، وان كان المحتاج اليه موجوداً مقدوراً عليه لم يكن المحتاج فقيراً، واذا فهمت هذا لم تشك في ان كل موجود سوى «الله تعالى» فهو فقير لأنه محتاج الى دوام الوجود في ثاني الحال ودوام وجود مستفاداً من فضل الله تعالى وجوده، فان كان في الوجود موجود ليس وجوده مستفاد له من غيره فهو الغني المطلق، ولا يتصور أن يكون مثل هذا الموجود الا واحداً. فليس في الوجود الا غني واحد، وكل من عداه فانهم محتاجون اليه ليمدوا وجودهم بالدوام، والى هذا الحصر الاشارة بقوله تعالى (والله الغني وأنتم الفقراء) هذا معنى الفقر مطلقاً.
وأختم مصاحبة الفقير بقول الأمام الشافعي:
ولرب نازلة يضيق لها الفتى
ذرعا وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها
فرجت وكنت أظنها لا تفرج