حوار / أكد أن الدعم الملياري للأشقاء جاء بعد مفاوضات في عهد مرسي وقبل أحداث 30 يونيو
رشيد الحمد لـ «الراي»: لا علاقة للكويت بسقوط «إخوان» مصر

رشيد الحمد متحدثا لـ «الراي» (تصوير سعد هنداوي)


شاهدا على أكثر عهود جمهورية مصر العربية تحولا في العصر الحديث منذ سقوط الملكية، نفى سفير الكويت المنتهية مهمته أخيرا في القاهرة الدكتور رشيد الحمد، اي علاقة للكويت في ما شهدته أرض الكنانة من ثورة ثانية أطاحت بحكم جماعة الإخوان المسلمين، والرئيس محمد مرسي، مشددا على أن المواقف التي اتخذت تجاه الكويت من بعض الأشقاء عقب إعلان المساعدات التي قدمت لمصر تفتقد الإنصاف، لاسيما في مسألة ربطها بمواقف بعض دول الخليج مما جرى فيها.
وقال الحمد في حوار مع «الراي» إن الكويت اتخذت دائما مواقف تنحاز إلى خيارات الشعب المصري، وأن موقفها واحد لم يتغير من الأنظمة الثلاثة التي تعاقبت على الحكم في الفترة الأخيرة، منذ عهد مبارك، ومن بعده مرسي، وأخيرا المرحلة الانتقالية. ولفت إلى أن ما قدمته الكويت من دعم ملياري لم يكن وليد يومه، وإنه جاء نتيجة مفاوضات بين البلدين منذ فترة طويلة سبقت يوم 30 يونيو الذي شهد أكبر تظاهرة ضد الرئيس وكان نقطة التحول في مسيرة الدولة، وأنه بحكم موقعه سفيرا للكويت في القاهرة، كان متابعا لتلك المفاوضات التي جرت بين وزير المالية الكويتي وقتها الدكتور نايف الحجرف، ورئيس صندوق التنمية ومدير هيئة الاستثمار مع المسؤولين المصريين.
واستذكر السفير مع «الراي» أيام ثورة يناير، وما رافقها من معاناة في متابعة أمور الكويتيين في مصر من جهة، والعمل على حماية السفارة وتأمينها من جهة أخرى، فقد أكد أنه قام وأعضاء السفارة بمهمة حماية السفارة بعد اختفاء القوى الأمنية منها ومن شوارع القاهرة، حيث عملوا على حراستها والبقاء داخلها، موضحا أنهم تصدوا لمجموعة من البلطجية التي حاولت اقتحامها. وفي الوقت نفسه عملت السفارة على إجلاء المواطنين وقد ساعدها في ذلك جهود الحكومة هنا في الكويت التي أمنت رحلات إضافية مجانية ساهمت وبشكل فاعل في إجلاء الكويتيين دون تسجيل أي حوادث أمنية تذكر، سوى حادث واحد حدث لمدير شركة سياحية احتجزه موظفو الشركة قبل تحريره وإعادته للكويت.
وحول رأيه بما جرى في مصر من تلك الأحداث وهو يعيش فيها، أكد الحمد أنه لم يكن يتوقع أن يتنازل الرئيس حسني مبارك عن الحكم بالسهولة التي جرت مع نظيره التونسي زين العابدين بن علي، ولكن النقمة الشعبية الكبيرة على الفساد والاستبداد وسيطرة الحزب الواحدة والطبقة الواحدة دفعت إلى ثورة لم يستطع مقاومتها، مؤكدا في الوقت نفسه أن الموقف الأميركي من الأحداث جاء منسجما مع القيم التي تدافع عنها في احترام خيارات الشعوب. وعن نجاح مرسي في الانتخابات قال إنه كان متوقعا مقارنة بمنافسه أحمد شفيق الذي صنف على أنه من بقايا نظام مبارك. ولكن استدرك أن على جماعة الإخوان المسلمين حاليا أن تعي أنها لم تعد الأكثر قوة وأنها خارج السلطة وعليها أن تحاول الانخراط في الواقع الجديد بآليات جديدة. وفي ما يلي تفاصيل الحوار:
? كنت الشخصية الكويتية الرسمية التي عايشت أحداث ثورة 25 يناير عن قرب، وكنت في قلب الحدث، فكيف كان وقع الثورة عليكم والبعثة الكويتية في القاهرة؟
- تابعنا ما جرى من أحداث ارتبطت بما عرف بـ «الربيع العربي» منذ أواخر عام 2010، ابتداءاً من الوضع التونسي وما تلاه، حتى وصل الامر الى مصر، بتظاهرات شعبية تزايدت وتيرتها تدريجياً حتى وصلت في يوم 25 يناير الى الذروة.
واللافت أننا في البعثة الكويتية المقيمة بالقاهرة بدأنا يوم 25 يناير تحديداً الاحتفال رسمياً بالأعياد الوطنية، قبل شهر من موعد إقامة الاستقبالات الرسمية المعتادة، وذلك لمناسبة مرور 50 عاماً على استقلال الكويت، و20 عاماً على تحرير أراضيها من الاحتلال العراقي، وأيضاً مرور 5 سنوات على تسلم سمو الامير مقاليد الحكم في البلاد. وذلك اليوم بدأنا برفع العلم داخل مبنى السفارة، وأقمنا احتفالاً بمشاركة سفراء دول الخليج وفعاليات مصرية، ومجموعة من الضيوف، والإعلاميين. وفيما نحن نحتفل بذكرانا الوطنية كانت ساحة التحرير تعج بالمحتجين على نظام الرئيس مبارك، وكانت البداية الفعلية للثورة المصرية.
وعلى الرغم من أننا توقعنا احتشادات شعبية في أماكن منها ساحة التحرير وغيرها، الا أننا لم نملك تصوراً لما يمكن ان تصل اليه الأمور، وكيف ستتجاوب السلطات المصرية القائمة حينها مع أوضاع الاحتجاجات والتي ابتدأت بسقوف أقل قبل ان ترتفع حدتها المطلبية لاحقاً.
وفي البدء كان من المحتمل ان تنخفض وتيرة التظاهرات والاحتجاجات لو تجاوب النظام معها، ولو خلقت حال حوار يمكن ان تحتوي الازمة، وهذا ما دار في ذهني وذهن أعضاء البعثة الكويتية في ذلك الحين، وهو ما جعلنا اقل قلقاً في اليومين الأولين من اندلاع احتجاجات 25 يناير.
ولكن تطور الأوضاع بعد 28 يناير بوجود حوادث أمنية أكبر دفعنا الى التخوف خصوصاً في ظل اختفاء الجهاز الأمني المصري والشرطة تحديدا، وما جرى من هجمات على المخافر والمقار الأمنية، جعلنا في حال قلق فعلي على الرعايا الكويتيين في مصر وأيضاً على الديبلوماسيين، وعلى الأموال والاستثمارات الكويتية هناك.
فكانت متابعتنا لتلك الأحداث مشوبة بالحذر والترقب لما ستؤول اليه الأوضاع. وبدأت في تلك الفترة بعد 28 يناير عملية إجلاء الكويتيين وعودتهم الى البلاد.
نجحنا في إعادة كل الرعايا الكويتيين، وسهلت الدولة مهمتنا بتوفيرها رحلات طيران مجانية مباشرة الى الكويت. وفي غضون أسبوعين نجحنا في انهاء حال الخوف من تعرض كويتيين في مصر للأذى نتيجة الأحداث الأمنية. هناك جهود إضافية بذلت في عملية إجلاء الكويتيين من مصر بسبب وجود سائحين في ذلك الوقت الذي اتفق مع إجازة منتصف العام الدراسي، ولكن الإجراءات التي اتخذتها الدولة جعلت أمر إعادة المواطنين الكويتيين الى البلاد اكثر يسراً وسرعة.
? هل بمتابعتكم لاحداث «الربيع العربي» كما اشرت توقعتم حدوث الثورة المصرية، وخروج الشعب المصري على نظام مبارك؟
- لم نتوقع سيناريو مطابقاً لما جرى في تونس ان يحدث في مصر. ففي تونس وبعد زمن قصير نسبياً من الاحتجاج الشعبي قرر الرئيس السابق زين العابدين بن علي ترك الحكم، ومغادرة تونس دون درجة متقدمة من الصراع بين الجهات الامنية والمحتجين، وهو أمر ليس سهلاً حدوثه في أماكن وحالات أخرى. ولكن في الحالة المصرية لم تتجه توقعاتنا الى تنازل مماثل من الرئيس الأسبق حسني مبارك، إنما اعتقدنا باحتمال تجاوب الرئيس والنظام مع مطالب الشعب خاصةً بعد تصاعد التظاهرات بشكل لافت في تلك الفترة. وتوقعنا تراضياً بين النظام والشعب يقدم من خلاله النظام تنازلات الى الجماهير الشعبية المحتجة، وهو مالم يحدث.
حماية ذاتية للسفارة
? كيف كان الوضع الأمني في تلك الفترة بالنسبة للبعثة الكويتية؟ وهل شعرتم بالخطر؟ وما أبرز المحطات الصعبة التي عاشتها السفارة الكويتية في القاهرة أيام ثورة 25 يناير؟
- نعم أحاطت بنا مخاطر أمنية وبدأت الإشكالات مع انقطاع وسائل التواصل من هواتف نقالة وخدمات إنترنت بحيث لم يبق الا الهواتف الأرضية يمكن استعمالها للاتصال بالرعايا الكويتيين وبأفراد البعثة الديبلوماسية، ولذلك أعلنا حينها عبر القنوات التلفزيونية الفضائية ووسائل أخرى عن أرقام هواتفنا الأرضية لتسهيل عملية الاتصال بنا. وأيضاً وفرت لنا الحكومة الكويتية في ذلك الوقت اتصالات عن طريق الأقمار الاصطناعية لتسهيل عملنا ولخدمة المواطنين الكويتيين في الداخل المصري.
وبالفعل استطعنا التواصل مع الجميع من رعايانا عبر اتصالاتهم بالسفارة، كما من خلال حضورهم الينا.
امر صعب آخر مررنا به في سفارة الكويت بالقاهرة خلال ثورة 25 يناير كان مغادرة أفراد الأمن الخاص بالسفارة بسبب اضطراب الأوضاع، الامر الذي اضطرنا الى ملازمة مبنى السفارة والاقامة به قياماً بمسؤولية حماية المكان والدور اللازم فعله في تلك الفترة التي شهدت انفلاتاً امنياً كبيراً.
وأثناء إقامتنا في مبنى السفارة تعرضنا الى بعض محاولات الاقتحام من جهة افراد من «البلطجية» حاولوا دخول المكان بالقوة ولكن كثرة عدد العاملين في السفارة اضافة الى مساعديهم حال دون ذلك.
من جهة أخرى، ولسبب ارتباطنا بحماية السفارة وبقائنا داخل المبنى دون خروج، او حركة لم نتمكن من التواصل مع الكويتيين المتواجدين في اماكن خارج القاهرة، كما لم نتمكن من التعامل مع الأحداث الى كانت تطرأ حينها ومنها حالات اعتيادية مثل وفاة احد رعايانا. فلم نكن نستطيع التحرك والوصول اليهم، وهو ما شكل صعوبة حقيقية لنا.
? هل تعرض الطلبة الكويتيون لمضايقات أثناء الثورة؟ وهل كنتم في مرحلة استنفار قصوى؟
- هناك بعض المضايقات التي تعرض لها الطلبة بحالات سرقة وتهديد وقعت هنا وهناك، وتوقيفات جرت في الشوارع لبعضهم ولكنها أمور انتهت سريعاً بإجلاء الجميع الى الكويت.
سقوط مبارك
? هل كنتم تتوقعون سقوط نظام مبارك خلال 18 يوماً من التظاهرات؟
- بمتابعتنا اليومية لمجريات الحدث ومع ملاحظة عدم وجود اي اتجاهات للتفاوض والمصالحة بين النظام والشعب توقعنا ان ينتهي الوضع بهذا الشكل. والحقيقة ان الزخم الشعبي الكبير وقتها كان يقود الى الاعتقاد بنهاية فعلية للنظام السابق بعدما رفض الاستجابة للمطالب الجماهيرية.
? هل تعتقد ان نظام مبارك سقط تحت تأثير الثورة الشعبية العامة التي اجتاحت مصر ام هناك عوامل أخرى؟
- ارى ان ما أثير عن وجود فساد، واستبداد، وسيطرة لحزب وطبقة واحدة على كل مفاصل البلاد قد يكون الدافع الأساسي لخروج الاحتجاجات واشتعال الثورة، ولا أرى اسباباً أخرى يمكن عزو ما جرى لها، فالقضية قضية مطالب شعبية في المقام الاول والأساس، وتحت إلحاح تلك المطالب كانت التظاهرات وكان ما كان.
وعن وجود أسباب خارجية فلا أظن ذلك.
? هل تخلت أميركا عن نظام مبارك؟
- أميركا والدول الكبرى اتخذت مواقفها بعدم دعم نظام مبارك لانها رأت الانحياز للمطالب الشعبية التي رفعت في تظاهرات الاحتجاج، ولذلك أيدت في ذلك الوقت تنحي الرئيس مبارك عن الحكم، وقد يعبر ذلك عن اتساق بين القيم التي تدافع عنها تلك الدول من حرية وديمقراطية وعدالة اجتماعية من جهة، والمواقف التي يتوجب عليها اتخاذها عند وقوع أحداث كبرى كالتي جرت في مصر من جهة أخرى.
? توقعتم ان تكون جماعة الإخوان المسلمين البديل لنظام مبارك؟
- توقعنا ذلك بمراقبتنا للحدث. فمع انطلاق سباق الرئاسة ووجود الرئيس محمد مرسي في مقابل مرشح وحيد ينتمي بحسب كثيرين الى العهد القديم وهو السيد احمد شفيق كان الارجح ان يحصد الدكتور مرسى اصواتاً اكثر، وذلك اتساقاً مع واقع الرفض الشعبي للنظام القديم ورجاله. ففي الحالة المصرية غابت البدائل أمام المصريين واختار كثيرون محمد مرسي ابتعاداً عن النظام السابق. وكثيرون قالوا انهم اضطروا لاعطاء أصواتهم الى مرشح الاخوان المسلمين في ضوء عدم وجود البديل، والحظر الذي فرضوه ذاتياً على رجال العهد السابق. وبالطبع الى جانب تصويت المؤيدين لمحمد مرسي جاءت النتيجة لصالحه.
على مسافة واحدة
? ولكن ألم يكن الدعم الكويتي الملياري المقدم الى مصر بعد عزل الدكتور محمد مرسي دليلاً على اتخاذ الكويت موقفاً مناهضاً للإخوان وحكمهم هناك؟ وألم يأت هذا الدعم في إطار التحرك الخليجي لمساندة «خارطة المستقبل» في مصر بعد 30 يونيو؟
- استطيع ان أؤكد من خلال دوري الرسمي سفيراً للكويت في تلك الفترة، ان هذه الفرضية بميل الكويت الى دعم عزل مرسي وتغيير الحكم في مصر غير منطبقة على الحال الكويتية. فالكويت كانت على مسافة واحدة من الجميع. واعتقادي ان الدعم المالي الذي قدم الى مصر بعد إزالة حكم الرئيس مرسي قد يكون مرتبطاً بمفاوضات سابقة على أحداث 30 يونيو، وجاء توقيت منح تلك المساعدات ليثير اعتقاداً بارتباطها بإجراءات «خارطة المستقبل» والتحولات الأخيرة في مصر.
? هل شهدت مفاوضات بودائع ومنحة مليارية الى مصر خلال وجودك على رأس سفارة البلاد في المرحلة السابقة على عزل الدكتور مرسي؟
- شهدت مفاوضات تمهيدية جرت بين الجانبين الكويتي والمصري في عهد الرئيس مرسي وكان وفد من الكويت برئاسة وزير المالية آنذاك الدكتور نايف الحجرف ورئيس الصندوق الكويتي للتنمية عبد اللطيف عبد الوهاب البدر، ومدير الهيئة العامة للاستثمار جاؤوا الى مصر لبحث الدعم المالي المقترح. ولكن لم يكن شكل ذلك الدعم قد تحدد بعد، وكان من الممكن ان يأخذ شكل قروض او ودائع او غير ذلك. وحدثت لقاءات بين الطرفين الرسميين الكويتي والمصري على مستوى الوزراء حينها.
وبالنسبة لارتباط المساعدة الكويتية الى مصر بتحرك خليجي مؤيد للحكم الجديد، فلا علم لدي بذلك، لانتهاء مهام عملي الديبلوماسي في ذاك الوقت. ولكن استطيع القول من واقع ما اعرفه ان الكويت تتجه بدعمها دوما الى مصر دون النظر الى الأفراد او المنظومات التي تحكم.
? هل دخلت العلاقة في مرحلة تأزيم مع الإخوان عقب الدعم الذي قدمته دول الخليج الى مصر بعد أحداث 30 يونيو؟ وهل اتصل بكم قادة من الإخوان بعد تقديم المنحة المالية؟
- لا شك ان التوقيت الذي اعلن به الدعم أدى الى اتخاذ البعض مواقف غير منصفة بحق الكويت، وبعضهم تحدث عن دور الكويت والإمارات والسعودية للتاثير على الأحداث في مصر، وعلى اثر ذلك قامت بعض التظاهرات أمام سفارات هذه الدول، ولكن ولله الحمد لم يتعرض احد لأذى. وبالنسبة للعلاقات مع قياديين من «الإخوان»، فلم يكن لنا في سفارة دولة الكويت أي علاقة بهم،ولا أي اتصالات جرت معهم.
? هل جرت أي تغييرات على عمل البعثة الكويتية او نشاطها او تفاعلها او تمثيلها خلال السنوات الثلاث الأخيرة مع التغييرات التي جرت بإسقاط نظام، وعزل آخر وبمجيء حكم ثالث جديد؟
- إطلاقاً لم يجر أي تغيير خلال السنوات الماضية. وقد عاصرت بنفسي أحداث اسقاط حكم الرئيس مبارك، وثورة 25 يناير، وثم مجيء محمد مرسي للرئاسة حتى لحظة عزل الدكتور مرسي، ولم نمر بأي تغييرات في وضعنا او عملنا كبعثة ديبلوماسية. وحتى بعد انتهاء عملي بالسفارة وبتواصلي مع السفير الحالي السيد سالم زمانان لم تصلني أي معلومة بأمور مستجدة.
وارى ان ذلك يعود بشكل رئيسي الى ثبات الموقف الكويتي بنفس العقلية في علاقاتها الخارجية بالدول الشقيقة.
البحث عن عبدالناصر
? عاصرت مصر في الستينات أثناء دراستك، وعدت إليها ديبلوماسياً في العام 2007، ثم عاصرت تحولات مهمة في تاريخها خلال الثلاث سنوات الماضية، هل تذكرك مصر اليوم بمشهد من الماضي «الناصري»، بظهور الفريق اول عبد الفتاح السيسي، والأجواء الحالية؟
- في ضوء الاوضاع القائمة اليوم لا أرى المشهد مماثلاً لما مضى. ولكن قد يوجد من يشعر بالحاجة الى قائد بكاريزما تشبه التي كان يتمتع بها جمال عبد الناصر، وربما يرى البعض ان الفريق اول عبد الفتاح السيسي نموذج مشابه لعبد الناصر خاصةً مع تاريخ حقبة عبد الناصر المميز في الوجدان المصري وفي التاريخ المصري، ودور مصر في ذاك الزمان الفاعل والقوي. وبرأيي ان من يبحث عن عبد الناصر اليوم في الواقع يسعى الى الشعور بالقوة والارتباط بالقيادة والأمن الذي ارتبط بذلك العصر. فليس الربط بين الفريق السيسي وجمال عبد الناصر ربطاً مجرداً، بل تدفع اليه الحاجة الى الأمن والقوة.
? كيف تنظر الى الاوضاع في مصر اليوم؟! ومع حلول الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير، هل تتوقع استقرار مصر قريباً؟!
- تقدمت مصر خطوة جيدة باتجاه الاستقرار وذلك باعتماد الدستور الجديد، وبرأيي ان المضي في الاستحقاق الدستوري كان انجازاً كبيراً لمصر، ومن المهم الا ننتظر تحقق غايات الثورة المصرية بين ليلة وضحاها، فالامور تحتاج وقتا لتبنى بشكل صحيح وليصل الشعب الى اهدافه. ولا اتمنى ان تستمر التضحيات والاهتزاز الأمني، ولكن علينا الاعتراف ان عملية التحول تتطلب وقتاً، واعتقد ان السير باتجاه الاستحقاقات السياسية الأخرى من انتخابات رئاسية وبرلمانية سيتجه بالاوضاع الى ما هو افضل.
ومن المهم ان تنتبه مصر الى الاخطار التي تحيط بعملية تحولها الديموقراطي سواء من مشكلات الأمن الداخلية او حتى مما يثار من احتمالات وجود اجندات خارجية تسعى للتأثير على مستقبل البلد. والحقيقة انني شخصياً من المتفائلين بمستقبل امن ومزدهر لمصر، واتوقع ان تكون الذكرى الثالثة الحالية للثورة هي آخر أيام الاضطراب في مصر.
? هل ترى «الإخوان» مندمجين مجدداً في العمل السياسي بمصر؟
- أرى ان على «الإخوان» التصالح مع حقيقة عدم وجودهم في السلطة حالياً، وعدم كونهم الطرف الاقوى وان يحاولوا الانخراط في الواقع السياسي الجديد بآليات جديدة وفكر تعايشي. من ناحية اخرى أرجو لمصر ألا يتم إقصاء أي طرف او فريق، فالاختلافات حقيقة بين البشر في اي مجتمع.
حادثة وحيدة للكويتيين أثناء ثورة يناير
قال السفير الحمد إن الحادثة الوحيدة التي حصلت للكويتيين أثناء ثورة يناير كانت مع المواطن عدنان فلاح صاحب شركة للسياحة والطيران الذي احتجزه موظفوه عندما جاء لتنظيم أمور شركته، وهو احتجاز استمر 21 يوماً، كانت تلك الأيام جحيما بالنسبة الينا في البعثة الكويتية.
وأضاف: باشرنا بالاتصال بكافة الجهات المسؤولة في البلاد حينها من وزير الخارجية الى المشير محمد حسين طنطاوي المسؤول بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة، وتعاملنا مع الامر لينتهي بعدها بخروج المواطن سالماً رغم تعقيد المسألة بسبب القوة الكبيرة التي كان يتمتع بها الأفراد العاديون في تلك المرحلة. ولكن وبفضل من الله وجهود من الشركة الأم في الكويت التابع لها فرع مصر عاد السيد عدنان سالماً الى الكويت.
دور متوازن للكويت
بسؤال السفير الحمد كيف كانت علاقته كجهة رسمية تمثل الكويت مع «الإخوان المسلمين»عقب وصولهم الى السلطة، قال: الكويت بمواقفها الرسمية حرصت على احترام خيارات الشعب المصري بأي اتجاه كانت. ولم تتدخل بأي صورة في اختيار المصريين لمن يرأسهم. وكنا داعمين لرغبات الشعب المصري وتطلعاته. ومن المعلوم ان الكويت تمارس دوراً متوازناً في علاقتها بالدول كافة،دون أي محاولات للتدخل في الشأن الخاص بالدول. هذه سياسة كويتية أصيلة وأحد ثوابت التعامل الكويتي مع الخارج. ولذلك لم يكن «الإخوان» استثناء. فتعاملنا معهم بحسب قواعدنا الثابتة في العمل السياسي والدبلوماسي، وحافظنا على علاقات طيبة مع الجميع.
وقال الحمد في حوار مع «الراي» إن الكويت اتخذت دائما مواقف تنحاز إلى خيارات الشعب المصري، وأن موقفها واحد لم يتغير من الأنظمة الثلاثة التي تعاقبت على الحكم في الفترة الأخيرة، منذ عهد مبارك، ومن بعده مرسي، وأخيرا المرحلة الانتقالية. ولفت إلى أن ما قدمته الكويت من دعم ملياري لم يكن وليد يومه، وإنه جاء نتيجة مفاوضات بين البلدين منذ فترة طويلة سبقت يوم 30 يونيو الذي شهد أكبر تظاهرة ضد الرئيس وكان نقطة التحول في مسيرة الدولة، وأنه بحكم موقعه سفيرا للكويت في القاهرة، كان متابعا لتلك المفاوضات التي جرت بين وزير المالية الكويتي وقتها الدكتور نايف الحجرف، ورئيس صندوق التنمية ومدير هيئة الاستثمار مع المسؤولين المصريين.
واستذكر السفير مع «الراي» أيام ثورة يناير، وما رافقها من معاناة في متابعة أمور الكويتيين في مصر من جهة، والعمل على حماية السفارة وتأمينها من جهة أخرى، فقد أكد أنه قام وأعضاء السفارة بمهمة حماية السفارة بعد اختفاء القوى الأمنية منها ومن شوارع القاهرة، حيث عملوا على حراستها والبقاء داخلها، موضحا أنهم تصدوا لمجموعة من البلطجية التي حاولت اقتحامها. وفي الوقت نفسه عملت السفارة على إجلاء المواطنين وقد ساعدها في ذلك جهود الحكومة هنا في الكويت التي أمنت رحلات إضافية مجانية ساهمت وبشكل فاعل في إجلاء الكويتيين دون تسجيل أي حوادث أمنية تذكر، سوى حادث واحد حدث لمدير شركة سياحية احتجزه موظفو الشركة قبل تحريره وإعادته للكويت.
وحول رأيه بما جرى في مصر من تلك الأحداث وهو يعيش فيها، أكد الحمد أنه لم يكن يتوقع أن يتنازل الرئيس حسني مبارك عن الحكم بالسهولة التي جرت مع نظيره التونسي زين العابدين بن علي، ولكن النقمة الشعبية الكبيرة على الفساد والاستبداد وسيطرة الحزب الواحدة والطبقة الواحدة دفعت إلى ثورة لم يستطع مقاومتها، مؤكدا في الوقت نفسه أن الموقف الأميركي من الأحداث جاء منسجما مع القيم التي تدافع عنها في احترام خيارات الشعوب. وعن نجاح مرسي في الانتخابات قال إنه كان متوقعا مقارنة بمنافسه أحمد شفيق الذي صنف على أنه من بقايا نظام مبارك. ولكن استدرك أن على جماعة الإخوان المسلمين حاليا أن تعي أنها لم تعد الأكثر قوة وأنها خارج السلطة وعليها أن تحاول الانخراط في الواقع الجديد بآليات جديدة. وفي ما يلي تفاصيل الحوار:
? كنت الشخصية الكويتية الرسمية التي عايشت أحداث ثورة 25 يناير عن قرب، وكنت في قلب الحدث، فكيف كان وقع الثورة عليكم والبعثة الكويتية في القاهرة؟
- تابعنا ما جرى من أحداث ارتبطت بما عرف بـ «الربيع العربي» منذ أواخر عام 2010، ابتداءاً من الوضع التونسي وما تلاه، حتى وصل الامر الى مصر، بتظاهرات شعبية تزايدت وتيرتها تدريجياً حتى وصلت في يوم 25 يناير الى الذروة.
واللافت أننا في البعثة الكويتية المقيمة بالقاهرة بدأنا يوم 25 يناير تحديداً الاحتفال رسمياً بالأعياد الوطنية، قبل شهر من موعد إقامة الاستقبالات الرسمية المعتادة، وذلك لمناسبة مرور 50 عاماً على استقلال الكويت، و20 عاماً على تحرير أراضيها من الاحتلال العراقي، وأيضاً مرور 5 سنوات على تسلم سمو الامير مقاليد الحكم في البلاد. وذلك اليوم بدأنا برفع العلم داخل مبنى السفارة، وأقمنا احتفالاً بمشاركة سفراء دول الخليج وفعاليات مصرية، ومجموعة من الضيوف، والإعلاميين. وفيما نحن نحتفل بذكرانا الوطنية كانت ساحة التحرير تعج بالمحتجين على نظام الرئيس مبارك، وكانت البداية الفعلية للثورة المصرية.
وعلى الرغم من أننا توقعنا احتشادات شعبية في أماكن منها ساحة التحرير وغيرها، الا أننا لم نملك تصوراً لما يمكن ان تصل اليه الأمور، وكيف ستتجاوب السلطات المصرية القائمة حينها مع أوضاع الاحتجاجات والتي ابتدأت بسقوف أقل قبل ان ترتفع حدتها المطلبية لاحقاً.
وفي البدء كان من المحتمل ان تنخفض وتيرة التظاهرات والاحتجاجات لو تجاوب النظام معها، ولو خلقت حال حوار يمكن ان تحتوي الازمة، وهذا ما دار في ذهني وذهن أعضاء البعثة الكويتية في ذلك الحين، وهو ما جعلنا اقل قلقاً في اليومين الأولين من اندلاع احتجاجات 25 يناير.
ولكن تطور الأوضاع بعد 28 يناير بوجود حوادث أمنية أكبر دفعنا الى التخوف خصوصاً في ظل اختفاء الجهاز الأمني المصري والشرطة تحديدا، وما جرى من هجمات على المخافر والمقار الأمنية، جعلنا في حال قلق فعلي على الرعايا الكويتيين في مصر وأيضاً على الديبلوماسيين، وعلى الأموال والاستثمارات الكويتية هناك.
فكانت متابعتنا لتلك الأحداث مشوبة بالحذر والترقب لما ستؤول اليه الأوضاع. وبدأت في تلك الفترة بعد 28 يناير عملية إجلاء الكويتيين وعودتهم الى البلاد.
نجحنا في إعادة كل الرعايا الكويتيين، وسهلت الدولة مهمتنا بتوفيرها رحلات طيران مجانية مباشرة الى الكويت. وفي غضون أسبوعين نجحنا في انهاء حال الخوف من تعرض كويتيين في مصر للأذى نتيجة الأحداث الأمنية. هناك جهود إضافية بذلت في عملية إجلاء الكويتيين من مصر بسبب وجود سائحين في ذلك الوقت الذي اتفق مع إجازة منتصف العام الدراسي، ولكن الإجراءات التي اتخذتها الدولة جعلت أمر إعادة المواطنين الكويتيين الى البلاد اكثر يسراً وسرعة.
? هل بمتابعتكم لاحداث «الربيع العربي» كما اشرت توقعتم حدوث الثورة المصرية، وخروج الشعب المصري على نظام مبارك؟
- لم نتوقع سيناريو مطابقاً لما جرى في تونس ان يحدث في مصر. ففي تونس وبعد زمن قصير نسبياً من الاحتجاج الشعبي قرر الرئيس السابق زين العابدين بن علي ترك الحكم، ومغادرة تونس دون درجة متقدمة من الصراع بين الجهات الامنية والمحتجين، وهو أمر ليس سهلاً حدوثه في أماكن وحالات أخرى. ولكن في الحالة المصرية لم تتجه توقعاتنا الى تنازل مماثل من الرئيس الأسبق حسني مبارك، إنما اعتقدنا باحتمال تجاوب الرئيس والنظام مع مطالب الشعب خاصةً بعد تصاعد التظاهرات بشكل لافت في تلك الفترة. وتوقعنا تراضياً بين النظام والشعب يقدم من خلاله النظام تنازلات الى الجماهير الشعبية المحتجة، وهو مالم يحدث.
حماية ذاتية للسفارة
? كيف كان الوضع الأمني في تلك الفترة بالنسبة للبعثة الكويتية؟ وهل شعرتم بالخطر؟ وما أبرز المحطات الصعبة التي عاشتها السفارة الكويتية في القاهرة أيام ثورة 25 يناير؟
- نعم أحاطت بنا مخاطر أمنية وبدأت الإشكالات مع انقطاع وسائل التواصل من هواتف نقالة وخدمات إنترنت بحيث لم يبق الا الهواتف الأرضية يمكن استعمالها للاتصال بالرعايا الكويتيين وبأفراد البعثة الديبلوماسية، ولذلك أعلنا حينها عبر القنوات التلفزيونية الفضائية ووسائل أخرى عن أرقام هواتفنا الأرضية لتسهيل عملية الاتصال بنا. وأيضاً وفرت لنا الحكومة الكويتية في ذلك الوقت اتصالات عن طريق الأقمار الاصطناعية لتسهيل عملنا ولخدمة المواطنين الكويتيين في الداخل المصري.
وبالفعل استطعنا التواصل مع الجميع من رعايانا عبر اتصالاتهم بالسفارة، كما من خلال حضورهم الينا.
امر صعب آخر مررنا به في سفارة الكويت بالقاهرة خلال ثورة 25 يناير كان مغادرة أفراد الأمن الخاص بالسفارة بسبب اضطراب الأوضاع، الامر الذي اضطرنا الى ملازمة مبنى السفارة والاقامة به قياماً بمسؤولية حماية المكان والدور اللازم فعله في تلك الفترة التي شهدت انفلاتاً امنياً كبيراً.
وأثناء إقامتنا في مبنى السفارة تعرضنا الى بعض محاولات الاقتحام من جهة افراد من «البلطجية» حاولوا دخول المكان بالقوة ولكن كثرة عدد العاملين في السفارة اضافة الى مساعديهم حال دون ذلك.
من جهة أخرى، ولسبب ارتباطنا بحماية السفارة وبقائنا داخل المبنى دون خروج، او حركة لم نتمكن من التواصل مع الكويتيين المتواجدين في اماكن خارج القاهرة، كما لم نتمكن من التعامل مع الأحداث الى كانت تطرأ حينها ومنها حالات اعتيادية مثل وفاة احد رعايانا. فلم نكن نستطيع التحرك والوصول اليهم، وهو ما شكل صعوبة حقيقية لنا.
? هل تعرض الطلبة الكويتيون لمضايقات أثناء الثورة؟ وهل كنتم في مرحلة استنفار قصوى؟
- هناك بعض المضايقات التي تعرض لها الطلبة بحالات سرقة وتهديد وقعت هنا وهناك، وتوقيفات جرت في الشوارع لبعضهم ولكنها أمور انتهت سريعاً بإجلاء الجميع الى الكويت.
سقوط مبارك
? هل كنتم تتوقعون سقوط نظام مبارك خلال 18 يوماً من التظاهرات؟
- بمتابعتنا اليومية لمجريات الحدث ومع ملاحظة عدم وجود اي اتجاهات للتفاوض والمصالحة بين النظام والشعب توقعنا ان ينتهي الوضع بهذا الشكل. والحقيقة ان الزخم الشعبي الكبير وقتها كان يقود الى الاعتقاد بنهاية فعلية للنظام السابق بعدما رفض الاستجابة للمطالب الجماهيرية.
? هل تعتقد ان نظام مبارك سقط تحت تأثير الثورة الشعبية العامة التي اجتاحت مصر ام هناك عوامل أخرى؟
- ارى ان ما أثير عن وجود فساد، واستبداد، وسيطرة لحزب وطبقة واحدة على كل مفاصل البلاد قد يكون الدافع الأساسي لخروج الاحتجاجات واشتعال الثورة، ولا أرى اسباباً أخرى يمكن عزو ما جرى لها، فالقضية قضية مطالب شعبية في المقام الاول والأساس، وتحت إلحاح تلك المطالب كانت التظاهرات وكان ما كان.
وعن وجود أسباب خارجية فلا أظن ذلك.
? هل تخلت أميركا عن نظام مبارك؟
- أميركا والدول الكبرى اتخذت مواقفها بعدم دعم نظام مبارك لانها رأت الانحياز للمطالب الشعبية التي رفعت في تظاهرات الاحتجاج، ولذلك أيدت في ذلك الوقت تنحي الرئيس مبارك عن الحكم، وقد يعبر ذلك عن اتساق بين القيم التي تدافع عنها تلك الدول من حرية وديمقراطية وعدالة اجتماعية من جهة، والمواقف التي يتوجب عليها اتخاذها عند وقوع أحداث كبرى كالتي جرت في مصر من جهة أخرى.
? توقعتم ان تكون جماعة الإخوان المسلمين البديل لنظام مبارك؟
- توقعنا ذلك بمراقبتنا للحدث. فمع انطلاق سباق الرئاسة ووجود الرئيس محمد مرسي في مقابل مرشح وحيد ينتمي بحسب كثيرين الى العهد القديم وهو السيد احمد شفيق كان الارجح ان يحصد الدكتور مرسى اصواتاً اكثر، وذلك اتساقاً مع واقع الرفض الشعبي للنظام القديم ورجاله. ففي الحالة المصرية غابت البدائل أمام المصريين واختار كثيرون محمد مرسي ابتعاداً عن النظام السابق. وكثيرون قالوا انهم اضطروا لاعطاء أصواتهم الى مرشح الاخوان المسلمين في ضوء عدم وجود البديل، والحظر الذي فرضوه ذاتياً على رجال العهد السابق. وبالطبع الى جانب تصويت المؤيدين لمحمد مرسي جاءت النتيجة لصالحه.
على مسافة واحدة
? ولكن ألم يكن الدعم الكويتي الملياري المقدم الى مصر بعد عزل الدكتور محمد مرسي دليلاً على اتخاذ الكويت موقفاً مناهضاً للإخوان وحكمهم هناك؟ وألم يأت هذا الدعم في إطار التحرك الخليجي لمساندة «خارطة المستقبل» في مصر بعد 30 يونيو؟
- استطيع ان أؤكد من خلال دوري الرسمي سفيراً للكويت في تلك الفترة، ان هذه الفرضية بميل الكويت الى دعم عزل مرسي وتغيير الحكم في مصر غير منطبقة على الحال الكويتية. فالكويت كانت على مسافة واحدة من الجميع. واعتقادي ان الدعم المالي الذي قدم الى مصر بعد إزالة حكم الرئيس مرسي قد يكون مرتبطاً بمفاوضات سابقة على أحداث 30 يونيو، وجاء توقيت منح تلك المساعدات ليثير اعتقاداً بارتباطها بإجراءات «خارطة المستقبل» والتحولات الأخيرة في مصر.
? هل شهدت مفاوضات بودائع ومنحة مليارية الى مصر خلال وجودك على رأس سفارة البلاد في المرحلة السابقة على عزل الدكتور مرسي؟
- شهدت مفاوضات تمهيدية جرت بين الجانبين الكويتي والمصري في عهد الرئيس مرسي وكان وفد من الكويت برئاسة وزير المالية آنذاك الدكتور نايف الحجرف ورئيس الصندوق الكويتي للتنمية عبد اللطيف عبد الوهاب البدر، ومدير الهيئة العامة للاستثمار جاؤوا الى مصر لبحث الدعم المالي المقترح. ولكن لم يكن شكل ذلك الدعم قد تحدد بعد، وكان من الممكن ان يأخذ شكل قروض او ودائع او غير ذلك. وحدثت لقاءات بين الطرفين الرسميين الكويتي والمصري على مستوى الوزراء حينها.
وبالنسبة لارتباط المساعدة الكويتية الى مصر بتحرك خليجي مؤيد للحكم الجديد، فلا علم لدي بذلك، لانتهاء مهام عملي الديبلوماسي في ذاك الوقت. ولكن استطيع القول من واقع ما اعرفه ان الكويت تتجه بدعمها دوما الى مصر دون النظر الى الأفراد او المنظومات التي تحكم.
? هل دخلت العلاقة في مرحلة تأزيم مع الإخوان عقب الدعم الذي قدمته دول الخليج الى مصر بعد أحداث 30 يونيو؟ وهل اتصل بكم قادة من الإخوان بعد تقديم المنحة المالية؟
- لا شك ان التوقيت الذي اعلن به الدعم أدى الى اتخاذ البعض مواقف غير منصفة بحق الكويت، وبعضهم تحدث عن دور الكويت والإمارات والسعودية للتاثير على الأحداث في مصر، وعلى اثر ذلك قامت بعض التظاهرات أمام سفارات هذه الدول، ولكن ولله الحمد لم يتعرض احد لأذى. وبالنسبة للعلاقات مع قياديين من «الإخوان»، فلم يكن لنا في سفارة دولة الكويت أي علاقة بهم،ولا أي اتصالات جرت معهم.
? هل جرت أي تغييرات على عمل البعثة الكويتية او نشاطها او تفاعلها او تمثيلها خلال السنوات الثلاث الأخيرة مع التغييرات التي جرت بإسقاط نظام، وعزل آخر وبمجيء حكم ثالث جديد؟
- إطلاقاً لم يجر أي تغيير خلال السنوات الماضية. وقد عاصرت بنفسي أحداث اسقاط حكم الرئيس مبارك، وثورة 25 يناير، وثم مجيء محمد مرسي للرئاسة حتى لحظة عزل الدكتور مرسي، ولم نمر بأي تغييرات في وضعنا او عملنا كبعثة ديبلوماسية. وحتى بعد انتهاء عملي بالسفارة وبتواصلي مع السفير الحالي السيد سالم زمانان لم تصلني أي معلومة بأمور مستجدة.
وارى ان ذلك يعود بشكل رئيسي الى ثبات الموقف الكويتي بنفس العقلية في علاقاتها الخارجية بالدول الشقيقة.
البحث عن عبدالناصر
? عاصرت مصر في الستينات أثناء دراستك، وعدت إليها ديبلوماسياً في العام 2007، ثم عاصرت تحولات مهمة في تاريخها خلال الثلاث سنوات الماضية، هل تذكرك مصر اليوم بمشهد من الماضي «الناصري»، بظهور الفريق اول عبد الفتاح السيسي، والأجواء الحالية؟
- في ضوء الاوضاع القائمة اليوم لا أرى المشهد مماثلاً لما مضى. ولكن قد يوجد من يشعر بالحاجة الى قائد بكاريزما تشبه التي كان يتمتع بها جمال عبد الناصر، وربما يرى البعض ان الفريق اول عبد الفتاح السيسي نموذج مشابه لعبد الناصر خاصةً مع تاريخ حقبة عبد الناصر المميز في الوجدان المصري وفي التاريخ المصري، ودور مصر في ذاك الزمان الفاعل والقوي. وبرأيي ان من يبحث عن عبد الناصر اليوم في الواقع يسعى الى الشعور بالقوة والارتباط بالقيادة والأمن الذي ارتبط بذلك العصر. فليس الربط بين الفريق السيسي وجمال عبد الناصر ربطاً مجرداً، بل تدفع اليه الحاجة الى الأمن والقوة.
? كيف تنظر الى الاوضاع في مصر اليوم؟! ومع حلول الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير، هل تتوقع استقرار مصر قريباً؟!
- تقدمت مصر خطوة جيدة باتجاه الاستقرار وذلك باعتماد الدستور الجديد، وبرأيي ان المضي في الاستحقاق الدستوري كان انجازاً كبيراً لمصر، ومن المهم الا ننتظر تحقق غايات الثورة المصرية بين ليلة وضحاها، فالامور تحتاج وقتا لتبنى بشكل صحيح وليصل الشعب الى اهدافه. ولا اتمنى ان تستمر التضحيات والاهتزاز الأمني، ولكن علينا الاعتراف ان عملية التحول تتطلب وقتاً، واعتقد ان السير باتجاه الاستحقاقات السياسية الأخرى من انتخابات رئاسية وبرلمانية سيتجه بالاوضاع الى ما هو افضل.
ومن المهم ان تنتبه مصر الى الاخطار التي تحيط بعملية تحولها الديموقراطي سواء من مشكلات الأمن الداخلية او حتى مما يثار من احتمالات وجود اجندات خارجية تسعى للتأثير على مستقبل البلد. والحقيقة انني شخصياً من المتفائلين بمستقبل امن ومزدهر لمصر، واتوقع ان تكون الذكرى الثالثة الحالية للثورة هي آخر أيام الاضطراب في مصر.
? هل ترى «الإخوان» مندمجين مجدداً في العمل السياسي بمصر؟
- أرى ان على «الإخوان» التصالح مع حقيقة عدم وجودهم في السلطة حالياً، وعدم كونهم الطرف الاقوى وان يحاولوا الانخراط في الواقع السياسي الجديد بآليات جديدة وفكر تعايشي. من ناحية اخرى أرجو لمصر ألا يتم إقصاء أي طرف او فريق، فالاختلافات حقيقة بين البشر في اي مجتمع.
حادثة وحيدة للكويتيين أثناء ثورة يناير
قال السفير الحمد إن الحادثة الوحيدة التي حصلت للكويتيين أثناء ثورة يناير كانت مع المواطن عدنان فلاح صاحب شركة للسياحة والطيران الذي احتجزه موظفوه عندما جاء لتنظيم أمور شركته، وهو احتجاز استمر 21 يوماً، كانت تلك الأيام جحيما بالنسبة الينا في البعثة الكويتية.
وأضاف: باشرنا بالاتصال بكافة الجهات المسؤولة في البلاد حينها من وزير الخارجية الى المشير محمد حسين طنطاوي المسؤول بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة، وتعاملنا مع الامر لينتهي بعدها بخروج المواطن سالماً رغم تعقيد المسألة بسبب القوة الكبيرة التي كان يتمتع بها الأفراد العاديون في تلك المرحلة. ولكن وبفضل من الله وجهود من الشركة الأم في الكويت التابع لها فرع مصر عاد السيد عدنان سالماً الى الكويت.
دور متوازن للكويت
بسؤال السفير الحمد كيف كانت علاقته كجهة رسمية تمثل الكويت مع «الإخوان المسلمين»عقب وصولهم الى السلطة، قال: الكويت بمواقفها الرسمية حرصت على احترام خيارات الشعب المصري بأي اتجاه كانت. ولم تتدخل بأي صورة في اختيار المصريين لمن يرأسهم. وكنا داعمين لرغبات الشعب المصري وتطلعاته. ومن المعلوم ان الكويت تمارس دوراً متوازناً في علاقتها بالدول كافة،دون أي محاولات للتدخل في الشأن الخاص بالدول. هذه سياسة كويتية أصيلة وأحد ثوابت التعامل الكويتي مع الخارج. ولذلك لم يكن «الإخوان» استثناء. فتعاملنا معهم بحسب قواعدنا الثابتة في العمل السياسي والدبلوماسي، وحافظنا على علاقات طيبة مع الجميع.