«الراي» تحدثت إلى ذوي ضحايا تفجير الحريري مع بدء المحاكمات
محكمة لاهاي «تثلج» القلوب «المحروقة»
قرب نادي السان جورج لليخوت، كانت الواجهة البحرية للعاصمة بيروت تعيش يوما روتينيا في الرابع عشر من فبراير العام 2005. حتى تلك الظهيرة الشتوية المشمسة لم تختلف الصورة عن سابقاتها؛ حركة السير اليومية، إيقاع العمل في المؤسسات المحيطة ومارة لم يخلفوا ميعادهم مع منطقة يقصدونها دورياً وآخرون شاءت الصدفة أن تستدرجهم يومها إلى قلب البركان الذي انفجر مع استهداف رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري بـ 2 طن من المتفجرات قرابة الواحدة من بعد ظهر ذاك اليوم ليسقط «ابو بهاء» ويكونوا هم «رفاقه» الذين جمعتهم به الأقدار في رحلة طويلة على درب الشهادة.
بعد نحو تسع سنوات على زلزال الرابع عشر من فبراير، تبدلت الصورة بالقرب من السان جورج.. أعمال الترميم أزاحت الركام؛ «رقَّعت» هنا ملامح الدمار، وشُيّد هناك معلم جديد طارئ على جغرافية المكان. لكن وإن تمكنت ورشة الإصلاحات من طرد شبح الموت من ذاك الركن البيروتي النابض بالحياة، فإن أطياف مَن ارتفعت أرواحهم إلى بارئها في ذلك اليوم لم تترك المكان كما لم تهجر يوميات أهلها وأحبائها، الذين تدرّ عليهم الذاكرة صوراً وفيرة من ذاك اليوم المشؤوم الذي عاودت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان «تمثيله» مع انطلاقة المحاكمات الغيابية العلنية في لاهاي.
عائلات 21 ضحية سقطت الى جانب الرئيس الحريري والنائب باسل فليحان، أعادت المحاكمات للمتهَمين من «حزب الله» نكء ذاكرتها التي لم «تبرد» جراحها بعد، ولكن قلوبها وللمرة الاولى منذ تسع سنوات بدأ الدفء يتلمّس طريقه اليها... فالحقيقة وإن تأخرت، والعدالة وإن طال تحقيقها، كفيلتان بإطفاء «جمر» الألم المختبىء خلف عيونٍ لم يجف دمعها.
الحاجة أم محمد غلاييني، مرافق الرئيس الحريري، تتابع ككل اللبنانيين لليوم الثاني على التوالي وقائع الجلسات العلنية. كيف لا وهي فعلا «أم الصبي».. إبنها الوحيد الذي ربته يتيم الوالد منذ عامه الرابع فقدته في لحظة «ملتهبة» لتصبح هي من بعده «يتيمة الأمومة».
في حديثها إلى «الراي» تستجمع الحاجة أم محمد ما يختلجها من ألم، وتفيض عيناها بالدموع، فيخونها لسانها. وتسأل: «ماذا أقول لك يا ابنتي؟!»، متداركة: «الله يأخذ حقهم!». العدالة وحدها ستعزيها وتعزي أبناء محمد، ولذلك هي تريد المحكمة اليوم قبل الغد. فالمحاكمات وإن انطلقت بعد سنوات من الإنتظار ستثلج قلبها عند تحقيق العدالة إنصافاً للشهداء «محمد والرئيس الشهيد رفيق الحريري والجميع».
وعند سؤالها عن إيمانها بالقضاء اللبناني تضحك «أم الشهيد» بمرارةِ جرحها العميق، وتؤكد أنه لو تم تسليم قضية الحريري ورفاقه إلى القضاء اللبناني لما أُحرز أي تقدم، مشددة على عمق إيمانها بالمحكمة الدولية بالقول: «بدنا المحكمة. بدهم يقتلوني يقتلوني، فأنا استعجل المنية للحاق بمحمد في السماء هناك إلى جوار ربه!».
والدة آلاء عصفور، تلك الشابة الجنوبية التي أنهت تعليمها المهني بالهندسة الداخلية واستعجلت الوظيفة في بيروت فعاجلها القدَر بنصيبها من الحديد والنار لتنضمّ إلى قافلة الشهداء، تتمنى هي أيضا أن تلحق بفلذة كبدها بعد أن فرغت الدنيا من زينتها برحيل ابنتها «كعصفور» يحلق في الفضاء البعيد تاركاً الحاجة الجنوبية وحيدة تناجي خالقها لإنهاء وحدتها بموافاة آلاء إلى جواره.
إنطلاقة المحاكمات لم تخرج يوميات والدة آلاء عن روتينها المتشح بالسواد، فهي لا تتابع التلفاز أصلاً إلا في ما ندر. وككل يوم تراها ترفع بكثير من الألم، دعاء مخضباً بالدموع إلى ربها بإظهار حقيقة من أودى بزهرة حياتها بعيداً عن «وضع أي أحد في ذمتها»، قائلة: «نحن لم ننسَ آلاء، توفي زوجي ولا أزال صابرة صامدة ولن أنساها. فمن له أحباب لا يسقطون من ذاكرته ونحن نريد القصاص لمن ارتكب الجريمة لا إتهام هذا وذاك».
والدة آلاء تتحدث بصوت يعتصره الوجع لـ«الراي» عن مساحة الشوق التي تكبر في القلب كل يوم والفراغ القاحل الذي يمتد من أرجاء المنزل إلى كل الدنيا بغياب فقيدتها الغالية، والذي لن يملأه أحد من بعدها سوى مجموعة صور وذكريات.
من جانبها، جومانا زوجة الشهيد جوزيف عون، تغص الكلمات في فمها عند الحديث عن استشهاد زوجها في فبراير 2005 في ذلك الإنفجار ـ الزلزال. هي لا تتابع وقائع الجلسات التي تنقلها القنوات اللبنانية والفضائيات العربية لإنشغالها بالعمل، فتنال مساء من نشرات الأخبار زبدة ما جاء في ساعات البث المباشر.
وتشير لـ«الراي» إلى «أملها في أن تظهر الحقيقة بسرعة وأن تصل المحكمة إلى النتيجة المرجوة»، مؤكدة «أهمية وضع حد للإجرام ومحاكمة المجرمين أياً تكن هويتهم». وإذ لا تنكر بأسى أن «ما فُقد لا يمكن تعويضه»، تلفت إلى أن «عزاءها في أن تكون العدالة عبرة للذين يخططون لهذه الجرائم».
وفي حين تتحدث بلوعة عن قتل الأطفال، تؤكد بحزم «أهمية وضع حد للجرائم، وأن يدرك المجرم أنه سينال عقابه عاجلاً أم آجلاً.. فالناس «مش برغش»!».
على عكس جومانا يتسمّر عبد درويش شقيق الشهيد محمد الدرويش، مرافق الرئيس الحريري، أمام شاشة التلفزيون منصتاً باهتمام لما يشاهده مباشرة من لاهاي حيث والدته التي رافقت وفد ذوي الضحايا إلى المحكمة. ومن أمام شاشة التلفزيون يعبّر لـ«الراي» عن دهشته بهذه التفاصيل اللافتة التي يقدمها الإدعاء، لافتاً إلى أنها تحيي في ذاكرته من جديد وقائع ذاك اليوم. تضمحل السنوات التسع التي مرت، ليشعر كأن ما يعيشه الآن استكمال لذاك اليوم الدموي.
عبد الذي يستشعر في كل يوم عمق الفراق الذي أحدثه الإنفجار في حياته بمقتل أخيه محمد، يأمل إنصاف الشهداء بكشف الحقيقة ومعاقبة الفاعلين. وإذ لا يُسقِط فرضية عدم إلقاء القبض على الجناة، يوضح أن «الحكم عليهم غيابياً يريحنا نفسياً، فأقله نكون عرفنا مَن قتلهم، فضلاً عن أنه سيظهر من خلالهم من هم أعلى منهم وشاركوا بهذه الجريمة».
وبين العدالة والثأر، يؤكد «أننا نريد العدالة دون شك، ولكن اذا لم يتم الإقتصاص من الجناة، لن نترك دم أخي محمد يذهب هدراً». ثم لا يلبث أن يؤكد ثقته بعدالة المحكمة الدولية «100 في المئة».
وبخلاف مَن تقدم من ذوي الشهداء، رفضت ميرا حيدر في اتصال أجرته «الراي» بها التعليق على إنطلاق المحاكمات أو الخوض في أي موضوع يتصل باستشهاد زوجها رواد في الرابع عشر من فبراير 2005، مشيرة بكثير من الوقار والحزن إلى أن «هذا الموضوع شخصي، والمعالج النفسي الذي عالج الأولاد لفترة طويلة من الزمن منع العائلة من الظهور الإعلامي والإدلاء بأي حديث صحافي».
بعد نحو تسع سنوات على زلزال الرابع عشر من فبراير، تبدلت الصورة بالقرب من السان جورج.. أعمال الترميم أزاحت الركام؛ «رقَّعت» هنا ملامح الدمار، وشُيّد هناك معلم جديد طارئ على جغرافية المكان. لكن وإن تمكنت ورشة الإصلاحات من طرد شبح الموت من ذاك الركن البيروتي النابض بالحياة، فإن أطياف مَن ارتفعت أرواحهم إلى بارئها في ذلك اليوم لم تترك المكان كما لم تهجر يوميات أهلها وأحبائها، الذين تدرّ عليهم الذاكرة صوراً وفيرة من ذاك اليوم المشؤوم الذي عاودت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان «تمثيله» مع انطلاقة المحاكمات الغيابية العلنية في لاهاي.
عائلات 21 ضحية سقطت الى جانب الرئيس الحريري والنائب باسل فليحان، أعادت المحاكمات للمتهَمين من «حزب الله» نكء ذاكرتها التي لم «تبرد» جراحها بعد، ولكن قلوبها وللمرة الاولى منذ تسع سنوات بدأ الدفء يتلمّس طريقه اليها... فالحقيقة وإن تأخرت، والعدالة وإن طال تحقيقها، كفيلتان بإطفاء «جمر» الألم المختبىء خلف عيونٍ لم يجف دمعها.
الحاجة أم محمد غلاييني، مرافق الرئيس الحريري، تتابع ككل اللبنانيين لليوم الثاني على التوالي وقائع الجلسات العلنية. كيف لا وهي فعلا «أم الصبي».. إبنها الوحيد الذي ربته يتيم الوالد منذ عامه الرابع فقدته في لحظة «ملتهبة» لتصبح هي من بعده «يتيمة الأمومة».
في حديثها إلى «الراي» تستجمع الحاجة أم محمد ما يختلجها من ألم، وتفيض عيناها بالدموع، فيخونها لسانها. وتسأل: «ماذا أقول لك يا ابنتي؟!»، متداركة: «الله يأخذ حقهم!». العدالة وحدها ستعزيها وتعزي أبناء محمد، ولذلك هي تريد المحكمة اليوم قبل الغد. فالمحاكمات وإن انطلقت بعد سنوات من الإنتظار ستثلج قلبها عند تحقيق العدالة إنصافاً للشهداء «محمد والرئيس الشهيد رفيق الحريري والجميع».
وعند سؤالها عن إيمانها بالقضاء اللبناني تضحك «أم الشهيد» بمرارةِ جرحها العميق، وتؤكد أنه لو تم تسليم قضية الحريري ورفاقه إلى القضاء اللبناني لما أُحرز أي تقدم، مشددة على عمق إيمانها بالمحكمة الدولية بالقول: «بدنا المحكمة. بدهم يقتلوني يقتلوني، فأنا استعجل المنية للحاق بمحمد في السماء هناك إلى جوار ربه!».
والدة آلاء عصفور، تلك الشابة الجنوبية التي أنهت تعليمها المهني بالهندسة الداخلية واستعجلت الوظيفة في بيروت فعاجلها القدَر بنصيبها من الحديد والنار لتنضمّ إلى قافلة الشهداء، تتمنى هي أيضا أن تلحق بفلذة كبدها بعد أن فرغت الدنيا من زينتها برحيل ابنتها «كعصفور» يحلق في الفضاء البعيد تاركاً الحاجة الجنوبية وحيدة تناجي خالقها لإنهاء وحدتها بموافاة آلاء إلى جواره.
إنطلاقة المحاكمات لم تخرج يوميات والدة آلاء عن روتينها المتشح بالسواد، فهي لا تتابع التلفاز أصلاً إلا في ما ندر. وككل يوم تراها ترفع بكثير من الألم، دعاء مخضباً بالدموع إلى ربها بإظهار حقيقة من أودى بزهرة حياتها بعيداً عن «وضع أي أحد في ذمتها»، قائلة: «نحن لم ننسَ آلاء، توفي زوجي ولا أزال صابرة صامدة ولن أنساها. فمن له أحباب لا يسقطون من ذاكرته ونحن نريد القصاص لمن ارتكب الجريمة لا إتهام هذا وذاك».
والدة آلاء تتحدث بصوت يعتصره الوجع لـ«الراي» عن مساحة الشوق التي تكبر في القلب كل يوم والفراغ القاحل الذي يمتد من أرجاء المنزل إلى كل الدنيا بغياب فقيدتها الغالية، والذي لن يملأه أحد من بعدها سوى مجموعة صور وذكريات.
من جانبها، جومانا زوجة الشهيد جوزيف عون، تغص الكلمات في فمها عند الحديث عن استشهاد زوجها في فبراير 2005 في ذلك الإنفجار ـ الزلزال. هي لا تتابع وقائع الجلسات التي تنقلها القنوات اللبنانية والفضائيات العربية لإنشغالها بالعمل، فتنال مساء من نشرات الأخبار زبدة ما جاء في ساعات البث المباشر.
وتشير لـ«الراي» إلى «أملها في أن تظهر الحقيقة بسرعة وأن تصل المحكمة إلى النتيجة المرجوة»، مؤكدة «أهمية وضع حد للإجرام ومحاكمة المجرمين أياً تكن هويتهم». وإذ لا تنكر بأسى أن «ما فُقد لا يمكن تعويضه»، تلفت إلى أن «عزاءها في أن تكون العدالة عبرة للذين يخططون لهذه الجرائم».
وفي حين تتحدث بلوعة عن قتل الأطفال، تؤكد بحزم «أهمية وضع حد للجرائم، وأن يدرك المجرم أنه سينال عقابه عاجلاً أم آجلاً.. فالناس «مش برغش»!».
على عكس جومانا يتسمّر عبد درويش شقيق الشهيد محمد الدرويش، مرافق الرئيس الحريري، أمام شاشة التلفزيون منصتاً باهتمام لما يشاهده مباشرة من لاهاي حيث والدته التي رافقت وفد ذوي الضحايا إلى المحكمة. ومن أمام شاشة التلفزيون يعبّر لـ«الراي» عن دهشته بهذه التفاصيل اللافتة التي يقدمها الإدعاء، لافتاً إلى أنها تحيي في ذاكرته من جديد وقائع ذاك اليوم. تضمحل السنوات التسع التي مرت، ليشعر كأن ما يعيشه الآن استكمال لذاك اليوم الدموي.
عبد الذي يستشعر في كل يوم عمق الفراق الذي أحدثه الإنفجار في حياته بمقتل أخيه محمد، يأمل إنصاف الشهداء بكشف الحقيقة ومعاقبة الفاعلين. وإذ لا يُسقِط فرضية عدم إلقاء القبض على الجناة، يوضح أن «الحكم عليهم غيابياً يريحنا نفسياً، فأقله نكون عرفنا مَن قتلهم، فضلاً عن أنه سيظهر من خلالهم من هم أعلى منهم وشاركوا بهذه الجريمة».
وبين العدالة والثأر، يؤكد «أننا نريد العدالة دون شك، ولكن اذا لم يتم الإقتصاص من الجناة، لن نترك دم أخي محمد يذهب هدراً». ثم لا يلبث أن يؤكد ثقته بعدالة المحكمة الدولية «100 في المئة».
وبخلاف مَن تقدم من ذوي الشهداء، رفضت ميرا حيدر في اتصال أجرته «الراي» بها التعليق على إنطلاق المحاكمات أو الخوض في أي موضوع يتصل باستشهاد زوجها رواد في الرابع عشر من فبراير 2005، مشيرة بكثير من الوقار والحزن إلى أن «هذا الموضوع شخصي، والمعالج النفسي الذي عالج الأولاد لفترة طويلة من الزمن منع العائلة من الظهور الإعلامي والإدلاء بأي حديث صحافي».