مقال / هو الأمل!

تصغير
تكبير
من حق الشعب المصري أن تنهض بلاده، وتقف على قدميها. ومن حق مصر أن ينعم شعبها بحريته وكرامته وعدالة قوانينه، وأن يخطو مجتازاً محن الماضي وآلامه.

ما من شعب يهوى الاقتتال والدم. ما من شعب إلا ويسعى إلى الحرية. غير أن الظروف والملابسات، فضلاً عن الأطماع ونزعة الاستئثار، تعقّد المطموح إليه، وترجئه. مصر، بعد ثورتها، أرجئ أملها لكنه لم يمت ولم يدخل في غيبوبة.

الاستفتاء على الدستور اليوم، وعلى الرئاسة غداً، وعلى البرلمان بعد غدٍ... وهكذا خطوة بعد خطوة يمضي التغيير بما يليق بعراقة هذا البلد وشعبه.

متشائمون عديدون قالوا: لن تقوم لمصر قائمة بعد الاضطرابات التي شهدتها والأحداث المؤلمة التي وقعت اخيراً والمواجهات والدماء التي سالت. ومتشائمون كثيرون قالوا: إن الربيع العربي هو زمهرير ليس إلا، وإن ما قام في مصر، وفي بلدان عربية أخرى، ليس سوى وهم التغيير، لا التغيير عينه، ووهم الثورة لا الثورة ذاتها. قالوا ذلك ودلّلوا عليه بأن صبيحة يوم الثورة لم يتغير كل شيء (!!).

ها هي مصر تكذّب ما خالوه، وها هو الشعب المصري يمضي خطوة ـ في طريق طويلة بلا شك ـ نحو ما يريد أن يكون. ونحو ما يجب أن يكون. ونحو تغيير ما كان قائماً ظلماً واستئثاراً.

لن تتحوّل مصر إلى جنة عدن لا بين ليلة وضحاها، ولا بين عام وأخيه. ستحتاج مثل كل شعوب البلدان العربية التي تنشد التغيير وتسعى إليه، إلى زمنٍ، وإلى جهدٍ، وإلى صبرٍ، بل وستضطر للتعثر هنا وللتعثر هناك. لمواجهة أزمة هنا ومواجهة أزمة هناك. هذا من الصلب في آليات التغيير ومساره.

ومن الصلب أيضاً أن يُصار إلى معاودة النهوض، ومعاودة المحاولة. من الصلب والضرورة إلى أن يستوي الوضع ويتعافى، أو يخطو في طريق المعافاة على أقل تقدير. وهذا ما تتشكّل ملامحه الآن خلال خطوة الاستفتاء على الدستور.

ما يهمّ بشكل أساسي هو أن التغيير ليس وهماً، وليس حلماً وردياً ينظمه شعراء. التغيير ـ تقول خطوات مصر ـ هو واقع يحيا ويزهر، ويحتاج دون شك إلى زمن ليثمر ويعطي.

في آمال شعوب البلدان الأخرى أن تثمر جهودها وتضحياتها. أن تجتاز الماضي ثقيل الظل الذي شكّل مرحلة بالغة الأسى. هذا هو الأمل. وهو لا يهبط من الغيب. ما من تحقق يمكن أن يتجسّد إلا عبر التوافق بين الناس على الأرض.

خطوة مصر اليوم تعيد الرؤية إلى البصر، والثقة إلى القلوب العطشى. خطوة مصر اليوم هي حجر الأساس الذي ستشاد عليه عمارة المستقبل. الاستفتاء على الدستور ليس كل شيء بالتأكيد. لكن أهم ما فيه هو الإشارة البليغة إلى أن التغيير لم يكن وهماً، ولا خداعاً بصرياً. وهو ليس أحلام يقظة سرعان ما تتبدد. تغيير سيحث بلداناً عربية أخرى إلى خطوات مماثلة بعد أن ثبت بالملموس من أن اللون الواحد لا يجدي، وأن الاستئثار لا ينفع، وأن التوافق هو الطريق والطريقة.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي