كان الشعراء في السابق لهم شأن كبير نتيجة حجم تأثيرهم من قصائدهم سواء بالمدح أو الذم، وأغلبهم كانوا مثل «مرتزقة» الإعلام العربي الحديث، يقولون على حسب ما يريده سيدهم، وكان الشاعر القديم مثل وزارة الإعلام في العصر الحديث، وغالبية الشعراء كانوا يأخذون الأموال على شعرهم، ولا يهتمون بما يقولون كان صحيحا أم خطأ، ولعل موقف الخليفة عمر بن عبدالعزيز مع الشعراء خير دليل وشاهد، حيث ان الشعراء ذهبوا للخليفة عند تسلمه للحكم، وأرادوا مدحه لأنهم يريدون المال، وهذه عادة الشعراء، فمنع الخليفة دخول الشعراء عليه مثل الفرزدق ونصيب والأخطل وعمر بن أبي ربيعة، وبسبب أن الخليفة كان يعرف الأبيات الخاصة بكل شاعر، واستثنى من الشعراء جرير.
قال عمر بن عبدالعزيز : اتق الله يا جرير ولا تكذب في شعرك، فإن الله سوف يسألك عن هذا. فقال جرير: اعطني، فقال الخليفة: ما وجدت للشعراء في كتاب الله عطاء، إن كنت فقيرا أو مسكينا أو ابن سبيل أعطيناك، فقال جرير: أنا فقير، قال الخليفة: خذ مئتي درهم من مالي الخاص وليس من بيت مال المسلمين، فقال جرير : فوالله لقد كان هذا المال أبرك مال رأيته في الحياة.
شاعر نرجسي كذاب متملق يمدح على حسب المال والطلب، يأخذ المال والدنانير التي لا يستحقها وهناك من الفقراء لا يعلم عن حالهم إلا الله، وهذه النوعية من الشعراء لا يجدون شيئا عند مدرسة العمل والجدية التى كان يمثلها عمر بن عبدالعزيز.
أما الآن فقد خفت نجم الشعراء بسبب القنوات الفضائية، وهي البديل عن ذلك، فنجد نفس الممارسات التى كانت تمارس آنذاك من مرتزقة الشعراء، والإعلام العربي اليوم يكثر به هذا النوع من المرتزقة، الذين يأخذون الأموال من سيدهم، ويقولون ما يريده... والمرتزق هو عبارة عن شخص باع ضميره ورضي أن يكون مطية وجسرا لعبور الآخرين عليه، وهم يتصرفون بلا ضمير أو حتى إنسانية... ولحظة التواطؤ الأولى هي كانت الحاجز النفسي والأصعب على النفس، وما إن سقطت حتى أصبحت الأمور الأخرى أسهل، خصوصا عندما نرى مرتزقة الإعلام العربي يصفقون للمجرم أثناء الجرم المشهود.
من صفات مرتزقة الإعلام تمجيد الظالمين، وقد يكون المرتزق إعلاميا أو سياسيا أو رجل أعمال أو صحافيا أو حزبا سياسيا دينيا أو ليبراليا أو حتى رجل الدين الذي يمدح للمجرم وكأنه القائد الأوحد مثلما كان يفعل رجال الدين مع القذافي وفرعون سورية وجنرالات مصر. ولكي تعرفهم على حقيقتهم ما عليك سوى أن تنظر إلى بعض القنوات العربية التى تشوه الحقائق لتعرف حجم الكذب والتدليس.
مرتزقة الإعلام يصفقون لانتهاكات حقوق الإنسان إذا كانت تخالف سيدهم، يؤيدون القتل، الضمير بالنسبة لهم ليس له قيمة، ولكن الأهم منه هو المال، وشعاره من يدفع أكثر، كما كان شاعر البلاط يفعل في السابق، وشعاره «اكذب واكذب» حتى يصدقك الناس، ويرى الأشياء من زاوية سيده الذي أعطاه المال، ما يؤدي إلى غياب المهنية والانحياز لمن يدفع أكثر!
وكما يقول د. سلمان العودة : من العادات المدمرة للشركات الناجحة أن يغيب عنها الاحساس بالمنافسة، وهذا ما يعانيه الإعلام العربي الذي لايزال يصدق نفسه ويعتقد أنه متصدر، لأنه لا يرى إلا المنافسين الظاهرين الذين هم على شاكلته وقد يخوض معهم حروب السيطرة والنفوذ بالوسائل القديمة (اكذب واكذب واكذب حتى يصدقك الناس).
@akandary
[email protected]