ترجمة / مارتن غايفورد يكشف حياة مايكل أنجلو الملحمية

u0645u0646 u0623u0639u0645u0627u0644 u0645u0627u064au0643u0644 u0623u0646u062cu0644u0648
من أعمال مايكل أنجلو
تصغير
تكبير
يعتبر (مارتن غايفورد) أحد الكتاب المخيرين الذين يبرعون في إبراز أفضل ماضي الفنانين المعاصرين. وقد استكشف (غايفورد) في مجموعة كتبه الرائعة التي صاغها ببراعة وصحيحة خلال العقد الماضي انفعالات (جون كونستابل) النفسية وأفاض في الحديث عن الفن عند (ديفيد هاكني)، وجسَّد القيمة الكبيرة لجلوس (لوسيان فرويد) لعمل صورة زيتية، وقدم في كتابه (المنزل الأصفر) وصفاً مستفيضاً للعلاقة المضطربة بين (فان جوخ) و(غوغان) في الفترة من (اكتوبر) وحتى (ديسمبر) من عام (1888).

و(غايفورد) يبرع في التقرب الشديد من فنان ما، خاصة من هم على قيد الحياة. وخلال فترة قصيرة ومفصحة بالنشاط نسبياً «استطاع ان يستكشف عملاً ابداعياً فنياً، رقيقاً وخاطفاً، بمهارة وتعايش قل ان يمتلكها غيره من الكتاب، لذلك فعندما يقوم هذا الكاتب باستكشاف الناحية الثقافية والتاريخية في حياة (مايكل أنجلو) الذي مات منذ سنوات عديدة، دون أن يكون للكاتب أي خلفية واضحة في مجال فن عصر النهضة أو الفن الايطالي، فإن دراسته هذه لا تعتبر ملحمية فقط، لكنها تنطوي أيضاً على شجاعة كبيرة، وقد يُوحي البعض من انها تدل ايضاً على التزام جريء من الكاتب تجاه الفنان الراحل.

ومايكل أنجلو يأتي في المرتبة الثانية في الشهرة بعد (شكسبير) كما ان عدد الدراسات التاريخية المقدمة حول سيرته الذاتية الخاصة والعامة، والصعوبات التي تواجه كل من يتناول سيرته الذاتية، تمتزج بحقائق غير مناسبة كان ببساطة يقوم بها كثيرا. وكان (مايكل أنجلو) قد عاش فترة طويلة خلال احدى أكثر المراحل أهمية في تاريخ الغرب. وعندما مات في عام (1564) عن عمر يناهز الثامنة والثمانين، فقد كان قد تعايش مع احتلال شمالي ايطاليا، وبروز وأفول حكم رعاشة العظماء، من افراد اسرة (ميد تشي)، كما عايش فترة الاصلاح الديني اللوثري، وكفرا الاصلاح المقابل (المضاد) الذي تركز في وطنه (روما)، وتمكن خلال ذلك من العمل لصالح أكثر الحكام المستبدين دموية في عصره، ومنهم (8) بايوات، قدم من أجلهم بعضاً من أعظم الأعمال الفنية التي شهدها العالم، ولم تكن المهمة يسيرة، إذ يعترف (غايفورد) بأن «هناك ما يبرر كراهية المرء لـ مايكل أنجلو، ويتفق مع معاصري الفنان على أن «صبر (أيوب) لن يكفي يوماً واحداً من التعامل مع ذلك الرجل».

لذلك يتساءل المرء: هل نحتاج حقاً لتأليف كتاب جديد عن السيرة الذاتية لـ «مايكل أنجلو؟ إنها شهادة على مهارة (غايفورد) ككاتب، وعلى انه استطاع تقريباً اقناعنا بأن الإجابة هي: نعم.

المشكلة الرئيسية هي انه عبر حوالي (700) صفحة، يجسّد الكاتب باهتمام موجع كل تفاصيل حياة الفنان الايطالي، حتى انه لم يترك شيئاً جديداً يذكر عن الفنان. تحدث الكاتب عن حياة (مايكل أنجلو) المبكرة: علاقته الصعبة مع والده، وتبني اسرة (ميدتشي) له، وموهبته الفريدة، ورفضه الغريب الاعتراف بدينه الفني لأحد سوى لنفسه. ويبدو (غايفورد) في أفضل حالاته عندما يقتبس سطوراً من خطابات (مايكل انجلو) أو بعض رسوماته، التي تُظهر الخيال القريب، والخارج عن المعهود - حالته المزاجية - عندما لا يكون ملتزماً بأي عمل فني.

لكن هذه كانت لمحات داخلية نادرة للفنان الايطالي، غالباً ما كانت تضيع في الكتابات المكررة عن المناظرات الدينية المتداخلة مع مناظرات العائلات الحاكمة، التي كانت رسمة من رسمات الحياة السياسية للقرن

السادس عشر، والتي تمكّن (مايكل انجلو) من التعايش معها، رغم طبيعته الانفعالية التي تنم عن حدة الطبع، كما يتمكن (غايفورد) من عمل تشبيهات يكسر فيها الزمن: بادعاءاته بإن امداد الماء الوفير ادى الى قيام عصر النهضة، وان معالجة اسرة (ميدتشير) للدستور الفلورنسي يُظهر انه ربما كان يصبح أكثر نجاحاً في تأليف كتاب ثالث بنفس الحجم عن (مايكل انجلو) يتناسب مع حجم أعماله.

من الصعب بمكان ذكر شيء جديد حول الأعمال الفنية لـ (مايكل أنجلو)، إلا أن (غايفورد) استطاع القيام بذلك بتشجيعنا على التفكير والنظر في كل ما هو واضح وكل ما هو غُفل. وأن (ديفيد) هو «وحش لم تضف أجزاؤه لأي اطار بشري حقيقي»، انه بالغ كامل البنيان لكن بقياسات صبي.. والسرعة التي تم بها إنهاء الأجزاء الأخيرة من كنيسة (سيشين) تُظهر كيف «أن زوبعة خلق الله وابداع (مايكل انجلو) امتزجا في خلق واحد».

وعندما تكون العلاقات بشرية (انسانية) فإن الحيوية تُثرى كلمات (غايفورد) وهو يتناول من قريب ومن بعيد علاقة (مايكل انجلو) الوثيقة والمحتدمة بالبابا (جولياس الثاني) والتي كانت أشبه بلعبة القط والفأر، عبر المهام التي فوّضها البابا للفنان الايطالي، والعلاقات الثأرية مع الجميع بدءاً من (ليوناردو) في (فلورنسا) وحتى (رافاييل) و(سانغالو) في (روما)، والقصيدة الموجهة لصديق عمره الشاب الوسيم (توماسو دي كافاليري). وقد برع الكاتب في ذكر كل ما يتعلق بفترة الخمسينات والستينات من القرن السادس عشر في الأقسام المتأخرة من كتابه، ويصف بشكل مؤثر البيئة الدينية والسياسية المتحولة في (روما) في فترة الاصلاح المضاد، التي ادت الى وضع أغصان التين على رسومات (مايكل انجلو) الجدارية في كنيسة (سيستين)، برغم ان الفنان، الذي بلغ الثمانين من عمره، عَرَض ما أسماه (غايفورد)، شراسته في محاربة الشبان المطالبين بتاجه باعتباره أعظم فنان حي.

وأخيراً، فقد بذل (غايفورد) جهداً عظيماً في كتابه، لكن من الصعب تصور من لا يبذل مثل هذا الجهد عندما يواجه مثل هذا التحدي الكبير. وهكذا ومع السرد الحثيث والأمين لحياة (مايكل أنجلو)، وتسليط الكثير من الضوء على أعماله، فقد حقق (غايفورد) ما كان يطمح إليه من وراء تأليف هذا الكتاب، لكن أرجو ان يعود سريعاً الى ما يبرع فيه: متابعة كل ما هو صغير وشارد، لا كل ما هو موجود معروف بالفعل.

عن صحيفة «تليغراف» البريطانية
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي