الكويت حضرت وتركت بصمة

معرض الكتاب الدولي في بيروت «ربيع ثقافي» دافئ في محيط «عاصِف»

u062cu0646u0627u062d u0627u0644u0643u0648u064au062a u0641u064a u0627u0644u0645u0639u0631u0636 (u062au0635u0648u064au0631 u062cu0648u0632u0641 u0646u062eu0644u0629?)
جناح الكويت في المعرض (تصوير جوزف نخلة?)
تصغير
تكبير
رغم العواصف الرعدية والأمنية التي تنهال على لبنان والمحيط، عاشت العاصمة اللبنانية بيروت ربيعاً ثقافياً دافئاً في أرجاء معرضها الدولي، الذي امتدّ حتى التاسع عشر من الحالي في مركز بيال» على الواجهة البحرية للمدينة. الكوة الثقافية التي فتحها لبنان للعام السابع والخمسين في جدار الجهل والأمية، حرص على ألا «ينأى بنفسه عنها» هذا العام رغم الظروف الصعبة، باعتبارها حاجة تتضاعف ضرورتها في الحالك من الأيام لتشكل «استراحة محارب» أو «ميدان ثقافة» في منطقة يُكتب حاضرها... بالدم. وإذا كانت الجغرافيا ترسم للبنان حيّزه، فإن الكتاب جواز سفر عابر للحدود، لذلك التأمت تحت سقف المعرض نحو 265 دار نشر لبنانية وعربية فضلاً عن 14 مؤسسة ثقافية، جادت على رفوفها بما نشرت. ولأنّ ذوق القارئ هو المعيار الأساسي لكل اختيار، فإن الدُور المشارِكة في «كارنفال» القراءة حرصت على إعطاء كل ذي حق حقه بإيجاد ما يلائم «مزاجه» الثقافي، فغطت غالبية العناوين ووفرت غالب المضامين. وإذا كان القارئ العربي ينال غالبا حصة الأسد من معروضات هذه «التظاهرة» السنوية، فنظيراه الفرنكوفوني والإنجلوسكسوني لا يخيّب المعرض آمالهما. فهنا حيث تمتزج رائحة الورق وأريج الحروف مع عطر القهوة المنبعث من زاوية الإستراحة، يعطي تراصف كتب الفن والأدب والدين، العلم والتكنولوجيا، الفلسفة، التاريخ، الجغرافيا والعلوم انطباعاً مُطَمْئناً الى أن الإنتاج الثقافي في لبنان والعالم العربي «على قيد الحياة» وإن تعرّض لـ «وعكات» بين الحين والآخر.

غالبية دور النشر، ولا سيما العربية، حضورها دائم في هذا المعرض، ولم تحل الظروف الأمنية التي عاشها لبنان في الأعوام الأخيرة دون مشاركتها بعديدها وعتادها. ورغم ان القراء اللبنانيين والعرب يتناقص عددهم باطراد، سواء نتيجة الظروف الأمنية او لاعتبارات شخصية، فان لائحة هذه الدُور تطول في كل عام مع وجود أسماء لبنانية كـ«المنهل اللبناني»، دار «التنوير»، «المعرفة»، وأخرى عربية كـ«بيت الحكمة» البغدادي، «الكتاب الجامعي» من الإمارات، «الثقافة» من عمان. حتى سورية ورغم طوفان الدم فيها، تسرّب الحرف منها إلى لبنان ليقول: »نحن هنا» من خلال دور: «المعرفة»، «الكتاب العربي»، «الخير»، «الرشاد».. وغيرها. وتركيا حضرت أيضاً وكذلك السويد وملحقيات عربية وأجنبية. «دار الطليعة» و«منشورات غادة السمان» على سبيل المثال، لم تخلف موعدها ككل عام مع هواة القراءة ومحترفيها. وهي توزع بعناية على رفوف زاويتها أهم وآخر اصدارات الدار؛ فيما خصت عشاق الروائية السمان بدواوينها ورواياتها.

سعد نعنع المسؤول عن هذا الركن شكا لـ «الراي» الإقبال الضعيف على القراءة، لافتاً إلى أنه «يتراجع من عام إلى آخر»، وعازياً ذلك إلى «الأوضاع الاقتصادية ». ورغم أن حب القراءة لا يخضع لأي مساومات ولا تغريه أي عروض، إلا أن هذه الدار خصّت رواد المعرض بحسومات ملحوظة على أسعار الكتب. وقد حذت حذوها دور أخرى وأعلنت «بازاراً» مفتوحاً على كتب جديدة ومستعملة، تهافت الزوار على «التنقيب» بينها على ما يناسب اهتماماتهم لينضم إلى مكتباتهم.

وزارة الإعلام الكويتية لم تغب عن معرض الكتاب في بيروت، وهي في حضورها الرمزي الذي جاء بتوصية على الأعلى المستويات من الوزارة بحسب ما اشار المسؤول عن هذا الركن خالد الخلفان، اكدت على متانة العلاقات اللبنانية- الكويتية. وفي حين أوضح الخلفان لـ «الراي» أن الكتب والإصدارات الموزعة على الرفوف وطاولات العرض غير مخصصة للبيع، وهي لإثبات وجود اسم الكويت في هذا المعرض، فإن دور نشر كويتية شاركت في «مهرجان» الكتاب عارضة لأبرز إصدارات الكتب الكويتية. في الخارج موقف السيارات أقل ازدحاماً من المعتاد، وتختلط فيه السيارات بباصات نقل الطلاب. التلاميذ الذين حضروا بزيهم المدرسي، يغنون فرحاً بانعتاقهم من الصفوف وتمتّعهم برحلة حملتهم من منطقتهم البعيدة إلى بيروت. في البرد القارس يتجمعون حول مدرّسيهم، حتى ولوجهم الصرح الثقافي الكبير لينتشروا بعدها مذهولين أمام عرس الأحرف والألوان. (مها. ل.) مدرّسة اللغة الفرنسية توجّه طلابها نحو هذا الركن أو ذاك. تدلّهم على كتب اختيارية وأخرى أكثر من ضرورية لتحسين مستوى لغتهم وثقافتهم في آن. تثني على خيار أحدهم وتنهر آخر أضلّ الطريق نحو «كتب لا طائل منها». نتالي تلميذتها تستشيرها في صوابية خيارها، فتؤكد لها سوء انتقاء رواية «البخيل» لموليير فهي لا تناسب صفها الدراسي وعليها اختيار روايات تناسب الشهادة المتوسطة لا الثانوية العامة. توافق الفتاة بابتسامة، ثم توضح لـ «الراي» أنها تزور المعرض للعام الثالث على التوالي، وهي في كل زيارة تشتري «مؤونة» العام من الكتب العربية والفرنسية وأخرى في الطبخ أوصتها أمها بشرائها لها. على عكس مها، نسرين حريري مدرّسة الروضات سبقت تلامذتها إلى المعرض بغرض الإستطلاع. هي دائمة المشاركة، لكنها تفضّل وضع خطة محكمة ترسم فيها طريق تلامذتها إلى «الأكشاك» اللازمة لشراء كتب تضجّ بالألوان وتلائم صغر سنهم ومستوى صفهم. وتوضح المعلّمة أنها تنوي إصابة عصفورين بحجر واحد خلال زيارتها، فهي ستشتري كتباً تحتاج اليها في عملها، وأخرى لمطالعتها الشخصية ستستمتع بقراءتها في وقت فراغها. ليندا حمورة القادمة من البقاع (شرق لبنان) تزرع المعرض جيئة وذهاب. هي أعدّت سلفاً لائحة الكتب المطلوبة، لكنها لم تعثر على أيّ منها حتى الآن. تنتقل من ركن إلى آخر تسأل عن كتب في الفلسفة والأدب، وتتحرى عن «فتح الأندلس» للكاتب راغب السنجاني. «مذكرات هامفر» لم تجدها أيضاً حتى الساعة، وكلها أمل بالعثور على كتاب « طوق الحمامة». وتشير لـ «الراي» إلى أنها تأمل أن تجد كما في كل عام مقصدها، فالمسألة مسألة وقت، وهي مصرة على العودة أدراجها محمّلة بالكتب المذكورة. صديقتها سميرة السيد، التي تركت في البقاع عملاً حراً وأبناء حاصرتهم العاصفة فجاءت بمفردها، توضح أن لا كتب محددة تبحث عنها. فالكتاب الأجمل سيناديها لابتياعه وهي ستلبي حينئذ «النداء». أما أولادها فستنتقي لهم ما يلزم لأنها تريد لهم ثقافة واسعة في شتى الميادين، آملة أن يتمكنوا في وقت لاحق من الحضور بأنفسهم لاختيار ما يلزمهم. تماماً كـ«هانية» و«ابتسام» السيدتين الستينيتين اللتين حضرتا من بيروت لابتياع كتب تؤنس ساعات الوحدة التي تعيشانها في غياب أبنائهم في المهجر.

من تحت نظارتيها، تتحقق ابتسام من مطابقة عناوين أحد الكتب مع جملة دوّنتها بقلم رصاص على قصاصة ورق. تسحبه بحماسة عن الرف مهلّلة: «هذا هو». تهنئ نفسها أخيراً بالحصول على كتاب »شرح العقيدة النسفية»، الذي أخبرتها عنه إحدى جاراتها، ثم تمدّ هانية بآخر لأنها متشوقة هي أيضاً لقراءته. الحاجّتان البيروتيتان تواظبان على المجيء في كل عام إلى معرض الكتاب. تسيران على مهل تسند الواحدة الأخرى، «تتوشوشان» وتقهقهان، ثم لا تلبسان أن تتابعا السير نحو ركن آخر يعرض كتبا فلسفية ودينية.

وتكشف هانية لـ«الراي» أنها لا تنتقي من المعرض كتب الطبخ؛ فمَن هذا »الشيف» الذي يفوقها خبرة ودراية في تحضير أشهى الوصفات وأصعبها؟ أما كتب الأبراج فهي تعاكس عقيدتها الإيمانية ولا تجدها مسلية حتى، لذلك هي هنا كما في كل عام تنتقي لنفسها الكتب الدينية لسهرات شتوية إيمانية، أما لأحفادها فستختار لهم قصصاً وحكايات ودفاتر مزدانة بالألوان تفاجئهم بها عند عودتهم من «منفاهم» الأوروبي.

أما عشاق المغامرة في القراءة، وهم كثر، فكانوا يقصدون »البيال» مساء للإفادة من فرصهم المنوعة للاختيار بين باكورة هذا الشاب في عالم الكتابة أم كتاب هذا المخضرم في مجال الريشة والحرف. فهم كانوا على موعد يومي مع كتّابهم المفضلين.?
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي