أوراق ملونة / مساجدنا الجميلة... تاريخ يجب أن نتذكره «1»

تصغير
تكبير
| بقلم وريشة علي حسين |

كنت ومازلت في أيام الشتاء الجميل أوقف سيارتي في الساحة الترابية المقابلة لمسجد الساير الشرقي في منطقة جبلة، لأصلي صلاة العصر جماعة في ذلك المسجد العتيق، الذي ولدت بالقرب منه في بيت طيني صغير بعد أن انتقل أبي من جزيرة فيلكا في أوائل الستينات، وبعد صلاة الجماعة أجلس بهدوء في المسجد متأملا أعمدته البيضاء وسقفه المتواضع وشبابيكة الخشبية ومحرابه المزخرف، كم يسكنني الخشوع في هذا المسجد والذي أفتقده في بقية المساجد الحديثة التي احترفت للأسف تطاول البنيان والاشكال الغريبة وزخرفة العمارة على غير هدى أو بصيرة، فضلا عن استخدام شبابيك الألمنيوم اللامع وألوان من السجاد التي تتلألأ وهجا حين تعكس إضاءة المسجد العالية على كل ركن وزاوية، فتشعر وكأنك في مستوصف عصري لا مسجد عبادة؟ ليفقد ذلك كله قدسية المكان وخشوعه، أجلس من الوقت مسبحا بذكر الله وبحمده لأخرج بعد ذلك راجلا في جولة إلى المساجد القريبة من مسجد الساير أو التي عمرت في أسواق المباركية ومنطقة شرق، أحرص على المرور عليها ألتف حولها وأتأمل جمال عمارتها القديمة التي تسكنها البساطة في حجم المبنى، ومنارات قائمة موحدة لله عز وجل أكثرها ذات شرفة واحدة لا يتجاوز ارتفاعها العشرين مترا، حيث كان يتم بناء تلك المساجد في الماضي من الطين والصخر وتسقف من الجندل والباسجيل وكذلك من البواري وهي نوعية من الحصران السميكة، والبناء كان يتم بأيد كويتية خالصة دون مقابل في أغلب الأحيان سعيا وراء الأجر والمثوبة حيث يحرص أهل الكويت كما تذكر المصادر على بناء المساجد قبل إنشاء دائرة الأوقاف في خمسينات القرن الماضي، فبعد أن يتفق أبناء الحي (الفريج) على بناء المسجد يتولى من يثقون به وبمكانته الاجتماعية جمع التبرعات من مصادرها التي يجود بها أهل الخير وأكثرها ممن كانوا يوصون به من أموال الأثلاث والأوقاف، فيلاحظ ان معظم مساجد الكويت القديمة اتخذت أسماءها ممن بذل ماله في بناء المسجد أو ساهم بالجزء الكبير من تكلفته كما عرفت أسماء بقية المساجد بمن قام بالإمامة فيها، أو لوقوعها في حي عرف باسم أشهر عوائله الكريمة.

... وكان لحبي الأصيل لتلك الأماكن المباركة، ترجمان وبيان حين قررت أن أرسم وأكتب ما تيسر حول تاريخ بناء تلك المساجد وأشهر من قاموا عليها من إمامة وآذان للصلاة، فنشرت الحلقة الأولى في ملحق «القبس» الملون عام 1987 بشكل أسبوعي وعلى الرغم من صغر الزاوية إلا أنها لاقت الصدى والقبول من القراء، لأستمر بتلك الزاوية أشهرا عدة حتى ناداني يوما الأستاذ يوسف السميط كبير محرري القبس وقال لي: «أخ علي المعلومات التي تذكرها في زاوية مساجد الديرة من أين تأتي بها «فقلت له من مصدرين من أرشيف القبس في مركز المعلومات ومن كتاب «تاريخ مساجد الديرة القديمة» للباحث عدنان الرومي، فقال: «بعض الإخوة في مجلس إدارة القبس أبدوا اعتراضا على بعض المعلومات التي أوردتها بشأن بعض المساجد...؟ ولكي نبعد عنا الحرج اذكر مصادر المعلومات»، أجبته بالإيجاب وكانت المقالة الثانية ذيلت بوضوح مصدر المعلومة إلا انني استدعيت مرة أخرى من قبل الأخ يوسف السميط وقال لي: «خوي علي أطلب منك أن تتوقف عن الكتابة عن مساجد الكويت القديمة؟» شعرت بالحزن الكبير من هذا القرار الذي لم أستوعب تفاصيله وأسبابه بالشكل الكامل إلا أنني أدركت أن التاريخ متعدد الآراء؟


 كاتب وفنان تشكيلي

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي