وثيقة وتاريخ

قبيلة مطير... حمران النواظر وبيض المآثر

تصغير
تكبير
قبيلة مطير من أشهر القبائل في الجزيرة العربية، ولها أخبار طوال تناقلتها بيض الصحائف، وعذب الألسن، وقد استوطنوا الكويت قديماً، ومنهم الحاضرة، ومنهم البادية، ونسبت لهم، أو لبعض رجالهم بعض الأماكن في الكويت مثل الفروانية والعضيلية وعين بغزي (الفردوس حالياً). كما أن إحدى بوابات سور الكويت تنسب إلى أحد رجال المطير الذين تولوا حراستها وهي بوابة البريعصي، وقد استشهد منهم جماعة في معركة الجهراء وأيام الغزو.

ومن أشهر رجال مطير الوجيه المحسن تاجر اللؤلؤ هلال فجحان الديحاني المطيري رحمه الله، وهنا وثيقة عدسانية لأحد وجوه البر له، أورد الوثيقة ثم أعلق عليها.


• نص الوثيقة:

ثبت ما ذكر لديّ وأنا العبد الفاني محمد بن عبدالله العدساني

السبب الداعي إلى تحرير هذه الأحرف الشرعية هو أن العاقل الرشيد هلال المطيري أوقف على المسجد الواقع في محلة الرشايدة المسمى مسجد هلال عشرين دكان في الصفاة، وبيتين واحد منهن بيت سعد بن دويلة، هذا يصير وقف على الإمام الذي يصير في المسجد، والبيت الثاني بيت سلمان الخرجي فهذا يصير وقفاً للمؤذن، وترتيب وقف الدكاكين الاثنين الشرقيات والاثنين الذي في صفهن (بجانبهن) مقابلات الشمال هذولي (هذه) وقف على المؤذن، وأما ستة دكاكين مقابلات الشمال، واثنين مقابلات القبلة ولحامهن أربع مقابلات الجنوب الجميع اثنا عشر هذولي (هذه) يصير للإمام الذي يترتب في المسجد، وصح الباقي من الدكاكين المذكورة أربعة دكاكين، ومن الذي مقابلات الجنوب بين وقف المؤذن وبين وقف الإمام هذولي (هذه) يصير وقف على المسجد، ومبدأ حاصلهن أولا يصلح فيه المسجد في جميع المخاسير الذي يحتاج لها، ومن بعد المسجد اتصلح (يصلح) دكاكين المسجد الوقفية التي موقفات للمسجد، ومن بعد ذلك اتصلح (يصلح) فيه دكاكين المؤذن والإمام، والتصليح ما يصير إلا على الخراب البين، وأما تصليح المرزام والمزلاج هذا يصير على الإنسان الذي يأكل إجارة الدكان، وإن كان يبقى شيء من وقف المسجد اتصلح (يصلح) فيه بيت الإمام والمؤذن، وتصليحهن من دون زيادة بنيان فيهن فقط، إن التصليح عن الخراب إذا صار فيهن خراب. ومن جهة الإمام والمؤذن هذولا (هذان) انتصابهم وإعزالهم من عقبي أنا هلال فهم على نظر الجماعة الذي حول المسجد الذي هم يستحسنونه يحطونه، والذي هم ما يستحسنونه يؤخرونه.

وأما من جهة الدكاكين الأربعة الذي هن موقفات على المسجد هذا ما دام أنا موجود فهن على نظري، فأنا كان أنا جيت أحط (أضع) وكيل فأنا ماين (لي الحق في ذلك) وإن كان أنا حطيت وكيل وإلا هن يصيرن من بعدي على نظر الجماعة الذي حول المسجد الإنسان الذي يشوفونه راعي صلاح يوكلونه، ويعمل في محصولهن (إيرادهن) كما هو مذكور أعلاه.

هذا ما تقرر من وقف هلال المذكور حتى لا يخفى جرى قلم التحرير في اليوم الثامن من شهر ربيع الثاني سنة ألف وثلاثمائة وست وثلاثين هجرية على مهاجرها الصلاة والتحية.

بخصوص خمسة الدكاكين الذي عند المسجد هن يصير إجارهن لتصليح المسجد تابعا على الوقف الذي عليه.

شهد بذلك جابر الصباح

شهد بذلك حمد الجابر الصباح

(بخصوص أرض هذه الدكاكين المحررة في هذه الورقة فهي هبة مني / سالم المبارك الصباح)

• دراسة الوثيقة: الأمانة العامة للأوقاف تجربة نادرة في التاريخ

الكويت من البلاد التي تجلت فيها أهمية الوقف حتى صار ثقافة عامة في المجتمع الكويتي قبل سنين السعة والغنى الذي أكرم الله به الكويتيين، بل من جميل ما رأيت أثناء قراءاتي في بعض الوثائق العدسانية القديمة أن بعض الخدم والفقراء الذين يعملون في بعض البيوت يوقفون بعض ما عندهم لما رأوا هذا العمل سائداً في البيوت التي يعملون فيها، وقد تحولت تلك الأوقاف صغيرة الحجم، زهيدة الثمن بالبركة التي جعلها الله فيها إلى عقارات وبنايات واسعة تدر ملايين الدنانير اليوم، وتشرف عليها الأمانة العامة للأوقاف التي تعد أكبر مرجعية في العمل الوقفي في العالم الإسلامي. ولست مبالغاً حينما أقول: «لا أعرف في التاريخ تنظيماً للوقف كالذي يوجد في الوقف العثماني والوقف الكويتي، هذه حقيقة وعندي دلائلها التاريخية».

وقد امتد تعاون أهل الكويت في مجال الوقف الخيري على المساجد، وكثيراً ما يكون الواقف غير المؤسس، حتى أصبحت أكثر مساجد الكويت لها أكثر من وقف من بيت أو دكان أو أرض، وذلك تنافساً وتسابقاً في التقرب إلى الله تعالى بإعمار بيوت الله وخدمتها.

وتنوعت غايات الوقف على المساجد لتتناول غرضاً - أو أكثر - من الأغراض التالية، ووثيقة مسجد هلال العدسانية هلال هنا تصوّر الاهتمام البالغ لهلال المطيري – رحمه الله – في وقف العديد من الدكاكين لتشمل المسجد وأجرة الإمام والمؤذن، وما قد يحتاجه المسجد أو بيتاهما من صيانة وترميم.

وقد كانت الأوقاف قديماً في الكويت تنص على أن يشمل الوقف أموراً متعلقة بالمسجد منها:

1- الإمام والمؤذن:

غالباً ما تكون الوقوف الموقوفة على الإمام أو المؤذن، إما لتوفير المسكن، أو لدفع الرواتب كما في مسجد (علي بن حمد) حيث كان البيت الموقوف على هذا المسجد يؤجر ويصرف من ريعه على الإمام أو المؤذن.

2- تعمير المسجد:

قد يكون ريع الموقوف مخصصاً لتعمير المسجد وصيانته ونصت على هذا وقفية مسجد الشايع.

3- وقف عام على المسجد:

قد يكون الوقف عاماً على مسجد بعينه بدون تخصص بذكر فئة مستفيدة، وهذا ما فعله أحمد وعلي الفهد الخالد حيث وقفا بيتاً من ثلث أخيهما فرحان الخالد على مسجد المهارة.

4- تعمير مسكن الإمام والمؤذن:

يتمثل هذا النوع من الوقف في وقف مسجد الشايع حيث نص عليه في الوقفية وهو أن ينفق ريعه على: (ما يحتاجه المسجد والبيوت الموقوفة من تعمير).

5 - الأدوات التي يحتاجها المسجد من فرش ودلو وحبال وسراج:

لقد انتبه أهل الخير في الكويت إلى ما يحتاجه المسجد من أدوات مثل الفرش والدلو والحبال والمصباح، فجعلوا وقوفاً لها من بيوت ودكاكين، ونصف وقفية مسجد البدر على هذه الأغراض.

هلال فجحان المطيري تاجر اللؤلؤ... مثال للعصامية

وعلو الهمة

بدأ هلال فجحان المطيري تجارته من الصفر، فقد رحل بنفسه إلى الكويت، وبدأ العمل حتى اشتغل بالتجارة وصار من كبار تجار اللؤلؤ في الكويت.

قدم فجحان هلال الديحاني المطيري من بادية نجد، واستقر في الكويت وولد له مولود سماه على اسم أبيه هلال وكان ذلك سنة 1855 م، وكان يسكن في منطقة وسط المدينة قرب مسجد آل العبدالرزاق حول السور الثاني، وقد عمل هلال في مقتبل حياته بجد ونشاط متوجهاً إلى «الفرضة الاسكله» حيث تأتي البضائع وتنقل إلى سوق المناخ لتباع هناك، ثم أغناه الله حتى بلغت تجارته الخليج والهند وأفريقيا، وكان طواشاً يدور على السفن التي تبحث عن اللؤلؤ في قعر البحر، ثم بعدها تاجر لؤلؤ، وكانت تجارته في الخليج والبصرة، حيث النخل الذي يملكه هناك، وفي الهند يبيع هذا اللؤلؤ ويحصل على أرباح كثيرة. رمم مسجداً عُرف باسمه، وتبرع بأرض لمقبرة عُرفت بمقبرة هلال، وكان عضواً في المجلس التأسيسي سنة 1921، وقد توفي – رحمه الله - سنة 1938، وأطلق اسمه على أحد الشوارع في الكويت.

قصة مسجد هلال

للمرحوم هلال فجحان المطيري أعمال خيرية كثيرة، ومنها سعيه في ترميم المساجد ووقف الأوقاف عليها، ومنها المسجد المعروف بمسجد هلال، والذي أوقف عليه الوجيه هلال المطيري – رحمه الله – بعض الدكاكين كما هو مكتوب في الوثيقة.

وهذا المسجد أسسه براك الدماك الصابري العازمي – رحمه الله - في سنة 1325هـ الموافق 1907 م في منطقة المرقاب في فريج المطران، وكان هذا الحي يقع خلف مبنى مجمع البنوك قرب سوق الأقمشة والبطانيات من جهة الشمال، وعندما ضاق المسجد بالمصلين طلبوا من السيد/ هلال بن فجحان المطيري توسعة المسجد من الحوطة التابعة له والمجاورة للمسجد فعمل على توسعة المسجد من أرض الحوطة وعمل كذلك مكاناً للوضوء بالمسجد وكان ذلك في سنة 1335 هـ الموافق 1916 م، كما جدده مرة أخرى في العام 1344 هـ الموافق 1925م.

وفي سنة 1956، قامت الأمانة العامة للأوقاف بتأسيس لجنة مشروع المحافظة على المساجد التراثية بالتعاون مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وبلدية الكويت والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، والتي اعتبرت هذا المسجد من أهم المساجد التراثية الواجب المحافظة عليها، وتم عمل التوثيق والتسجيل والاختبارات الإنشائية للمسجد في سنة 1997، وبوشر بأعمال التصميم على أساس المحافظة على المسجد وإضافة توسعة إلى دورات المياه وسكن الإمام من الناحية الجنوبية للمسجد.

وقد بوشر بالتنفيذ في منتصف سنة 2000 لتنتهي بحمد الله في منتصف 2001.

وجاهة هلال المطيري بوجاهة شهود عدسانيته

ذيلت الوثيقة العدسانية لمسجد هلال بختم الشاهدين، وهما الشيخ جابر المبارك الصباح، وقد كان حاكم الكويت آنذاك، وابنه الشيخ حمد الجابر المبارك الصباح – رحمهما الله - وهذا يدل على المنزلة الرفيعة التي بلغها هلال المطيري – رحمه الله -، كما تدل على العلاقة الوطيدة التي كانت تربط حكام الكويت بأهلها والتي ما زلنا نراها إلى يومنا هذا – بحمد الله.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي