النوخذة فلاح البالود 1855-1915

تصغير
تكبير
كان البحر في الماضي هو عماد الحياة الاقتصادية في دولة الكويت، وهو المجال الذي يستحوذ على النصيب الاكبر من فرص العمل المتاحة آنذاك، لذا كان ركوب البحر بغرض الغوص والبحث عن اللؤلؤ أو التجارة هو من الامور البدهية عند الرعيل الأول من رجالات الكويت الذين شهدوا تأسيس اللبنات الاولى في صرح الكويت الحديثة، وعلى الرغم من ان التعامل مع البحر امر محفوف بالاخطار والعناء والمشقة.

النوخذة فلاح البالود من نواخذة الغوص القدامى الذين عاصروا تلك الفترة من تاريخ مهنة الغوص في الكويت، حيث انه توفي في اواسط العقد الثاني من القرن المنصرم، اما ولادته ونشأته فقد كانت في قرية (ابو حليفة)، احدى مناطق القصور الواقعة على الساحل الجنوبي. وكان خشب فلاح البالود في موسم القفال يرسو في نقعة (ابوحليفة).


اما وقت الذهاب وهو مايسمى في عرف الغوص بالدشة فكان ينطلق من منطقة الشرق.

وقد ادرك النوخذة فلاح حسين البالود سنة الطفحة العام 1912، وترجع تلك التسمية إلى ماشهدته من خير وفير وقفزة تجارية كبرى، وارتفاع ايرادات الغوص، الى اعلى سقف سجله تاريخ الغوص في الكويت، حيث بلغ عدد السفن التي خرجت من الكويت بغرض الغوص حوالي 800 سفينة، تحمل على متنها ما يقارب الـ 30 ألفاً من رجالات البحر بمختلف تخصصاتهم البحرية.

وقد ورث النوخذة فلاح البالود عن ابيه مزرعة مترامية الاطراف في قرية (ابوحليفة)، بها سدر ونخل، ولا تزال آثارها باقية الى يومنا هذا.

اما النوخذة سعد بن فلاح البالود، فقد أرخت وفاته سنة 1917، وهي السنة المشهورة بسنة الرحمة، حيث ظهر بها الطاعون، ولكنه -ولله الحمد- سرعان ما انحسر ولم ينتشر، فكان ضحاياه في المرة قليلي العدد، فاطلق الناس على هذه السنة سنة الرحمة، لما رحم الله فيها العباد وانقذهم من هذا البلاء العميم.

امتلك النوخذة سعد سفينة غوص من نوع الشوعي، كان يستخدمها في هذه المهنة المباركة، وكان من الرجال الموصوفين بالنخوة العربية، لما كان يتحلى به من صفات المروءة والشهامة والكرم.

والى جانب الغوص، عمل النوخذة سعد ببعض النشاطات الاقتصادية الاخرى، حيث اشترى هو وأخواه حسين وعلي ارضاً زراعية من رجل اسمه مصيلط، قيمتها 45 ريالاً فرنسياً، وتقع هذه الأرض في أبوحليفة وتمتاز هذه الأرض باحتوائها على قلبان يطلق عليها اسم العيون، لكثرة مائهما الذي تسقى منه النباتات والخضراوات التي تزرع بهذه الارض، وكان النوخذة سعد وأخواه يعملون بها بعد انتهاء موسم الغوص، يعاونهم بعض الصبيان بالاجرة. اما عن المحاصيل الزراعية التي كانت تزرع بهذه الارض فهي الطماطم، والبطيخ، والطروح، والتي كان يتولى تسويقها لهم عميلهم بالكويت: ابن ايوب، وكانت الابل هي وسيلة نقل المحاصيل الزراعية من ابو حليفة الى الكويت.

ومن آل البالود الكرام: علي فلاح البالود، احد رجالات البر والبحر، وصاحب البصمات الواضحة بكل منهما.... في البحر امضى جل عمره المبارك الذي امتد حوالي 120 عاماً، فكان من الغاصة المميزين المشهورين، والمشهود لهم بالبراعة والكفاءة في عملهم، ركب مع عدد من النواخذة، منهم اخوه سعد والمنانعة، وكان غوصه مع هؤلاء النواخذة عزالاً (حر نفسه)، حيث انه رجل جبل على حب الحق وبذل المعروف وسماحة النفس، لذا حبب اليه اسلوب عمل العزال، حيث يستطيع ان يعرف ما له وما عليه من اول وهلة من دخوله الغوص، حيث كان الاتفاق يبرم مع النوخذة قبل ركوب البحر، وقد وفق النوخذة على فلاح البالود في احد مواسم الغوص التي خرج فيها عزالاً مع احد النواخذة، فوجد حصباة ثمينة بيعت بمبلغ كبير استغله في تسديد دين كان على اخويه حسين وسعد، لحقهما من جراء دخولهما الغوص حيث خرجا منه مطلوبين.

كما عمل علي الفلاح مع اخويه حسين وسعد في البحر والغوص، فقد شاركهما ايضا العمل في المزرعة التي كانوا يمتلكونها في ابوحليفة، وكان علي الفلاح على معرفة جيدة ودراية بشؤون الزراعة وما يتعلق بكيفية الزراعة والبذور ومطالع النجوم التي تناسب بذر المحاصيل، وما تحتاج اليه الارض من اهتمام وعناية، والى جانب هذه المزرعة كان علي الفلاح البالود يمتلك جليبين في بحر ابوحليفة، وما ؤهما عذب قراح، استأثر باحدهما، ووقف الآخر سبيلاً للشرب والسقاية.

وعلي الفلاح كان طيب المعشر، رقيق القلب، كريم اليد، سمحاً في تعامله حتى مع العمال والصبيان، بارك الله في عمره الذي امتد نحو ما يزيد على 120 عاماً، وكانت وفاته سنة 1992.

ومن آل البالود الكرام: مصلح بن فالح، كان له بيت في وسط الكويت في فريج الرشايدة، وآخر في مسقط رأسه في ابوحليفة، وقد عمل في البحر فركب مع النوخذة مشاري الروضان غيصا عزالاً. وحضر معركة الصريف سنة 1901 مرافقاً عمه حمد بن حسين البالود الذي كان ضمن القتلى الكويتيين في تلك المعركة كما شارك مصلح البالود ايضا في معركة الجهراء سنة 1920، وتوفي سنة 1942 وهي السنة التي عرفت بسنة البطاقة.

وقبل ان نختم الكلام على نواخذة هذه الاسرة الكريمة، يجدر بنا ان نشير الى ثلاثة من رجالاتها، وهم: الشاعر محمد بن حسين البالود وراشد ابن فالح البالود، وسالم بن مصلح البالود.

الشاعر محمد بن حسين كان كفيف البصر، مجيداً للشعر وضروبه، لكن شعره للاسف لم يحفظ او يدون، وكان مرافقاً للملك عبدالعزيز عندما غادر الكويت متوجهاً لفتح الرياض، ودفعته الصلة الوثيقة بالملك عبدالعزيز الى ان يقيم عنده في الرياض حتى وفاته، وكما لم يصل إلينا شيء من شعره، فانه ايضا لم يعقب اولاداً، وترك ضمن تركته موالي اعتقوا بعد وفاته.

ومن ابناء فالح البالود: راشد بن فالح البالود «البواردي»، الذي كانت بندقيته من نوع الكبسول «أزنيفرة»، لا تخطئ ابداً ولا تقع الا بلحم.

واما سالم بن مصلح البالود، فقد ولد بأبوحليفة، ودرس عند الملا محمد بن سيف، ومحمد بن الشويعر النجدي، فتعلم القراءة والكتابة، وختم القرآن في سنة كاملة... ورافق والده تباباً صغيراً مع النوخذة ابن مرشد الخالدي، بعدها عمل في وزارة الصحة الى حين تقاعده من العمل الحكومي.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي