مقال / مناضلٌ ومناضلون آخرون!

تصغير
تكبير
حلا للبعض أن يعلّق على رحيل نيلسون مانديلا (1918-2013) بالقول: «رحل الثائر الأخير» أو بالقول من آخر: «تيتَّم العالم بعد رحيل آخر رموزه العظماء» بنبرة أسى على رحيله، أكثر مما هو تعبير عن حال العالم، والشعوب المقهورة تحديداً، بعد رحيله.

قادة ثورات عديدون كُتب في إثر رحيلهم ما يُكتب عقب رحيل مانديلا. وكذا كُتب في شعراء كبار رحلوا، وفي روائيين، وفي فنانين من مختلف الحقول. إذ يثير الرحيل - بعامّة- رغبة التأسّي والتفجّع والتعبير عن الفقدان. غير أن الحياة، كما يخبرنا التاريخ، تَهِبُ على الدوام مدافعين جدداً، ومبدعين جدداً، بل ومراحل نضال جديدة.

بالطبع، يُحزن رحيل مانديلا. غير أن عمره المتقدَّم- على الصعيد الخاص- وتحقّق ما كرّس حياته لتحقيقه، وكذا أصداء نضاله الطويل، والشاق، في العالم أجمع، على الصعيد العام... يخفّف من أثر هذا الرحيل، ومن الحزن عليه.

ثمة من المناضلين الكثيرين مَنْ أفنوا حيواتهم في الدفاع عن بلدانهم وحقوق شعوبهم، ومَنْ بذلوا وضحوا وغابوا من دون أن يُذكروا كما يستحق نضالهم، ومن دون أن يتحقّق وهم على قيد الحياة ما صبوا إليه.

نيلسون مانديلا ليس من بين هؤلاء بالتأكيد. ليس من بين المناضلين الذين هُمَّشوا، وأناخت الظروف على القضايا التي ناضلوا من أجلها، وتواطأت معظم دول العالم على إهمال كوارث شعوب أولئك المناضلين! وإنْ كان لأحد أن يوصف بحق بأنه «ملأ الدنيا وشغل الناس» فهو نيلسون مانديلا بلا أدنى شك.

قضايا الشعوب لا تحظى- على الدوام- بما حظي به شعب جنوب افريقيا، الذي اجتذب إلى قضيته في مناهضة سياسة التمييز العنصري العالمَ أجمع، ذلك التمييز الذي ظلم وقهر شعبَ ذلك البلد إلى أن انزاح من حياة أبنائه.

لقد شهد نيلسون مانديلا، وشهد حزب المؤتمر الوطني الافريقي، وشهد شعب افريقيا ثمار النضال الطويل والعنيد، والكفاح الدامي الذي خيض لإنهاء سياسة التمييز العنصري. شهد مانديلا ذلك بعينيه وقلبه رغم أنه قضى سجيناً 27عاماً. وفي العام 1994 خاض الانتخابات وفاز الحزب الوطني، وتمَّ تشكل حكومة وطنية.

ثمة مَنْ قضى في السجون جراء نضاله، وثمة من ساوت مدةُ سجنه مدةَ سجن مانديلا (مع ظروف أسوأ بكثير) وثمة من بذل ما وسعه البذل لأجل قضايا شعبه، ولكن دون أن تورق شجرة الحرية والكرامة.

وكلام كهذا ليس من باب المفاضلة والمقايسة. بل من باب التأمل في رحيل هذا المناضل الافريقي الكبير، وتاريخ نضاله الطويل، والطريق الشائكة التي خوَّض فيها لتحرير بلاده من العنصرية، ومن باب تذكّر مناضلين كثيرين وسيرة نضالهم الطويل.

وإذا كان من الحق، والطبيعي، واللازم أن يقطف كل مناضل، مبدع، وطني، مخلص لبلاده ثمارَ ما زرعه مع حزبه وقواه السياسية، فإن تاريخ الثورات والانتفاضات والنضالات بمختلف أشكالها وأزمانها تفيد- في معظم الأحيان- بغير ذلك! أيحتاج الأمر إلى ذكر أمثلة على القهر والخذلان دون تحقّق الأهداف أم أن العكس- القليل والنادر- هو ما يحتاج إلى أمثلة؟!

رغم ذلك، سيظل نيلسون مانديلا رمزاً كبيراً وعظيماً للنضال الوطني، وستظل البهجة عارمة بما قد تحقّق للشعب الإفريقي، والأمل معقوداً لتحقيق أهداف شعوب أخرى ومناضلين آخرين.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي