مخاوف من تكرار تجربة الحكومتين العام 1988

معركة مبكّرة حول «الحكومة الرئاسية» في لبنان

تصغير
تكبير
في لبنان «الطبيعي»، تحصل انتخابات رئاسة الجمهورية في مواعيدها فتُعتبر الحكومة مستقيلة حكماً (مادة 69 من الدستور) ما يستوجب تشكيل حكومة جديدة وفق الآليات الدستورية. وفي لبنان «غير الطبيعي»، يقود «التسليم» بان الاستحقاق الرئاسي لن يجري بين 25 مارس و25 مايو المقبليْن الى «صراع مبكر» حول الحكومة التي سـ «ترث» صلاحيات الرئاسة «الفارغة»، وذلك في امتداد لـ «الكباش» المستمر بين فريقيْ 8 و 14 آذار حول التوازنات والاحجام والذي اتخذ منحى أكثر تعقيداً مع «انكشاف» لبنان بالكامل حيال «الحرب الباردة» بين السعودية وايران في أكثر من «ساحة ساخنة» ولا سيما في سورية.

ففيما اطمأن الوسط السياسي نسبياً حيال «خط الدفاع» العريض الذي رسمه الرئيس السابق للحكومة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري بإزاء خطة الجيش اللبناني في طرابلس مشكلاً ما يشبه «مانعة صواعق» امام جرّ عاصمة الشمال الى صِدام مع المؤسسة العسكرية ومتمسكاً بـ «خريطة طريق» لمنع الفتنة تبدأ بـ «فرض الأمن من جبل محسن (العلوي) لتنفيذ الاستنابة القضائية الصادرة بحق علي عيد وابنه رفعت ثم نزولاً الى جميع أحياء طرابلس وشوارعها»، انشدّت الأنظار الى ملامح «المعركة» التي انطلقت على خط «الحكومة الرئاسية»، اي التي ستتولى ادارة البلاد يعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في 25 مايو المقبل.


واذا كانت هذه «المعركة» السياسية - الدستورية، تعكس حكماً إقراراً من الجميع بان اي أمل بتشكيل حكومة جديدة بمواصفات توافقية سقط رغم مرور نحو 9 اشهر على تكليف الرئيس تمام سلام وبأن الانتخابات الرئاسية لا يزال الفراغ المرشح «رقم واحد» فيها، فان المخاطر التي تؤشر اليها تبدو أكبر من كل «الاختبارات» التي مرّ بها الوضع اللبناني الذي يقف على مشارف «ازمة نظام» وتكرار تجربة العام 1988 (ابان الحرب الاهلية) حين ادى عدم انتخاب خلَف للرئيس امين الجميّل الى تشكيله حكومة عسكرية انتقالية لم تنل موافقة «الجناح الخصم» في حينه وهو ما افضى الى مرحلة «الحكومتين» اي حكومة قائد الجيش آنذاك العماد ميشال عون وحكومة الرئيس سليم الحص، قبل ان يفضي المسار الذي أعقب هذه المرحلة الى التمهيد (بعد حربيْن لون واحدة مع سورية وثانية مع «القوات اللبنانية») لـ «اتفاق الطائف» (أقر خريف 1989) الذي أرسى تعديلات دستورية على قاعدة المناصفة بين المسيحيين والمسلمين في مجلس النواب وانتزاع صلاحيات من رئاسة الجمهورية ووضعها في عهدة مجلس الوزراء مجتمعاً.

ويخشى كثيرون في لبنان هذه الايام تكرار سيناريو 1988 في الـ 2014، بحيث يفضي المأزق السياسي المستحكم والذي يجرجر فراغاً وراء فراغ في المؤسسات، بدءاً من البرلمان المعطّل بعد التمديد له، مروراً بالحكومة غير القابلة للتشكّل، وصولاً للرئاسة الاولى الى «أزمة شاملة» تجرّ الى إعادة نظر جديدة بالصيغة اللبنانية وهذه المرة بالانتقال من المناصفة المسيحية - الاسلامية الى المثالثة المسيحية - السنية - الشيعية، استناداً الى موازين القوى التي ارتسمت في المنطقة بعد نجاح طهران عبر التفاهم مع الغرب حول ملفها النووي في حجز ما يساوي «الثلث المعطّل واكثر» لها في القرارات المتعلقة بالمنطقة واتجاه الملف السوري الى تسوية على طريقة «خاسر لا يُهزم».

ومن خلف خطوط هذه المخاوف لاحت ملامح سباق بين سعي فريق 8 آذار الى «تعويم» حكومة تصريف الاعمال الحالية باعتبار انها «الوريثة الشرعية» لصلاحيات الرئاسة الاولى بعد انتهاء ولاية سليمان دون انتخاب خلَف له، في موازاة «إطلاق النار» الاستباقي على ورقة «ربع الساعة الاخير» التي يحتفظ بها الرئيسان سليمان وسلام لتشكيل حكومة مع تحوّل البرلمان ابتداء من 25 مارس الى هيئة ناخبة لا يمكنها القيام باي عمل الا انتخاب رئيس للبلاد، وذلك من خلال نسف شرعية اي حكومة لا تنال ثقة مجلس النواب واعتبارها غير قادرة على تولي صلاحيات الرئاسة وصولاً الى اعتبار ان تكليف سلام برمّته يصبح ساقطاً.

وفي حين ثمة مَن بدأ يخشى من تكرار تجربة الحكومتين على غرار العام 1988، فان اوساطاً سياسية تعتبر ان الرئيس نجيب ميقاتي الذي يبحث حالياً امكان الدعوة لجلسة لحكومته المستقيلة لن يقع في فخ إحداث انقسام على المستوى السني باعتبار ان سلام سيكون رئيس الحكومة الجديدة التي ستتشكل، على عكس الرئيس سليم الحص الذي عندما بقي على رأس الحكومة العام 1988 كان يقف بوجه حكومة برئاسة مسيحي.

وتشير الاوساط السياسية في السياق نفسه، الى ان تشكيل الحكومة من قبل سليمان وسلام اذا حصل سيكون على طريقة انها «حكومة انتقالية» اي بعد التأكد من استحالة انجاز الاستحقاق الرئاسي، ما يجنّب البلاد فراغاً كاملاً او تسليمها الى حكومة تمثل طرفاً واحداً كما هوي الحال مع حكومة ميقاتي، علماً ان فريق 14 آذار بدأ يعدّ خطة مواجهة للتنسيق في موضوع استحقاق رئاسة الجمهورية تحت عنوان الضغط لإجرائه في موعده وإلا منع الفراغ وتفادي ترك لبنان في عهدة قوى 8 آذار للتحكم بمرحلة ما بعد الفراغ الرئاسي التي قد تكون مفتوحة على أزمة يمكن ان تمس بمرتكزات النظام اللبناني.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي