جرّبوه

تصغير
تكبير
عمير ربابورت

خلايا «كوماندوس» صغيرة تنتشر بهدوء بين الجبال من خلف صخور البازلت، يستعد المقاتلون لإطلاق صواريخ «كورنيت» المتطورة على دبابات ومجنزرات الجيش الإسرائيلي التي تجتاز الحدود السورية الإسرائيلية متوغلة في الأراضي السورية. بعض عناصر الكوماندو يتقافزون من موقع إلى آخر على ظهر دراجات نارية. وفي الوقت ذاته يتمترس عشرات المقاتلين السوريين عميقاً مطلقين آلاف صواريخ الكاتوشا على شمالي إسرائيل. صواريخ أرض أرض ذات رؤوس قتالية بمئات الكيلوغرامات تطلق بالتوازي من العمق السوري نحو غوش دان. أما الوحدات المضادة للطائرات فتستخدم صواريخ (إس 300) التي تهدد التفوق الجوي المطلق للسلاح الجوي. من الممكن الاطمئنان في الوقت الحالي فقط. السيناريو الذي وصف هنا مازال نظرياً فقط وحتى وإن أخذ بالحسبان المناورات التي أجرها الجيش الإسرائيلي في الشهر الأخير. لكن هذا السيناريو يعكس التغيير الدراماتيكي الذي مر به الجيش السوري في الأعوام الأخيرة. «بينما كنا في غفوة استطاع الأسد الوصول إلى توازن استراتيجي مع إسرائيل»، حسب ما تقول جهات عسكرية.

ترسانة جديدة وحديثة.

الاحترام الذي أبداه الجيش الإسرائيلي للجيش السوري في المناورات الأخيرة مغاير تماماً للاستخفاف الذي اعتادوا التعامل فيه معه طوال أعوام كثيرة. هذا الاستخفاف كان مبرراً في السابق والجيش السوري كان في حالة جمود طوال التسعينيات بعد انفراط عقد الاتحاد السوفياتي. انهيار النظام السوفياتي أدى إلى الإيقاف التام لإمدادات السلاح وإلى تقادم الطائرات والدبابات والمجنزرات السورية بدرجة أن الجيش الإسرائيلي لم يعد يعتبرها تهديداً حقيقياً.

بشار الأسد بالتحديد طبيب العيون الشاب الذي صعد إلى الحكم بعد موت أبيه في نهاية مايو 2000 هو الذي غيّر وضع الجيش السوري كلياً. تحديداً في فترة القائد الذي اعتبرته إسرائيل «غريب الأطوار» مجهولاً بدأت عملية إعادة بناء الجيش السوري إثر اتفاقيات عقدت بين سورية وروسيا. الكتلة الأساسية من الوسائل القتالية الأساسية بدأت تتدفق من خلال خط موسكو دمشق الجوي منذ عام 2005.

«القرار الأهم الذي اتخذه السوريون كان إعادة بناء جيشهم. بصورة مغايرة تماماً، وفي الواقع بصورة لا تذكر بأي جيش آخر في العالم»، يقول طرف أمني. ويضيف: «هم قرروا عدم صرف الأموال على الدبابات والطائرات مفترضين أنها لا تمتلك فرصة كبيرة للنجاح في مواجهة سلاح الجو وسلاح المدرعات الإسرائيلية. في المقابل هم قرروا صرف أموال كثيرة على ثلاثة اسلحة: الصواريخ المضادة للدبابات، الصواريخ الحديثة ضد الطائرات، وطبعاً الاستثمارات الهائلة في الصواريخ الموجهة للعمق الإسرائيلي». المشتريات الجديدة حوّلت الجيش السوري الوحيد في العالم الذي يتحرك من خلال استراتيجية حرب العصابات. جهات في الجيش الإسرائيلي تطلق على الاستراتيجية السورية الجديدة اسم «نهج التفاضل»، وهذا النهج بالمناسبة مستخدم من قبل «حزب الله» منذ أعوام، وقد تبنته «حماس» في غزة. تجسيد هذا النهج يتم من خلال الحصول على صواريخ متطورة مضادة للدبابات من طراز «كورنيت» و«ماتيس»، وهي من أفضل الصواريخ في العالم. السوريون يتفاوضون مع روسيا الآن على صواريخ «كريزن تاما» التي تعتبر متطورة وأكثر خطورة من «كورنيت» و«ماتيس».

في مجال الدفاع الجوي تزود السوريون بصواريخ (إس 18) المتطورة جداً. ولكن هذا لم يكفهم، وهم معنيون بالحصول على بطاريات صواريخ (إس 300) القادرة على ضرب الطائرات من مدى 200 كيلومتر، ولذلك تعتبر أكثر تطوراً من صورايخ الباتريوت الأميركية. إسرائيل والولايات المتحدة تمارسان الضغوط على روسيا لعدم تزويد السوريين في هذه المنظومة المتطورة التي قد تمس بتفوق الجوي السوري إلا أن التقارير الاجنبية تفيد أن وفداً روسيا قدم إلى دمشق خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة للتفاوض على صفقة (إس 300).

في مجال صواريخ أرض أرض حرص السوريون على إقامة منظومة صواريخ سكود من طراز بيوسي القادرة على الوصول إلى أي نقطة في إسرائيل وحمل رؤوس كيماوية. وفي الأعوام الأخيرة يصرفون أموالاً كثيرة على الصواريخ قصيرة المدى من قطر 220 مليمتراً من إنتاج الصناعات العسكرية السورية التي تصل إلى مدى 70 كيلومتراً وصاروخ 302 مليمتر ذي مدى 150 كيلومتراً. في موازاة ذلك تسعى سورية إلى التزويد بصواريخ روسية حديثة طويلة المدى من طراز «اسكندر»، وهناك تزود بوسائل قتالية لمجالات أخرى، ولكن بأحجام منخفضة. مثلاً تسلم السوريون من إيران وفقاً للتقارير صواريخ (سي 802) المخصصة لضرب السفن الحربية الإسرائيلية من الشاطئ. وهذا الصاروخ نفسه الذي اصاب سفينة «حانيت»، البارجة الإسرائيلية، في حرب لبنان الثانية وأغرقها تقريباً.

الجيش السوري غير بنيته بصورة دراماتيكة. وحدات الكوماندو زادت ووحدات المدرعات قلت، والجيش السوري صغير بصورة عامة. ولكنه زاد صغراً. وإن كانت النسبة في السابق لواء مدرعات مقابل كل لوائين من المشاة أصبحت هناك ثلاثة ألوية مشاة مقابل كل لواء مدرعات: الهدف ملاحقة هؤلاء الجنود بالدبابات الإسرائيلية بدلاً من خوض القتال فوهة مقابل فوهة. ورغم ذلك زودت الدبابات المتقادمة التي قل عددها بصواريخ من نوع «اي. تي 10» ذات المدى الذي يتجاوز خمسة كيلومترات، حتى تتمكن من شن معركة بالدبابات على مسافة بعيدة.

من الأكثر تهديداً؟

السؤال المطروح على المحك هو ان كان الجيش الإسرائيلي قد غفي فعلاً خلال نوبة الحراسة، ولم يستعد في الوقت الملائم للتغيير الدراماتيكي الذي بدأ في الجيش السوري؟ هناك عدد غير قليل من الجهات الأمنية التي تعتقد أن هذا ما حدث وفي سياق ذلك يذكرون أن عدداً من المشاريع الاستثمارية في جهاز الدفاع مخصصة لساحات قتالية من نوع آخر تماماً. وليس بمواجهة التهديد السوري في صورته الجديدة. بعض الأطراف الأخرى تعتقد أن سلوك الجيش الإسرائيلي صحيحٌ على المدى البعيد، إذ يتوجب عليه أن يستعد لأي مجابهة مع سورية ومع دول أخرى مثل إيران، الأمر الذي يمكن أن يحدث في أي وقت.

سواء كان التشاؤم أو التفاؤل هو السائد فمن المحتمل أن تكون التباينات بين وضع «حزب الله» في لبنان وبين القضية السورية هي السبب في طرح غابي أشكنازي خلال المناورة الأخيرة الكبيرة، ولعدة مرات الحاجة لشن الهجوم على أهداف نوعية جداً في سورية. من الناحية الأخرى، كان واضحاً في هذه المناورة أيضاً أن آلاف الصواريخ المضادة للدبابات التي تملكها سورية ستحاول ملاحقة القوات البرية الإسرائيلية بلا توقف وضرب العمق الإسرائيلي بصورة شديدة تفوق الضرر الذي لحق به في حرب لبنان الثانية في منطقة الشمال وحدها.

وداعاً للسلام

وماذا بالنسبة إلى محادثات السلام؟ اللواء احتياط غيورا إيلاند، رئيس قسم العمليات في الجيش الإسرائيلي سابقاً، (في فترة محادثات السلام مع سورية في عام 2000) رئيس مجلس الأمن القومي، والزميل في مركز دراسات الأمن القومي اليوم، يدعي أن للتغيرات التي حصلت بين عامي 2000 و2008 تأثيراً دراماتيكياً لدرجة أنه «لا يجدر بإسرائيل ان تصنع السلام مع سورية».

إيلاند يوضح موقفه هذا المعارض لتوصية قيادة الجيش الحالية المنادية بإجراء المفاوضات مع سورية: «نقطة الافتراض الأساسية لدى الجيش في المباحثات 2000 كانت أن إسرائيل لا تستطيع حماية نفسها في مواجهة سورية من دون الجولان في حالة انهيار السلام» وعليه طالبت بترتيبات أمنية تبعد الدبابات السورية عن الجولان وتبقي الحدود منزوعة السلاح وطالبت بمحطات إنذار فوق هضبة الجولان. ويقول: «أنا لا اتخيل أي ترتيبات أمنية يمكنها أن توفر للجيش الإسرائيلي إمكانية الوصول للجولان قبل الجيش السوري في حالة انهيار عملية السلام. أما الوسائل القتالية السورية اليوم فمن الممكن أن تهرب إلى هضبة الجولان بكميات داخل شاحنات تنقل الموز مثلما يفعل (حزب الله) مع جنوب لبنان رغم قرار 1701. عندما سيتسلم السوريون الهضبة سيبنون عليها قرى كثيرة يمكن لكل واحدة منها أن تكون عقبة عسكرية مثل بنت جبيل. حقيقة عدم قدرة إسرائيل على ترتيبات أمنية في هضبة الجولان هي سبب واحدٌ فقط إلى اعتقاد أنه لا مكان اليوم لاتفاق سلام مع سورية، وهناك أيضاً جملة أخرى من الأسباب».


عمير ربابورت


«معاريف»

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي