من ينظر للحاضر ويفصله عن الماضي والمستقبل، لن يستطيع استيعاب الحقيقة كاملة، مثل ذاك الذي يطالع مشهدا واحدا من فيلم طويل، ويحاول معرفته بل وانتقاده! من خلال الثواني المعدودة التي رآها.
كذلك المجتمعات والشعوب، لا يمكننا فهم حراكها ومطالباتها، عبر اختزال تاريخها بواقع معين تعيشه حاليًا بسبب ظروف راهنة، فالأجواء سرعان ما تتغير والأشخاص كلهم زائلون، والشعب هو الباقي والغالب كما أوجب ربنا سبحانه في سننه الكونية الجارية.
الكويتيون خرجوا في 2006 يطالبون بتعديل (قانون) الانتخابات وحده، ثم عادوا في 2009 لينادوا بتغيير رئيس الحكومة دون غيره، ثم اكتسحت غالبيتهم في 2012 ضمن برنامج إقرار مجموعة قوانين مناهضة للفساد، وها هم اليوم في 2013 يناقشون تعديلات الدستور المطلوبة لانتشال الوطن من وضعه الراهن.
إذاً هي مسيرة تصاعدية من المطالبات الشعبية، وهي تتحـــــقق واحدة تلو أخـــرى، وإن كانت الحكومة تعــطل أو تؤجــــل بعضها، إلا أنها بالمجمل تنجز بمـــؤشر تصاعدي لا يخفى على أحد، ومحاولات الالتـــــفاف عليها، لم تؤدِ إلا إلى ارتفاع ســــقف المطــــالـــب أكثر وأكثر، وكأن الكويتيين يطبقون المبدأ الفـــــيزيائي: «لكل فعل رد فعل، يساويه في المقدار ويعاكسه في الاتجاه» إسحاق نيوتن 1642-1727م.
لا شك في أن الحكومة حققت نقاطا في الجولة الراهنة، ولكنها كما بينت مجرد تأخير لأجل محتوم، وخسائرها في سبيل فرضها قسرًا وقهرًا أكبر من أن تحصى، والدروس الديموقراطية والخبرات الحركية والتنظيمية التي يحصل عليها الشعب بقياداته وقواعده غير مسبوقة المثيل لمواليد السبعينات والثمانينات والتسعينات، الذين يمثلون الغالبية الساحقـــــة من الشـــــصص عب الكويتي.
أكتب هذه الكلمات والمئات من شباب وفتيات الكويت يدخلون قاعات المحاكم ويراجعون مكاتب المحققين ووكلاء النيابة، فهم يلاحقون بسبب الأشكال المختلفة من التعبير السياسي، ولكنهم وإياي بغاية التفاؤل والحماس، فما كان همسات خافتة أصبح نقاشات عامة، وما كانت تردده النخبة صار نداء العامة بكل منتدى اجتماعي، و«أحلام الأمس حقائق اليوم، وأحلام اليوم حقائق الغد» حسن البنا 1906-1949م.
غير مطلوب من الحكومة أن ترفع الراية البيضاء، فلسنا في ساحة قتال بغالب ومغلوب، كل المطلوب هو مصالحة حقيقية مع الدستور والديموقراطية والشعب، والانتقال من مرحلة تدوير الأشخاص، إلى نظام مؤسسات منتخبة يراقب بعضها بعضًا، دون احتكار للقرار أو انفراد بالسلطة، أرجو ألا يعرض البلد لمخاطر تماثل وربما تفوق محاولة اغتيال الأمير 1986 وانهيار المناخ 1983 وغزو العراق 1990، حفظ الله الكويت وشعبها من كل مكروه.
أسامة عيسى ماجد الشاهين
[email protected]