د. سليمان الخضاري / فكر وسياسة / ترى أنتو تحدّونا نصير معارضة!

تصغير
تكبير
بينما هممت بكتابة رأي متعلق بالهستيريا الطائفية التي تجتاح المنطقة هذه الأيام، وإذا بعارض صحي ألم بطفلتي واضطرني للجوء لإحدى المستشفيات العمومية الرئيسية في البلاد للنظر في حالتها وعمل اللازم تجاه ذلك، ورغم كوني ممن لا يجيدون الحديث عن المشاهد التفصيلية ويفضلون النقاش في المواضيع الكبرى والصور الأشمل، إلا أن كم الغضب والحزن الذي ولدته تلك التجربة في نفسي أجبرني على نقلها على الورق، ربما من باب التنفيس عن الغضب لا أكثر ولا أقل!

مستشفى يزرع في نفسك التشاؤم من أول لحظات وصولك وحتى خروجك، إن قدر الله لك الخروج سالما طبعا، تبدأ من ازدحام السيارات في الطريق لمدخل الطوارئ وعدم وجود عاملين يستجيبون لنداءاتك لجلب الكراسي المخصصة لحالات الطوارئ، واضطرارك للهرولة لإحضار إحداها وسط «هرنات» المنزعجين من ايقاف سيارتك في منتصف الطريق رغم أنهم سيقومون بالشيء نفسه بعدك بلحظات!- ومن ثم تبدأ معاناتك مع إيجاد موقف لسيارتك حتى تلحق بمريضك الذي « سفط» بجانب باب المستشفى في انتظارك، ومن ثم معاناتك مع موظفي الاستقبال ثم ممرضي الطوارئ، وأخيرا في سوق واجف الذي تم تشييده بجانب كل غرف الأطباء واحساسك بضرورة الدخول في سباق مع الناس في الدخول للطبيب مع كل مرة يفتح فيها باب المكتب!

وإن كان كل ذلك لم يكفِ لرفع ضغطك، فخذ عندك رحلة جديدة مع موظفي قسم الدخول، الذين يعلمون أنك تقوم بإدخال طفلتك المريضة للمستشفى، وبدلا من الإشفاق عليك ومساندتك نفسيا، تلقى ذلك التعامل الذي لا يوصف بأقل من قلة الأدب والقيمة، وبعدما «يلطعونك» منتظرا لمدة لا تقل عن نصف الساعة وإذا بهم أخيرا يبتسمون في وجهك، وتبدأ في لوم نفسك على سوء ظنك بهم، و«يمكن ظلمناهم»، وإذا بالابتسامة تشتد لتقترب من الضحكة الصفراء وهم يخبرونك وبمنتهى الراحة النفسية: «ملفكم مو موجود.. روح الملفات تحت دور عليه»!

أكثر ما في الموضوع إثارة للسخرية الحقيقية هو في رد ذلك المسؤول في المستشفى إياه عندما ذهبت إليه شاكيا ضياع الملف، وهو الملف المحتوي على تقارير طبية ونتائج تحاليل من خارج الكويت، فقال لي: «الله يهداك دكتور.. اشلون ما خليت عندك نسخة من الملف... أكو واحد يعتمد على وزارة الصحة»؟

لا يهمني حقيقة ذكر اسم المستشفى، فليست هذه هي قضيتي، وليس المقال متعلقا بشخوص القائمين على وزارة الصحة حاليا، فهذه القضايا مزمنة وموجودة منذ فترة ليست بالقصيرة، لكنني فعلا أتساءل إذا كان المسؤولون ممن لم يضطروا يوما للوقوف في طابور انتظار أو أخذ مواعيد طويلة لإجراء فحص ما يتفهمون حنق المواطن البسيط وازدياد سخطه على كل ما يحصل في البلاد من ترهل الجهاز الإداري والصحي والتعليمي وغيره، يعني باختصار، زيارة واحدة لأي مؤسسة حكومية هذه الأيام تكفي لخلق رأي عام معارض للحكومة، وكأني بكلمة الراحل الكبير خالد النفيسي في مسرحية حامي الديار: «ترى أنتو اللي تحدونا نصير معارضة»!



د. سليمان الخضاري

[email protected]

Twitter: @alkhadhari
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي