وثيقة وتاريخ

قدوم الشيخ محمد النوري إلى الكويت

u0627u0644u0648u062bu064au0642u0629
الوثيقة
تصغير
تكبير
أسرة النوري أسرة علم وفضل عرف أهل الكويت لها مكانتها وقدرها منذ قدومها إلى الكويت، وأضافت للكويت لاسيما الجانب العلمي إضافة كبيرة**، فمتى قدمت أسرة النوري إلى الكويت؟ وما قصة قدومها؟ دعونا نقف على هذا النص التاريخي النادر.



نص الوثيقة:

أهدي أفضل التسليمات، وأكمل التحيات لجامع أشتات المكرمات العلامة المحقق، والفهامة المدقق سيدي الشيخ محمد نوري بن أحمد - حفظه الله تعالى ونفع به الأمة، وكشف بأنهار علومه في الجهل كل ظلمة، وأحيا به مآثر السلف، وأقام به للعلم منار الشرف - آمين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد، فإني أحمد الله إليك، وأسأله جلت عظمته أن يديم دِيَم الإنعام عليك، وأنهي إلى حضرتك العلية، وفضيلتك العلمية تشرفي بوصول ابنك الفاضل، ونجلك حميد الشمائل، يصحبه كتاب كريم من جنابك الفخيم، فسرني ذلك الوجه، وطبت نفسا بالحامل والمحمول.

وإني أشكرك بعد شكر رب الأرباب شكر الروض في مباكرة السحاب، حيث شرفت محلي، وأوقرت رحلي، شرف الله منك قدرا، وجللك وقارا وفخرا بمنه وكرمه مع يمنه ونعمه.

أيها العالم الجليل، والأستاذ الفاضل النبيل... فهمت ما حواه كتابك، وما انطوى عليه خطابك، وإني أرجو الله - تعالى - أن يحقق الآمال، ويمنحك القبول والإقبال، ويجمعنا بك على أحسن حال.

إن هذا البلد في أشد الحاجة إليك وإلى أمثالك من أهل العلم والعمل لقلة العلماء فيها، وكثرة الجهل والجاهليين في نواحيها، ولا نزال نروي أخباركم الإحسان لأهلها.

وقد حدث السيد حامد النقيب عنكم بالكثير الطيب، وعطر مجالسه بقوله: «إن في سعادة الكويتيين كونك بين أظهرهم تعلي بناء مفخرهم.

والابن الفاضل عبدالله قدم كتابكم الكريم إليه، ولكنه خرج حينئذ إلى القنص، والحاج حمد الخالد الذي صار الأخذ والرد بينه وبينه الآن في الهند للاتجار باللؤلؤ، ويرجى قدومه بعد شهر.

ومازلت أسأل لابنكم وظيفة تليق به، وإلى الآن ما حصل شيء، نسأل الله أن يهيّئ له من أمره رشدا، ولو أن الحاج حمد الخالد حاضر لحصل له بتوفيق الله محل في المدرسة المباركية التي ستتشرف - إن شاء الله - بقدومك الميمون، وطالعك الذي هو بالسعد والإقبال مقرون، لتنشر فيها العلوم، وتداوي بها كل قلب من الجهل مكلوم.

عموما وخصوصا قدر الله ذلك، ومنّ علينا بما هنالك، وإن حضرة الأجل الشيخ عبدالمحسن أبا بطين قد كتب إلينا لنبلغ الجماعة فضلك، ورغبتك، وكذلك السيد عبدالرحمن بن السيد خلف لايزال ناشرا لفضلكم، ولا غرو أيها الفاضل أن تعطر بذكرك المحافل، ويتناقل الركبان أخبارك، ويكتب الفضلاء آثارك، فأنت للفضل أهل، ولكل فضيلة محل، فالمرجو أن لا تنسيني من صالح دعائك، والتشريف بحاجاتك، والسلام على الأولاد الأنجاب، وكافة من لديك من الأحباب، ومن هنا ابنكم الفاضل عبدالله في أتم الصحة والسلامة، وكافة المحبين يسلمون، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

(سيدي ورد أمس تلغراف من كريم حضرتك فرددناه اليوم، والابن عبدالله هو المباشر له في أتم صحة).

محبكم الداعي عبدالله بن خلف.

1341هـ



دراسة الوثيقة: قصة الوثيقة

كان التعليم في الكويت تعليما تقليديا ليس نظاميا يقوم على تلقين مبادئ العلوم في الكتاتيب في المساجد والبيوت، وفي 12 ربيع الأول سنة 1328هـ الموافق 22 مارس 1910م اجتمع بعض أعيان الكويت واتفقوا على فتح مدرسة نظامية تدرس علوم الشريعة وعلوم أخرى، وقد سموها بالمدرسة المباركية نسبة لحاكم الكويت آنذاك الشيخ مبارك الصباح - رحمه الله - وافتتحت في 22 ديسمبر سنة 1911م.

كان المدير للمدرسة الشيخ يوسف بن عيسى القناعي، والذي قام مع مؤسسي المدرسة وبالاستعانة ببعض علماء الكويت وذوي المعارف بمكاتبة بعض العلماء لاستقدامهم للتدريس في المدرسة المباركية.

وبسبب الظروف المعيشية التي مر بها الشيخ محمد نوري بن احمد - رحمه الله - وخلافات مع بعض أهل بلده الموصل، فقد تنقل من مكان إلى آخر حتى استقر بهم المقام في الزبير وسوق الشيوخ.

وبعد مراسلات مع بعض أهل الكويت، أرسل ابنه الشاب الشيخ عبدالله ليطلع على إمكانية قدومه الكويت للتدريس والاستيطان، فلما قدم عبدالله الكويت رحب به أهلها ترحيبا بالغا، وأكرموه غاية الكرم، وأقام في بيوتهم حتى قدمت أسرته.

وكان من جملة تلك المراسلات رسالة من عالم الكويت الشيخ عبدالله الخلف الدحيان - رحمه الله - إلى الشيخ محمد نوري، وكان قبل قدومه بفترة وجيزة، كما هو تاريخها في سنة 1341هـ والموافق سنة 1922م، أي بعد افتتاح المدرسة المباركية بعشر سنوات تقريبا.

الشيخ عبداللخ الخلف الدحيان إمام علم وأدب وورع المرسل الشيخ عبدالله الخلف الدحيان - رحمه الله - ولد في الكويت سنة (1875م)، وقرأ القرآن الكريم على والده، ودرس علوم الشريعة على الشيخ محمد الفارس، ورحل إلى الزبير ودرس على علمائها، وقد تولى الإمامة في مسجد البدر في الحي القبلي.

كانت له مجلس ومراسلات علمية تدل على سعة اطلاعه، وكان له ذكر كبير عند علماء العالم الإسلامي.

ولما توفي قاضي الكويت عبدالله العدساني - رحمه الله - سنة 1929م، طلب الشيخ أحمد الجابر من الشيخ عبدالله الدحيان - رحمه الله - أن يتولى القضاء لكنه رفض تورعا، فأصرّ الشيخ أحمد الجابر، فقبل الشيخ عبدالله الدحيان على شرط أن يكون نائبا، وألا يتقاضى على القضاء أجرا، فتولى القضاء حتى توفي - رحمه الله - سنة 1931م.

الشيخ محمد النوري يطوف بها البلاد ليستقر في الكويت

المرسل إليه فهو الشيخ محمد نوري بن أحمد بن محمد - رحمه الله - والذي ولد في الموصل سنة 1868م، ونشأ في أسرة صالحة، وتلقى تعليمه على بعض علماء بلده.

وفي سنة 1900م رحل الشيخ بأسرته من الموصول فجأة، وتنقل بين بعض المدن حتى استقر بين الزبير وسوق الشيوخ في جنوب العراق والتي تولى فيها القضاء.

أرسل ابنه عبدالله إلى الكويت سنة 1923م، والتقى بوجهاء الكويت وعلمائها، وعرّفهم بفضل وعلم أبيه الذي نوّه بفضله وجهاء وعلماء البصرة والزبير.

قدم الشيخ محمد نوري بأسرته الكويت سنة 1923م، وتولى الإمامة في مسجد الخالد، ودرس مع ابنه الشيخ عبدالله في المدرسة المباركية.

وكان الشيخ محمد نوري - والذي عرفت أسرته بعد ذلك بالنوري - صاحب علم واسع، وله العديد من الكتب والمنظومات والمراسلات. توفي في الكويت سنة 1927م.



المستفاد من نص الوثيقة:

- تقدم الحركة العلمية في الكويت عبر تأسيس مدارس نظامية فاقت فيها بعض دول المنطقة، فقد تلت هذه المدرسة تأسيس المدرسة الأحمدية نسبة للشيخ أحمد الجابر الصباح - رحمه الله - سنة 1921، ثم توالى تأسيس العديد من المحاضن العلمية.



الكويت حاضنة العلم والعلماء

تولى التدريس في المدرسة المباركية جماعة من العلماء ممن نزلوا الكويت، وطاب لهم فيها المقام قبل أن تشهد التطور الاقتصادي، وأي شيء يحبب للإنسان المقام سواء طيب النفس، وكرم اليد واللسان لدى أهل الكويت، ومن أولئك العلماء الشيخ عمر عاصم الإزميري، والشيخ حافظ وهبة، والشيخ عبدالعزيز بن حمد المبارك وغيرهم من العلماء.

الشيخ عبدالله الخلف الدحيان أكرم الناس فأكرمته الكويت

من يقرأ رسالته هذه، أو غيرها من رسائله، يجد خلقا وأدبا وحسنا في التعامل مع العام والخاص، ولذا فقد بارك الله له في أمره، وصار محبوبا لدى حكام الكويت ومحكوميها، وقد خلدت الكويت ذكراه بإطلاق اسمه على مسجد في منطقة الفيحاء، ومدرسة ابتدائية في منطقة السالمية.

وقد بارك الله في ذريته، فكان منهم من تقلّد مناصب تربوية منهم حفيده الدكتور عبدالله الشيخ العميد الأسبق لكلية التربية بجامعة الكويت.



الشيخ محمد النوري وصلاح الذرية

كان الشيخ محمد النوري معروفا بعلمه وزهده وتواضعه، وقد ذكر أن من أسباب نزوحه عن الموصل أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وقد خلف العديد من الآثار العلمية التي تدل على سعة علمه، والتي ما زالت مخطوطة، وعندي منها نسخ، ولعلها تخرج قريبا، بإذن الله.

وقد بارك الله في ذرية الشيخ من أبناء وأحفاد فصار لهم حضور علمي واجتماعي، وتقلدوا مناصب رفيعة، ولعل هذا من بركة علم والدهم - رحمه الله - وكان أشهرهم ابنه العالم الشيخ الجليل عبدالله النوري - رحمه الله - والذي سجاياه لا يسعها هذا المختصر، ومنها سعيه في حوائج المسلمين داخل وخارج الكويت، فخلد الله ذكره بجمعية خيرية أشهرت بعد وفاته ويديرها خيار من أهل الكويت من أسرته، ومن غيرها، وهي جمعية الشيخ عبدالله النوري، ومقرها في منطقة القادسية.

وقد خلدت الحكومة ذكراه بإطلاق اسمه على مسجد في منطقة سعد العبدالله، ومدرسة في منطقة الصليبية، وشارع في منطقة العديلية.



حمد الخالد أنموذج العطاء الكويتي الرائع

ولد المحسن الكويتي حمد الخالد الخضير - رحمه الله - سنة 1861م، وتلقى تعليمه في مدارس الكويت، وكان من أسرة ذات صيت وصلاح، فنشأ محبا للخير، ساعيا فيه، فكانت له أياد بيضاء في أعمال الخير، منها دوره في تأسيس المدرسة المباركية برأيه وماله وإدارته، ودعوة العلماء للتدريس فيها.

ومنها: لما غرقت سفينة لإحدى الأسر الكويتية تبنى مساعدتها وقال: اكتبوا لهذه العائلة، والله علي عهد أن أضع مثلكم جميعا.

ومنه: لما أوشك مسجد اليعقوب على الانهيار سنة 1342هـ هدم المسجد بعد عيد الفطر، وصلى الناس فيه بعد إعادة بنائه في عيد الأضحى.

توفي - رحمه الله - سنة 1940م.

هذا موجز ما يتعلق بهذه الوثيقة التاريخية، والتي تضمنت من الأسماء والأحوال ما يحتاج إلى زيادة بسط يصعب بسطه هنا.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي