د. حسن عبد الله عباس / 2 > 1 / حسين طائر الأحلام

تصغير
تكبير
السلام على سبط رسول الله، السلام على الشيب الخضيب، السلام على الخد التريب، السلام على المقتول بأرض كربلاء، السلام على المذبوح عطشاناً بجنب الفرات، السلام على سيد الشهداء.

سلام الله عليك سيدي ومولاي يا من أحييت الدين وقلّبت المفاهيم كما أيتمت القلوب وألهبت المشاعر وجننت الحكماء.

سيدي لم أعرف من بعدِك معنى للكثرة. كيف لا تُدهش الكثرة عن كثرتها وكثرة آلاف الاعداء بعينك صارت قلة وهزلة، وكثرة التضحيات بالأطفال والاولاد والأهل والبنين لأجل عين الله عندك نزر يسير.

سيدي لم أفهم من بعدك معنى للقليل. فسويعات الحرب تخلدت في ضمائر الأحرار إلى أبد الآبدين وستظل قرونا من الزمان تجر من ورائها القرون. ألا تستحي القلة وتتلفظ بقلتها و«قلة الناصر» بحسبك مولاي أفاضت العزة في نفوس الملايين.

سيدي ضِعتُ بسببك بمعنى العطش. كنت أظن أنها الحاجة للماء. فمِنك يا عظيم عرفت كم العطش غشّنا وكذِب علينا بعدما جعلت الارتواء تحت تراب نعل غيرتك، ووضعت الحياء فوق سحاب الغيث، ولحميّتك على الأهل والعيال تبخّرت صبّات الأنهار وزخات الأمطار.

مولاي كنت أظن الألم أوجاع البدن. لكنك يا كريم النفس أرخصت لأجلها آلام وآلام. فالطعنات والضربات ونزيف الدماء لم تكن إلا مزيدا في سعادات لقاء من أنزل في محكم كتابه: «ألا بذكر الله تطمئن القلوب».

هل تعلم أنني أسأت تقدير الضياع. افتكرت أن الضياع هو التيهان في الصحراء، أو لعلها في المدينة بلا أصحاب. لكنني حينما سمعت واعيتك «واضيعتنا بعدك أبا الفضل»، فهمت أن من دونكم هو الضياع، وأن سفينتكم هي النجاة، وأنتم مُصباح الهُدى، وأنكم نزْلُ السماء، وأنكم زرع الأرض، وروح الأمل.

حبيبي يا حسين سامحني، فقد ظننت فيك السوء، قاتل الله الإعلام الفاجر، ظننت أنك كنت قلقاً في لحظات لقاء الموت. ما أسوأني، اشتبهت علي المعاني ولم أفهم درسك بالموت، كيف لم أستوعب استرخاصك للجسد الطاهر في ميدان العزة والشرف وإباء الضيم كي تشرح لي كل حرف وكل كلمة من «وإنك لعلى خُلق عظيم». بلا والله فالموت عندك الأمل ومطلق الحياة لأنك أجريتها في الوجدان من منْبع لا يبدأ إلى متْبع لا ينتهي بمنظر يُدهش ويُذهل العقول. بدروسك علمنا بأن ما ساعات الحياة مع الظالمين بأكثر من حركة جِنازة تؤذي منطقها الألباب وسلوكها الأخلاق، فكيف سيدي لم أفهم الطمأنينة وهدوء البال وروعة الثبات وعظمة الاستقرار بقولك «لا أرى الموت إلا سعادة».

سيدي بإخلاصك فهمنا الإخلاص، ولبياض نوركم تحرّج البياض، ولسواد حزنكم صار السواد، ولجمالكم خجل الجمال. ألا يا رب العالمين أفرغ علينا صبراً، وتوفنا مع محمد وآل بيت محمد صلى الله عليه وآله وسلم والصالحين وحسُن أولئك رفيقا. عظّم الله أجوركم جميعاً.



د. حسن عبدالله عباس

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي