تتمتع الكويت بجملة من الثوابت الرئيسية التي لا تتغير مهما تغير الزمن، واقصد هنا تحديدا ثوابتنا السياسية ذات العلاقة بالظواهر الحديثة.
مناسبة هذا الحديث عودة الساحة السياسية في الكويت من جديد إلى تجاوز مستوى الايقاع الهادئ، بعد ان نجح نوابها في شد الانتباه من جديد إلى شاعرية الاستجوابات، بتقديم 3 استجوابات تقريبا طلقة واحدة، أحدها ضد سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك، واخر ضد وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء وزير الصحة الشيخ محمد العبدالله، وثالث ضد وزيرة الدولة لشؤون التخطيط والتنمية الدكتورة رولا دشتي.
بالطبع الاستجواب حق أصيل للنائب بأمر من الدستور، إلا ان ما يثير الغرابة انه في الوقت الذي يثار فيه غبار السياسة الداخلية، يصرح وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف الخميس الماضي ان بلاده تحرز تقدما في المفاوضات مع القوى الدولية الست الرامية الى انهاء خلاف مستمر منذ عشر سنوات بين طهران والغرب حول الانشطة النووية لطهران، لكنه ذكر ان المناقشات ليست سهلة.
ما يستدعي المقاربة في هذا الخصوص، انه في حين تتجه القوى الدولية لانهاء خلافاتها المتجذرة مع ايران، يحافظ نوابنا على عادات دارجة لدينا فقط، في ان عيون صقور السياسة يتعين ان تكون جاحظة باستمرار على حمائم الحكومة، ولذلك لن تقر عيون النواب في استنساخ خلافات الامس مع الحكومة، لكن للامانة لاسباب ظاهرية مختلفة.
مرة ثانية، لا احد ينكر على النواب حقهم في الاستجواب، لكن ذلك لا يعني ان تتحول الاستجوابات إلى مذبحة شخصية، وان لم تكن كذلك فهي لا ترقى في الغالب إلى محاور الاستجواب التي يتعين الاخذ بها، فبمجرد القيام بمراجعة نقدية للاستجوابات المقدمة لرئيس الحكومة ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء وزير الصحة نجد ان في تكوينها الداخلي مبنية على قضايا لا تتعلق بالتنمية المستهدفة، او قضايا الصحة المزمنة، او ان احد النواب وقع على معلومات خطيرة تفيد باتجاه الدولة نحو الانزلاق.
عدنا والعود احمد إلى لغة الصراخ والتهديد والوعيد، رغم انه كان مأمولا من نواب مجلس الأمة وكذلك جميع الوزراء بقيادة رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس الامة التكاتف من اجل استقامة الوضع العام للكويت، والتقرب اكثر نحو عمليات الاصلاح، وليس التكاتف على التباعد والفرقة السياسية، وكان نوابنا ووزراؤنا فريقين في دولتين مختلفتين.
للاسف الشديد هناك جملة من القضايا المزمنة التي تنتظر من قياديينا الالتفات اليها، بدل من تقطيع الوقت في الخلافات السياسية الممنهجة لحسابات ضيقة، والتي لن تؤدي إلى شيء سوى مزيد من التخلف وتأخر عملية الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي التي طالت ولادتها، حتى اننا بتنا كمواطنين نخشى ان يكون الحديث والوعود عن التنمية المستدامة مجرد حمل كاذب.
في علم المجتمعات وتحديدا المتقدمة نجد ان عنوان جميع القوى السياسية العريض هو انه لا يتعين قول القليل بكلمات كثيرة بل فعل الكثير بكلمات قليلة، ولذا يتعين علينا جميعا اذا كنا نرغب في الحياة الديموقراطية المنتجة ان نكتفي من قول صغائر الامور بكلمات كثيرة، ونتحول إلى قول كثير من الأفعال بقليل من الكلمات.
سعد خالد الرشيدي
[email protected]