لم يتجاوز عمر (سعد) السنتين ولكنه كان يشعر بأن خادمته (ماريا) التي كانت نادراً ما تتركه يسير على الارض او يأكل الطعام بنفسه، شعر سعد بأن ماريا لا تمثل بالنسبة له الأم التي تجمع بين مفهوم الحنان والعطف وبين الحزم الذي تتطلبه التربية الصحيحة، بل كان يراقب والدته وهي تزجر الخادمة وتوجه لها الكلام القاسي، لذا فقد تعود سعد على ان يصرخ في وجه الخادمة كلما اراد منها ان تحقق له ما يريد من احضار طعام او السكوت عن أخطائه!!
بل كان سعد يتعمد ان يلقي القاذورات على الأرض كلما اكل شيئاً لان ماريا هي المفترض بها ان تقوم بالتقاطه، بل ويتلفظ عليها ببعض الكلمات النابية لكي يثبت بأنه أقوى منها!!
عندما كبر سعد ودخل المدرسة، كان يتململ كلما ايقظوه للبس ملابسه، ويشبع والدته وخادمته بالمسبات، وبعد ان يرجع من المدرسة تراه يلقي شنطته وحذاءه عند باب البيت قبل ان يدخل ثم ينزع ملابسه عند مدخل الباب، ويصرخ بماريا بغضب: اين الغداء؟!
لاحظت والدته تدني مستوى ابنها في المدرسة وشكوى المدرسات الدائم منه، وكانت تداوم على تقديم الهدايا للمدرسات لكي يرضين عن ابنها، ما ان بلغ سعد سن الثانية عشرة حتى اصبح (يئن) (ويحن) على امه يومياً لتشتري له (البجي) فجميع ربعه في الفصل لديهم (بجيات).
(ام سعد) شعرت بحرج موقفها مع ابنها الحبيب، فما كان منها الا ان تعودت على البكاء عند فراش (ابي سعد) تترجاه ان يحن على سعد ويشتري له (البجي)، واخيراً رضخ ابوسعد واشترى له المطلوب.
اتصلت الشرطة مرات عدة بأبي سعد تطلب منه الحضور لتسلم ابنه بعدما اتى بأعمال مشينة في وسط الشوارع وكاد يقتل نفسه ويقتل الآخرين.
كان سعد يتسلم مبلغاً كبيراً من والدته كلما طلب ولم تكن ترد له طلبا، فبدأ بتدخين السجائر مع اصدقائه من باب التجربة، ووجد من امه تسترا عليه كلما اوشك والده على اكتشاف ما يفعله، اما في المدرسة فقد كان مدرسوها مشغولين بأنفسهم ولم يكونوا يعاقبون من يمسكونه وهو يدخن السجائر!!
ما ان اقترب عمر سعد من الـ (18 عاماً) حتى بدأ يصرخ على والدته يومياً بأنه لابد له من شراء السيارة (البورشه)، وان بقاءه من دون سيارة هو نقص لا يمكن ان يحتمله احد!!
اشترط عليه والده ان يتفوق في الثانوية لكي يشتري له السيارة، ولكن هيهات ان يتفوق بمثل هذا النمط من الحياة، وبالفعل فقد نجح ولكن بأدنى درجات النجاح واضطر والده الى البحث له عن كلية خاصة يدفع لها آلاف الدنانير مقابل الحصول على شهادة - اي شهادة - وبعد قضاء سنوات طويلة في الكلية ودورة اكاديمية مريرة حصل سعد على الشهادة المطلوبة!!
هل انتهت حياة سعد ودمر مستقبله؟! بالطبع لا، فقد احتاج الأمر الى اتصال هاتفي واحد من ابي سعد بالمسؤول الكبير في الدولة: «ابني سعد هو فلذة كبدي واريد منك خدمة بسيطة بأن تعينه مديراً عاماً لاحدى مؤسسات الحكومة» يرد المسؤول الكبير: «افا عليك لا توصي على سعد، فهذا ولدنا وخدمته واجبة علينا، وعندنا فلان ممكن (نشلعه) ونحط سعد مكانه».
وهكذا اصبح سعد مديراً عاماً لاحدى كبرى المؤسسات في الدولة واحاط نفسه بالمطبلين والمهللين وتخلص من الكفاءات الذين يمكن ان يفضحوا عجزه وخواءه، وعاشت الكويت حرة أبية!!
د. وائل الحساوي
[email protected]