بروفايل / كانت تمثل بأحاسيسها واعتبرت أنها غير محترفة

سامية جمال... تركت ذكرياتها الجميلة بعيداً عن الكتابة

تصغير
تكبير
| إعداد رشا فكري |

حفل الزمان الجميل بإبداعات عمالقة الفن والغناء في عالمنا العربي الى جانب نجوم العالم الغربي فقدموا الكثير خلال مسيرتهم التي كانت في بعض الأحيان مليئة بالمطبات والعثرات. منهم من رحل عن هذه الدنيا مخلفاً وراءه فنّه فقط، وآخرون ما زالوا ينبضون عطاء الى يومنا الحالي.

البعض من جيل اليوم نسي ابداعات هؤلاء العمالقة وتجاهلوا مسيرة حافلة من أعمال تركتها بصمة قوية، وفي المقابل يستذكر آخرون عطاءات نجوم الأمس من خلال الاستمتاع بأعمالهم الغنائية أو التمثيلية، وقراءة كل ما يخصّ حياتهم الفنية أو الشخصية.

وفي زاوية «بروفايل» نبحر في بحار هؤلاء النجوم ونتوقف معهم ابتداء من بداياتهم الى آخر مرحلة وصلوا اليها، متدرجين في أهم ما قدّموه من أعمال مازالت راسخة في مسيرة الفن... وفي بروفايل اليوم نستذكر أهم محطات الفنانة الراحلة سامية جمال:

وصفها معجبوها بـ «الفراشة» في حركاتها وابتسامتها و«قفشاتها» الكوميدية في الأفلام التي شاركت في بطولتها، فكانت الفنانة الراحلة سامية جمال نموذجاً للرقص الشرقي.

وُلدت سامية جمال في بني سويف في عام 1924، ودخلت عالم الفن في عام 1940 وكانت بدايتها مع فرقة بديعة مصابني فعملت راقصة وكانت تشارك في التابلوهات الجماعية الراقصة مع فتيات الفرقة خلف بديعة. وقد اختارتها بديعة لتؤدي رقصة منفردة في احدى الحفلات، وقام مدرب الرقص في الفرقة بتلقينها بعض الحركات وألزمها بارتداء كعب عالٍ، فكانت خائفة للغاية وجاءت الرقصة سيئة، فأعادتها بديعة إلى مكانها الأول.

ولكن سامية ألحت على بديعة لتمنحها فرصة أخرى للرقص أمام الجمهور ولكن بدون مدرب رقص فوافقت بديعة ونجحت سامية، ولو كانت فشلت لكانت طردتها بديعة كما اشترطت عليها.

مشوارها الفني

كانت سامية جمال وتحية كاريوكا مدرستين مختلفتين في تعليم وأداء الرقص الشرقي، ورغم أن الاثنتين بدأتا في الفرقة نفسها مع بديعة مصابني، إلا أن لكل منهما أسلوباً مميزاً ومختلفاً في الرقص.

اشتهرت سامية بالمزج بين الرقص الشرقي والرقص الغربي، واعتمدت في اداء رقصاتها على الملابس والموسيقى والديكورات. أما تحية كاريوكا فكانت تفضل الطابع القديم التقليدي للرقص الشرقي بالرغم من أنها أضافت إليه الكثير من التطوير.

ومما ساعد سامية على البراعة في الرقص هو جمالها الأسمر الهادئ، وروحها المرحة، وأناقتها، وكانت تحرص على رشاقة جسدها حتى آخر حياتها ما تسبب لها في مشاكل صحية كثيرة كانت من أسباب وفاتها. فهي لم تكن تحب تناول الطعام واعتادت تناول إفطار خفيف ووجبة الغداء، وتكتفي بالزبادي في العشاء.

اعتزلت سامية الرقص في أوائل السبعينات، ثم عادت مرة اخرى وكانت تقترب من سن الستين بعد ان اقنعها الفنان سمير صبري فعملت مع فرقة محمد أمين الموسيقية، الذي أهدى لها مقطوعات موسيقية من الحان فريد الأطرش لترقص على أنغامها. ثم اعتزلت ثانية بعد تكريمها في مهرجان تولوز بفرنسا لأنها أرادت بذكائها الفني أن تترك انطباعاً جميلاً لدى الناس عنها يناسب مشوارها الفني الكبير. وظلت سامية تحتفظ بملابس التمثيل التي أدت بها أدوارها في السينما وبدلات الرقص الخاصة بها.

عالم السينما

اقتحمت سامية عالم السينما في عام 1941 من خلال دور ثانوي مع فريد الأطرش في فيلم «انتصار الشباب» ظهرت فيه في استعراض غنائي راقص. وكانت سامية جمال قد ظهرت في أفلام لم تحظ بشهرة كبيرة في البداية وبعد فيلم «انتصار الشباب» انطلقت لتحظى بأدوار البطولة وذلك منذ أن شاركت فريد الأطرش فيلم «حبيب العمر» واستطاعا تكوين ثنائي فني ناجح.

وشاركت سامية فريد الأطرش في بطولة 5 أفلام هي: أحبك انت عفريتة هانم آخر كدبة تعالى سلم ماتقولش لحد. كما شاركت نجوم السينما الكبار في أفلامهم مثل: أحمد مظهر، عمر الشريف، يحيى شاهين، عماد حمدي، كمال الشناوي محمود المليجي، أنور وجدي، يوسف وهبي، شكري سرحان ورشدي أباظة.

ومن أهم الأفلام التي قدمتها سامية للسينما المصرية: انتصار الشباب، ممنوع الحب، رصاصة في القلب، أمير الانتقام، أحمر شفايف، سكر هانم، نشالة هانم، رقصة الوداع، الرجل الثاني، كل دقة في قلبي، حبيبي الأسمر، موعد مع المجهول، الشيطان والخريف، ومرحباً أيها الحب، والعديد من الأفلام التي وصلت إلى 44 فيلماً.

كانت سامية تمثل بأحاسيسها وكانت تقول عن نفسها إنها ليست ممثلة محترفة، وكانت دائماً تتذكر مشهدها في فيلم «الرجل الثاني» أمام رشدي أباظة حين تسقط من فوق السلم، وقد أعاد المخرج عز الدين ذو الفقار هذا المشهد 12 مرة وعندما اختار أفضل لقطة لم يجد سوى الأولى. وهنا قالت سامية: «يا أستاذ عز أول لقطة عندي هي التي أشعر بها دائماً».

زيجاتها

في بداية حياتها جمعتها قصة حب بالفنان فريد الأطرش، ويذكر صديقها محمد أمين أنها أخبرته بزواجها من فريد عرفياً، ثم تم الانفصال بينهما لأن فريد كان يصر على عدم إعلان زواجهما بشكل رسمي وهو ما سبب ألماً كبيراً لها.

ثم تزوجت بعد ذلك من متعهد حفلات أميركي كان يعمل في باريس ويدعى شبرد كينج الذي أعلن اسلامه قبل أن يتزوجها وسمى نفسه عبد الله. ولم يدم هذا الزواج إلا فترة قصيرة جداً.

وفي آواخر الخمسينات تزوجت من رشدي أباظة وقدمت معه بعض الأعمال السينمائية منها: الرجل الثاني، وبنت الحتة، والشيطان والخريف.

لم تكن علاقتها برشدي أباظة على وفاق، فقد كان شخصية صعبة ومتقلبة المزاج، وكان يدمن على شرب الكحول كثيراً، ما جعله في حالة عصبية دائمة. وقد تحملته كثيراً، بل إنها كانت بمثابة أم لابنته «قسمت» التي ربتها منذ أن كانت طفلة لأنها لم تنجب في حياتها أبداً وكانت كل مشاعر الأمومة لديها قد أهدتها لقسمت وابناء اشقائها. كما أنها تغاضت كثيراً عن علاقاته النسائية المتكررة ونزواته، إلى أن وصل الخلاف بينهما إلى نقطة اللاعودة حيث أصرت على الطلاق فتم الانفصال.

ولم تتزوج بعدها سامية رغم العروض المغرية التي تلقتها من فنانين ورجال أعمال، بسبب تقدمها في السن ولأنها كانت تعتبر أن الرجل الحقيقي الذي ملأ حياتها ولم يعوضها عنه أي رجل آخر هو فريد الأطرش.

شخصيتها

كانت سامية شخصية عاطفية جداً، تحب من حولها وتسعى لإسعادهم أياً كانت الظروف. ساهمت في الانفاق على أسرتها وأشقائها وأبنائهم وتعليمهم، كما كانت تهتم بفرقتها الموسيقية وتحرص على ألا تأخذ أجرها قبل أن يتقاضاه الموسيقيون الذين يعملون معها. وكانت لها علاقات اجتماعية متعددة وكثير من الأصدقاء الذين كانت تحرص على زيارتهم.

كانت سامية تحب التجول في شوارع الزمالك حيث كانت تستمتع بشراء حاجاتها وتمارس رياضة المشي كعادتها وكانت سعيدة عندما يتعرف الناس عليها.

كانت أيضاً، كما يحكي صديقها المقرب الموسيقي محمد أمين، عزيزة النفس بشكل كبير، فلم تقبل أبداً أن تتلقى أموالاً من أحد إلا نظير عملها، بل اعتزلت الرقص في أوائل السبعينات ثم عادت له مرة أخرى عندما لم تجد دخلاً يؤمن حياتها، فاستمرت تعمل بالرقص حتى سن الستين حتى جمعت مبلغاً من المال يكفيها أن تعيش الباقي من حياتها «مستورة» كما قالت.

وبالرغم من انها تلقت العديد من العروض، إلا انها كانت ترفضها، فقد امتنعت عن تلبية دعوة احدى القنوات العربية بأن تقوم بالتعليق على أحد أفلامها وذكرياتها عنه لأنها لم تكن ترغب في الظهور على الشاشة لأي سبب من الأسباب خاصة خارج مصر ولكي يظل الجمهور يحتفظ بصورتها التي عرفها عنها.

كانت سامية تحب الفقراء كثيراً وتعطف عليهم وتنفق على أولادهم، ودائمة العطاء مع كل من حولها. حتى عندما مرضت رفضت أن يدفع مصاريف علاجها أحد، لذلك توفيت وهي لا تملك شيئاً.

مذكراتها

لم تكتب سامية جمال مذكرات ولم تفكر في ذلك رغم العروض المالية الكبيرة التي تلقتها لأنها لم ترغب في الحديث عن حياتها الخاصة، وبعد اعتزالها اختارت أن تبتعد تماماً عن الأضواء. فقد أرادت أن تترك انطباعاً جميلاً لدى الناس عنها يناسب مشوارها الفني الكبير.

وبعد اعتزالها اعتبرت أن علاقتها بالفن انتهت ولم يعد لها مكان سوى البيت وزيارة الأصدقاء وشقيقتها الكبرى وابن شقيقتها وهما كل ما تبقى لها من أسرتها. وبرغم ذلك كانت تتحدث فقط مع المقربين منها عن حياتها الفنية والشخصية.

اللحظات الاخيرة

لم تعان سامية من أي أمراض خطيرة حتى وفاتها، ونفى صديقها محمد أمين ما تردد عن إصابتها بالاكتئاب لأنها كانت شخصية اجتماعية وكانت ايامها مشحونة بالعلاقات وتبادل الزيارات مع الأصدقاء والأقارب فلم تعان من الوحدة ابداً.

كانت سامية تعاني من «الأنيميا» لأنها لم تكن تحب الطعام لتحرص على رشاقتها، وهو ما أدى لدخولها للمستشفى قبل اربعة أشهر من وفاتها فكانت تعاني من هبوط حاد في نسبة الهيموجلوبين في الدم، ما استدعى عملية نقل دم، ونصحها الأطباء بتناول الفيتامينات والاهتمام بالتغذية.

قررت سامية الخروج من المستشفى بعد 3 أيام، وعندما اتصل بها محمد أمين قالت له: «أكره البقاء في المستشفيات». ثم قضت 6 أيام في شقتها بالزمالك ثم تم نقلها إلى المستشفى في حالة خطيرة إذ شعرت بآلام في المعدة كانت بسبب إصابتها بجلطة في الوريد المغذي للأمعاء أدى إلى حدوث غرغرينا، وتطلب الأمر إجراء عملية استئصال للأمعاء، ولكن سامية لم تتحسن حالتها وبدأت تفقد الوعي تدريجياً حتى توفيت.

ومن أغرب المشاهد التي يرويها محمد أمين أن سامية طلبت منه شراء مدفن لها، ورغم استغراب أمين من ذلك بأنه من قبيل التشاؤم، ولكنها أصرت، فتم شراء مدفن في أول طريق السويس وكانت تزوره من وقت لآخر حتى ذهبت ذات مرة فوجدت اللوحة الرخام على القبر مكتوب عليها الفنانة سامية جمال فاعترضت بشدة وطلبت تغييرها وقالت: «الموت مافيهوش فنانة ولا غيره». ويقول أمين: «لكن المقاول نسي ذلك، ففوجئنا عندما ذهبنا لدفنها أن اللوحة مكسورة على الأرض كما تمنت قبل رحيلها».





الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي