فاصلة / بطل من الظلام!
| فهد توفيق الهندال
|
لطالما تفننت هوليوود بابتكار أبطالها الذين ينقذون العالم من الشر وقوى الظلام، ويعيدون الأمن والأمل للمعمورة، وفق الفلسفة الأميركية المنظرة بأن الأميركي هو شرطي الكون بامتياز، والوحيد القادر على حماية المجتمع العالمي من كل الذين تراهم يهددون حياة الإنسان، وأعني الأشرار بمختلف هوياتهم الذين يجابههم البطل الأميركي الخارق في أفلام هوليوود.
ولعل هذه النظرة لم تكن مقتصرة على الأفلام وعالم الكبار، بل سبقتها المجلات الخاصة بالأطفال، مشجعة لكتابة وترويج هذه الأفكار للناشئة، وداعمة القراءة بالصور التي تحكي أكثر وبالألوان المحببة لهم، لاسيما وأن بطل الخير دائما ملابسه مقتبسة من ألوان العلم الأميركي، كسوبرمان وسبايدرمان، بخلاف الرجل الوطواط أو باتمان الذي فضّل الظلام عالما مثيرا وساحة مثالية لصراعه الأبدي مع قوى الظلام الشريرة.
معروف أن الظهور الأول لشخصية باتمان كانت عبر سلسلة اصدارات دي سي كومكس (DC Comics) عام 1939 على يد بوب كين الذي كتب على مدار عقود سلسلة بطله ذي الملابس الداكنة وتحول عدد منها لأفلام سينمائية على مدى 70 سنة بدءا من عام 1942 وحتى 2012 حيث الفيلم الأخير The Dark Knight Rises للمخرج كريستوفر نولان، وهو بتصوري أفضل مخرج على مستوى مسيرة القصة في السينما عندما تصدى لاخراج السلسلة الأخيرة المكونة من ثلاثة أجزاء، حيث أعاد شخصية الجوكر إلى الحياة عبر أداء الممثل الراحل مبكرا هيث ليدجر وقد تفوق في أدائه على جاك نيكلسون الذي أدى الشخصية قبل أكثر من عشرين سنة، ليحصد ليدجر جائزة الأوسكار لأفضل ممثل مساعد عن هذا الدور بعد وفاته.
على مستوى القصة، أشير إلى أمرين لافتين، الأول يتمثل بمكان/ مدينة باتمان «جوثام» حيث انها أصبحت شهيرة أكثر بفضل هذا الصراع الذي يصل ذروته في الظلام، وبالأصل هي اسم متداول كثيرا في نيويورك التي كانت ساحة الصراع الأولى في بداية كتابة السلسلة، ولكن الخيار جاء لاحقا لأن تكون مكانا خياليا يحرر القصة من سلطة الواقع، فكانت جوثام. ولعل مشاهد البنايات الكثيرة وناطحات السحب غير بعيدة عن ملامح نيويورك، كذلك موقعها الساحلي المنفتح على عوالم أخرى.
الأمر الثاني، الشخصية التي تختبئ خلف قناع ورداء باتمان الأسود، بروس وين، الرجل الثري وزير النساء الأشهر في المدينة، وهو يشابه هنا في حالته بطل زورو الخفي دون دييغو الثري الكسول والمدلل في ظاهره وبطل الفقراء خلف القناع، وهو ما يحاول أن يرسخ في ذهنية المتلقي أن الطبقة الارستقراطية لا تقل قدرة أو نبلا على فعل الخير والدفاع عن طبقة الضعفاء والكادحين، في مواجهة طغاة آخرين ولو كانوا من أبناء طبقتهم الارستقراطية ذاتها، على خلاف شخصيتي سوبرمان وسبايدرمان المتحدرتين من طبقة وسطى تحاول إقامة العدالة الاجتماعية من جهة، ومواجهة الأشرار القادمين من الخارج من جهة أخرى.
أخيرا... لماذا الوطواط أو الخفاش في أن يكون الكائن المفضل لبطله المتقمص حياته في الظلام وهو الحيوان البشع في شكله ويعيش على امتصاص الدماء من طرائده... لأن بطولة قوى الخير لا يمكن أن تعتاش وتستمر إلا في ظل الحضور الدائم للبطولة الأخرى،.. قوى الشر، فتمتص منها سبب وجودها و ضرورتها، سواء في صراع واقعي أو خيالي... والجماهير لاتزال تدمن الأخير أكثر!
والعاقبة لمن يعقل ويتدبر.
كاتب وناقد كويتي
@bo_salem72 twitter:
لطالما تفننت هوليوود بابتكار أبطالها الذين ينقذون العالم من الشر وقوى الظلام، ويعيدون الأمن والأمل للمعمورة، وفق الفلسفة الأميركية المنظرة بأن الأميركي هو شرطي الكون بامتياز، والوحيد القادر على حماية المجتمع العالمي من كل الذين تراهم يهددون حياة الإنسان، وأعني الأشرار بمختلف هوياتهم الذين يجابههم البطل الأميركي الخارق في أفلام هوليوود.
ولعل هذه النظرة لم تكن مقتصرة على الأفلام وعالم الكبار، بل سبقتها المجلات الخاصة بالأطفال، مشجعة لكتابة وترويج هذه الأفكار للناشئة، وداعمة القراءة بالصور التي تحكي أكثر وبالألوان المحببة لهم، لاسيما وأن بطل الخير دائما ملابسه مقتبسة من ألوان العلم الأميركي، كسوبرمان وسبايدرمان، بخلاف الرجل الوطواط أو باتمان الذي فضّل الظلام عالما مثيرا وساحة مثالية لصراعه الأبدي مع قوى الظلام الشريرة.
معروف أن الظهور الأول لشخصية باتمان كانت عبر سلسلة اصدارات دي سي كومكس (DC Comics) عام 1939 على يد بوب كين الذي كتب على مدار عقود سلسلة بطله ذي الملابس الداكنة وتحول عدد منها لأفلام سينمائية على مدى 70 سنة بدءا من عام 1942 وحتى 2012 حيث الفيلم الأخير The Dark Knight Rises للمخرج كريستوفر نولان، وهو بتصوري أفضل مخرج على مستوى مسيرة القصة في السينما عندما تصدى لاخراج السلسلة الأخيرة المكونة من ثلاثة أجزاء، حيث أعاد شخصية الجوكر إلى الحياة عبر أداء الممثل الراحل مبكرا هيث ليدجر وقد تفوق في أدائه على جاك نيكلسون الذي أدى الشخصية قبل أكثر من عشرين سنة، ليحصد ليدجر جائزة الأوسكار لأفضل ممثل مساعد عن هذا الدور بعد وفاته.
على مستوى القصة، أشير إلى أمرين لافتين، الأول يتمثل بمكان/ مدينة باتمان «جوثام» حيث انها أصبحت شهيرة أكثر بفضل هذا الصراع الذي يصل ذروته في الظلام، وبالأصل هي اسم متداول كثيرا في نيويورك التي كانت ساحة الصراع الأولى في بداية كتابة السلسلة، ولكن الخيار جاء لاحقا لأن تكون مكانا خياليا يحرر القصة من سلطة الواقع، فكانت جوثام. ولعل مشاهد البنايات الكثيرة وناطحات السحب غير بعيدة عن ملامح نيويورك، كذلك موقعها الساحلي المنفتح على عوالم أخرى.
الأمر الثاني، الشخصية التي تختبئ خلف قناع ورداء باتمان الأسود، بروس وين، الرجل الثري وزير النساء الأشهر في المدينة، وهو يشابه هنا في حالته بطل زورو الخفي دون دييغو الثري الكسول والمدلل في ظاهره وبطل الفقراء خلف القناع، وهو ما يحاول أن يرسخ في ذهنية المتلقي أن الطبقة الارستقراطية لا تقل قدرة أو نبلا على فعل الخير والدفاع عن طبقة الضعفاء والكادحين، في مواجهة طغاة آخرين ولو كانوا من أبناء طبقتهم الارستقراطية ذاتها، على خلاف شخصيتي سوبرمان وسبايدرمان المتحدرتين من طبقة وسطى تحاول إقامة العدالة الاجتماعية من جهة، ومواجهة الأشرار القادمين من الخارج من جهة أخرى.
أخيرا... لماذا الوطواط أو الخفاش في أن يكون الكائن المفضل لبطله المتقمص حياته في الظلام وهو الحيوان البشع في شكله ويعيش على امتصاص الدماء من طرائده... لأن بطولة قوى الخير لا يمكن أن تعتاش وتستمر إلا في ظل الحضور الدائم للبطولة الأخرى،.. قوى الشر، فتمتص منها سبب وجودها و ضرورتها، سواء في صراع واقعي أو خيالي... والجماهير لاتزال تدمن الأخير أكثر!
والعاقبة لمن يعقل ويتدبر.
كاتب وناقد كويتي
@bo_salem72 twitter: