| أنوار مرزوق الجويسري |
كثيراً ما نتساءل عن السبب الذي يجعلنا نتكلم أكثر مما نعمل، وننوي دون أن نهم بالعمل، وفي مرات قليلة نبرم وعداً ثم نُخلفه، لماذا تسرّبت هذه الظاهرة للمثقفين والسياسيين والقادة؟ ولماذا نراها في دولنا النامية تتزايد وفي الدول المتقدمة تكاد تنعدم؟ ما هو أساس هذه الظاهرة؟ وكيف نستأصلها؟ لعلي في هذا المقال أُقدم تفسيراً متواضعاً لبعض تلك التساؤلات الكثيرة والكبيرة.
يُطلق على هذه الظاهرة في الكتب «اتساع دائرة القول على حساب دائرة العمل»، وقد يفسر أحدهم بأن الشعوب النامية وخصوصا العربية تميل للحياة الاجتماعية أكثر من ميلها للحياة العملية، ولذلك هي شعوب تُكثر من الكلام والثرثرة، ولمن لا يعترف بمفهوم حسن الظن يرى بأن السبب يعود لانعدام الأخلاقيات والميل للكذب والخداع والتضليل فيكثر الكلام ويقل العمل به! لكن التجارب الحياتية أثبتت بأن عملية الإصلاح لا تكون إلا بالثقة المتبادلة وحسن الظن ورُقي النوايا، فلو كان لك ولدٌ مشاغب وأردت أن تربيه على الاحترام لكنت قلت له «أنت ولد ذكي ومؤدب وأنا على يقين بأنك ستحترم من هم أكبر منك سناً»، كذلك حالنا في الحكم على الشعوب وفي عملية الإصلاح المجتمعية، فلو أحسنّا الظن بأهلنا وصحبنا وأبناء مجتمعنا لوجدنا حلولاً بسيطة لمشكلات كبيرة.
ومن باب الثقة المتبادلة، أرى بأن الكلام يكثُر لأن الأفكار كثيرة وكبيرة، وما إن يكتشف أحدنا فكرة حتى يحتفي بها وينطلق يُحدّث الآخرين عنها، لكن إمكاناتنا قليلة ومواردنا تُستغل والعقبات كبيرة، وهنا بالضبط تصطدم الفكرة بالواقع وتعود خائبة فيتلاشى العمل الذي كاد أن يكون، فلا تلوموا شخصاً يعيش قلة الموارد وتحيّز القانون إن كان قد وعد وعداً بالإصلاح أو التطوير ثم صدمه الواقع بالفساد، ولا تلوموا شاباً يفتقر للقدوات إذا ما نوى عملاً فيه من الخير الكثير ثم كبلته القوانين التي تطالبه بما يعجز عن القيام به، ثم لا تلوموا طالباً أراد أن يبتكر حلاً لمشكلة ما ثم وجد معلمه يمارس معه كل أنواع التحبيط.
لكن الحق لا بد أن يُقال بأن النجاة من هذا الاصطدام بالواقع لا يكون إلا لأصحاب العزائم والهمم، أصحاب القلوب القوية والأهداف الواضحة والخطط المتقنة، فاستطاعوا بذلك تحقيق أفكارهم على أرض الواقع وتخطي العقبات والصبر في تطبيق القوانين والالتزام به والقدرة على مواجهة الفساد بقوة نفسية كبيرة، فليس مستحيلاً أن تعمل بقدر ما تتكلم أو أكثر مما تتكلم إن كنت بتلك الصفات أقل أو أكثر بقليل، فاستعن بالله ولا تعجز.
@anwar1992
[email protected]