أحكم الإسلام الوسائل لمحاربتها وأرشد المؤمنين إلى كتمانها لتموت في مهدها
الإشاعات... كم نالت من أبرياء وحطمت من عظماء وهزمت من جيوش؟!
تعتبر الاشاعات من أكثر أساليب الحرب النفسية
| إعداد عبدالله متولي |
الكلمة مسؤولية لا بد ان نعي كيف نتعامل معها، فرب كلمة نابية أدت الى خصومة، ورب كلمة جافية فرقت شمل أسرة، ورب كلمة طاغية أخرجت **الانسان من دينه - والعياذ بالله - ولكن رب كلمة حانية انقذت حياة، ورب كلمة طيبة جمعت شملا، ورب كلمة صادقة أدخلت الجنة - جعلني الله واياكم من أهلها - ولأهمية الكلمة وأثرها، قال رسول الله: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرا أو ليصمت».
هذا الحديث الشريف لو فقهه الناس، وصدقوا النية في التعامل معه، لتجنبوا الكثير من المآسي، وكثيرا ما يفسد الود بين الناس كلمة نابية مؤذية، ليست في محلها، تنفذ كما ينفذ السهم المسموم، فتفرق ما كان مجتمعا، وتفسد ما كان صالحا.
ان حالنا في كثير من الوجوه مريض، لان الكثير منا اذا تكلم لا يتكلم الا في سوء، لا يتكلم الا في اللغو والزور، لا يتكلم الا في الكذب والنفاق والتملق، لا يتكلم الا مغتابا أو نماما، أو همازا أو لمازا، أو داعيا الى فتنة أو بغضاء، ولا يسكت حين يسكت الا عن خير، يسكت عن المنكر، يسكت عن الشر، يسكت عن الظلم والآثام، وان البغي والانحراف والفساد، والبدع والفجور، ما قويت واشتد عودها الا حين سكت أهل الاصلاح، وأخرس صوت الحق.
غير ان صلاح اللسان في عرف فقهاء الأمة وأطبائها انما هو ولد صلاح النفوس والقلوب، فهيهات هيهات ان تصلح الألسنة والقلوب مريضة! ومتى يستقيم الظل والعود أعوج؟! وما اللسان الا ترجمان القلوب.
وما أروع ابن المعتز في حكمته القائلة: «الحكمة شجرة تنبت في القلب، وتثمر في اللسان»! وهذا الربط بين القلب واللسان هو المقصود لا محالة.
في الحديث الشريف: «لا يستقيم ايمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه».
تعد الاشاعات الكاذبة والاراجيف الباطلة، من أخطر الرذائل التي متى فشت في أمة من الامم، اضطربت أحوالها، وضعفت الثقة بين أبنائها، وانتشر فيهم سوء الظن المبني على الأوهام لا على الحقائق.
ومن سمات الامم التي يكثر فيها عدد العقلاء الراشدين، انها لا تروج فيها الاشاعات ولا تلتفت إلى الاراجيف، بل تموت تلك الاشاعات والاراجيف فيها قبل ان تلتقط انفاسها وذلك لان هذه الامم التي يكثر فيها العقلاء الأمناء، تراها في سلوكها تمحص الاخبار، وتراجع الاقوال، وتحكم المنطق السليم، ولا تصدق الا ما قام الدليل على صدق ما تسمعه.
• ومنذ فجر التاريخ البشري، والى ان يرث الله الارض ومن عليها، والأشرار حريصون كل الحرص على نشر الاشاعات الكاذبة لايذاء الاخيار، ولالحاق الضرر بهم وللتهوين من شأنهم ولعل أكثر الناس تعرضا للاشاعات الكاذبة والأراجيف الباطلة، هم الانبياء الكرام الذين أرسلهم الله تعالى لاخراج الناس من الظلمات إلى النور، ولدعوتهم إلى اخلاص العبادة لخالقهم الواحد القهار، ولحضهم على التحلي بمكارم الاخلاق..
ولا شك ان الحقد والحسد والعناد والانانية والأطماع وما يشبه ذلك من الرذائل، على رأس الأسباب التي تحمل أصحابها على نشر الاشاعات الكاذبة حول غيرهم.
انظر معي إلى قصة آدم وابليس كما وردت في القران الكريم فماذا ترى؟
• ترى ان من بين أحداثها ان الله تعالى قد أباح لآدم عليه السلام ان يأكل من جميع ثمار أشجار الجنة، سوى شجرة واحدة معينة نهاه عن الاقتراب منها، وبقي آدم مدة لا يعلمها الا الله مطيعا لما أمره به ربه.
• ولكن ابليس وهو العدو الأكبر لادم ولذريته، لم يعجبه ما رآه من طاعة آدم لخالقه عز وجل، فوسوس اليه بان هذه الشجرة التي نهاه ربه عن الأكل منها فيها ما فيها من المميزات، ولم يكتف بذلك بل أقسم له بانه صادق فيما يقوله، وحرضه على ان الاكل منها سيجعله من الخالدين، وخدع آدم عليه السلام بما أشاعه ابليس عن هذه الشجرة من خصائص، فأكل منها، فكانت النتيجة، ان أخرجه من الجنة، بسبب نسيانه، وضعف عزيمته، وتصديقه للأراجيف والاشاعات الزائفة.
• ولقد قص علينا القرآن الكريم بأسلوبه المعجز هذه الاحداث في سور متعددة، منها قوله تعالى في سورة البقرة: «وقلنا يا آدم اسكن انت وزوجك الجنة، وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين».
وهكذا نرى ان تصديق الاشاعات الزائفة، كثيرا ما يؤدي إلى زوال النعمة، وإلى الوقوع في الأخطاء التي ينبغي للعقلاء ان يصونوا انفسهم عنها. ثم انظر إلى قصة نوح عليه السلام مع قومه الذين مكث فيهم ألف سنة الا خمسين عاما فماذا ترى؟ ترى ان من بين الاشاعات الكاذبة، والتهم الباطلة التي حاول أعداؤه ان يلصقوها به، لكي يصرفوا الناس عنه، انهم وصفوه بانه رجل مجنون، وبانه في ضلال مبين، وبانه هو وأتباعه من الكاذبين، وبانه قد قال ما قال لا من اجل الاصلاح، وانما من أجل الشهرة، والتباهي، وطلب الرياسة والزعامة.
• ومن الآيات القرآنية التي حكت ذلك عن قوم نوح عليه السلام، قوله تعالى في سورة المؤمنون: «ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال ياقوم اعبدوا الله مالكم من اله غيره، أفلا تتقون. فقال الملأ الذين كفروا من قومه، ما هذا الا بشر مثلكم يريد ان يتفضل عليكم، ولو شاء الله لانزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين. ان هو الا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين» (الآيات 23 - 25).
• ثم تأمل معي ما حكاه القرآن الكريم من اشاعات كاذبة، ومن تهم زائفة، حاول المشركون والجاهلون والمنافقون ان يلصقوها بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى ينفض الناس عنه وعن دعوته التي تقوم على وجوب اخلاص العبادة لله الواحد القهار وعلى التحلي بمكارم الأخلاق... لقد قالوا عنه انه ساحر، وانه كذاب، وبان ما جاء به من قرآن ما هو الا أساطير الأولين، إلى غير ذلك من الاشاعات التي لا يقبلها قلب سليم.
وفي أوائل سورة ص آيات كريمة قصت علينا جانبا مما قاله المشركون في شأن النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالي: وعجبوا ان جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب، أجعل الآلهة الها واحدا، ان هذا لشيء عجاب، وانطلق الملأ منهم ان امشوا واصبروا على آلهتكم ان هذا لشيء يراد، ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة ان هذا الا اختلاق، أانزل عليه الذكر من بيننا...؟!!
• هذا جانب من الاشاعات الكاذبة، والاراجيف الفاسدة التي حرص المفسدون في الأرض على إلصاقها بالرسل وبالمصلحين، وما حملهم على ذلك الا العناد والحسد والتقليد الأعمي، والانقياد للهوى وللمآرب الشخصية. ولقد وضح الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم ان أعداء الحق الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا موجودون في كل زمان ومكان فقال: كذلك ما أتي الذين من قبلهم من رسول الا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به أي: أوصى السابقون اللاحقين ان يقولوا لكل رسول يأتيهم من ربهم: انت أيها الرسول ساحر أو مجنون بل هم قوم طاغون.
كيف حارب الإسلام الاشاعات؟
ان اكثر الناس تعرضا للاشاعات الكاذبة، هم الرسل الكرام، والمصلحون المخلصون، والانقياء الأصفياء الأخيار، وهذا ثابت منذ فجر الانسانية، وإلى ان يرث الله الأرض ومن عليها، فان الصراع بين الخير والشر باق ما بقي الناس في هذه الحياة ومن الأدلة على ذلك ما أشاعه المنافقون في العهد النبوي، عن السيدة عائشة. رضي الله عنها من أراجيف كاذبة، ومن اقوال باطلة، مقصدهم منها التشكيك في نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وقذف السيدة عائشة رضي الله عنها في عرضها وفي طهارتها
وقد انزل الله تعالى ست عشرة آية من سورة النور برأ فيها السيدة عائشة مما أشاعه المنافقون عنها من اشاعات سيئة وشهد سبحانه لها بالطهارة والنقاء، وعلم المؤمنين كيف يحاربون الاشاعات والأراجيف بالسلاح الذي يدحضها ويمحقها، ويخزي الناطقين بها، ويفضحهم على رءوس الأشهاد.
• لقد افتتحت هذه الآيات بقوله تعالى: «ان الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لاتحسبوه شرا لكم بل هو خير لكملكل امرئ منهم ما اكتسب من الاثموالذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم».
• والمتأمل في هذه الآيات التي نزلت في حديث الافك يرى غيرة الله تعالى على حرمة نبيه صلى الله عليه وسلم ودفاعه عن السيدة عائشة رضي الله عنها ويكفيها فخرا قوله سبحانه (أولئك مبرؤن مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم).
كما يرى فيها وعيده الشديد لأولئك المنافقين الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا كما يرى فيها انجع الطرق، وأحكم الوسائل، لمحاربة الاشاعات الكاذبة وأرشد سبحانه المؤمنين إلى ان يكتموا هذه الاشاعات والأراجيف حتي تموت في مهدها، كما امرهم بأن يزجروا من يتفوه بها أو يعمل على ترويجها، وان يظهروا احتقارهم له، ونفورهم من مجرد سماعها، كما امرهم بان يحسن بعضهم الظن ببعض، فان الاشاعات الكاذبة من أهم أسباب سوء الظن، وشدة الحقد، وقبح الافعال والأقوال.
خطر الإشاعة وأثرها في المجتمع
الاشاعات ظاهرة من جملة الظواهر التي تظهر في المجتمعات، وهو موضوع مهم، يهم المجتمعات بشكل عام، كل المجتمعات، الاسلامية وغير الاسلامية، لكن أهميتها للمجتمعات المسلمة أشد، وما أكثر الاشاعات التي تطلق في أوساطنا ونسمعها هذه الأيام! اشاعات مقصودة، واشاعات غير مقصودة، فلا تكاد تشرق شمس يوم جديد الا وتسمع باشاعة في البلد، من هنا أو من هناك!
فكم للاشاعات من خطر عظيم في انتشارها، وأثر بليغ في ترويجها!
الاشاعات يا عباد الله، تعتبر من أخطر الأسلحة الفتاكة والمدمرة للمجتمعات والأشخاص، فكم أقلقت الاشاعة من أبرياء، وكم حطمت الاشاعة من عظماء، وكم هدمت الاشاعة من وشائج، وكم تسببت الاشاعات في جرائم، وكم فككت الاشاعة من علاقات وصداقات، وكم هزمت الاشاعة من جيوش، وكم أخرت الاشاعة في سير أقوام!
لخطر الاشاعة، فاننا نرى الدول - دول العالم كلها - تهتم بها، والحكام رؤساء الدول يرقبونها معتبرين اياها، بل ان كثيرا من دول العالم تسخر وحدات خاصة في أجهزة استخباراتها، لرصد وتحليل ما يبث وينشر من اشاعة في دولتها، بانين عليها توقعاتهم للأحداث، سواء على المستوى المحلي أو الخارجي.
تعريف الاشاعة
قال في «اللسان» تحت مادة «شيع»: «شيعت فلانا اتبعته، وشايعه: تابعه وقواه، ويقال: شاعك الخير، أي: لا فارقك، ومنه: تشييع النار بالقاء الحطب عليها، وشيعه: خرج معه عند رحيله ليودعه، وتشيع في الشيء: استهلك في هواه، والشيوع: ما أوقد به النار، يقال: شيع الرجل بالنار: أحرقه، والمشيع: العجول، والشياع: صوت قصبة الراعي وشبابته، وأشاع بالابل وشايع بها وشايعها مشايعة: وأهاب، بمعنى واحد: صاح بها ودعاها، وشاع الشيب: ظهر وتفرق، وشاع الخبر: ذاع، وأشاع ذكر الشيء: أطاره، أشعت المال: فرقته، والشاعة: الأخبار المنتشرة، ورجل مشياع، أي: مذياع لا يكتم سرا، وشاع الصدع في الزجاجة: استطار»، ا.هـ مختصرا.
وقال الراغب في «المفردات»: شيع: الشياع: الانتشار والتقوية، يقال: شاع الخبر، أي: كثر وقوي، وشاع القوم: انتشروا وكثروا، وشيعت النار بالحطب: قويتها، والشيعة: من يتقوى بهم الانسان وينتشرون عنه، ومنه قيل للشجاع: مشيع، يقال: شيعة وشيع وأشياع، قال - تعالى -: (وإن من شيعته لإبراهيم) (الصافات: 83)، (هذا من شيعته وهذا من عدوه) (القصص: 15)، (وجعل أهلها شيعا) (القصص: 4)، (في شيع الأولين) (الحجر: 10)، (ولقد أهلكنا أشياعكم) (القمر: 51).
وفي الاصطلاح: فالاشاعة: من شيع، الذيوع والانتشار، اشاعة الخبر: ايصاله الى سمع كل الناس.
وهناك أيضا عدة تعريفات:
منها: كل قضية أو عبارة مقدمة للتصديق تتناقل من شخص الى شخص، دون ان تكون لها معايير أكيدة للصدق.
وقيل: هي اصطلاح يطلق على رأي موضوعي معين، كي يؤمن به من يسمعه، وهي تنتقل عادة من شخص الى آخر عن طريق الكلمة الشفهية، دون ان يتطلب ذلك مستوى من البرهان أو الدليل.
ومن التعاريف أيضا: انها بث خبر من مصدر ما في ظرف معين، ولهدف ما، يبغيه المصدر دون علم الآخرين، وانتشار هذا الخبر بين أفراد مجموعة معينة.
أو هي: الأحاديث والأقوال والأخبار التي يتناقلها الناس، والقصص التي يروونها دون التثبت من صحتها، أو التحقق من صدقها.
أو هي: النبأ الهادف الذي يكون مصدره مجهولا، وهي سريعة الانتشار، ذات طابع استفزازي أو هادئ حسب طبيعة ذلك النبأ.
الكلمة مسؤولية لا بد ان نعي كيف نتعامل معها، فرب كلمة نابية أدت الى خصومة، ورب كلمة جافية فرقت شمل أسرة، ورب كلمة طاغية أخرجت **الانسان من دينه - والعياذ بالله - ولكن رب كلمة حانية انقذت حياة، ورب كلمة طيبة جمعت شملا، ورب كلمة صادقة أدخلت الجنة - جعلني الله واياكم من أهلها - ولأهمية الكلمة وأثرها، قال رسول الله: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرا أو ليصمت».
هذا الحديث الشريف لو فقهه الناس، وصدقوا النية في التعامل معه، لتجنبوا الكثير من المآسي، وكثيرا ما يفسد الود بين الناس كلمة نابية مؤذية، ليست في محلها، تنفذ كما ينفذ السهم المسموم، فتفرق ما كان مجتمعا، وتفسد ما كان صالحا.
ان حالنا في كثير من الوجوه مريض، لان الكثير منا اذا تكلم لا يتكلم الا في سوء، لا يتكلم الا في اللغو والزور، لا يتكلم الا في الكذب والنفاق والتملق، لا يتكلم الا مغتابا أو نماما، أو همازا أو لمازا، أو داعيا الى فتنة أو بغضاء، ولا يسكت حين يسكت الا عن خير، يسكت عن المنكر، يسكت عن الشر، يسكت عن الظلم والآثام، وان البغي والانحراف والفساد، والبدع والفجور، ما قويت واشتد عودها الا حين سكت أهل الاصلاح، وأخرس صوت الحق.
غير ان صلاح اللسان في عرف فقهاء الأمة وأطبائها انما هو ولد صلاح النفوس والقلوب، فهيهات هيهات ان تصلح الألسنة والقلوب مريضة! ومتى يستقيم الظل والعود أعوج؟! وما اللسان الا ترجمان القلوب.
وما أروع ابن المعتز في حكمته القائلة: «الحكمة شجرة تنبت في القلب، وتثمر في اللسان»! وهذا الربط بين القلب واللسان هو المقصود لا محالة.
في الحديث الشريف: «لا يستقيم ايمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه».
تعد الاشاعات الكاذبة والاراجيف الباطلة، من أخطر الرذائل التي متى فشت في أمة من الامم، اضطربت أحوالها، وضعفت الثقة بين أبنائها، وانتشر فيهم سوء الظن المبني على الأوهام لا على الحقائق.
ومن سمات الامم التي يكثر فيها عدد العقلاء الراشدين، انها لا تروج فيها الاشاعات ولا تلتفت إلى الاراجيف، بل تموت تلك الاشاعات والاراجيف فيها قبل ان تلتقط انفاسها وذلك لان هذه الامم التي يكثر فيها العقلاء الأمناء، تراها في سلوكها تمحص الاخبار، وتراجع الاقوال، وتحكم المنطق السليم، ولا تصدق الا ما قام الدليل على صدق ما تسمعه.
• ومنذ فجر التاريخ البشري، والى ان يرث الله الارض ومن عليها، والأشرار حريصون كل الحرص على نشر الاشاعات الكاذبة لايذاء الاخيار، ولالحاق الضرر بهم وللتهوين من شأنهم ولعل أكثر الناس تعرضا للاشاعات الكاذبة والأراجيف الباطلة، هم الانبياء الكرام الذين أرسلهم الله تعالى لاخراج الناس من الظلمات إلى النور، ولدعوتهم إلى اخلاص العبادة لخالقهم الواحد القهار، ولحضهم على التحلي بمكارم الاخلاق..
ولا شك ان الحقد والحسد والعناد والانانية والأطماع وما يشبه ذلك من الرذائل، على رأس الأسباب التي تحمل أصحابها على نشر الاشاعات الكاذبة حول غيرهم.
انظر معي إلى قصة آدم وابليس كما وردت في القران الكريم فماذا ترى؟
• ترى ان من بين أحداثها ان الله تعالى قد أباح لآدم عليه السلام ان يأكل من جميع ثمار أشجار الجنة، سوى شجرة واحدة معينة نهاه عن الاقتراب منها، وبقي آدم مدة لا يعلمها الا الله مطيعا لما أمره به ربه.
• ولكن ابليس وهو العدو الأكبر لادم ولذريته، لم يعجبه ما رآه من طاعة آدم لخالقه عز وجل، فوسوس اليه بان هذه الشجرة التي نهاه ربه عن الأكل منها فيها ما فيها من المميزات، ولم يكتف بذلك بل أقسم له بانه صادق فيما يقوله، وحرضه على ان الاكل منها سيجعله من الخالدين، وخدع آدم عليه السلام بما أشاعه ابليس عن هذه الشجرة من خصائص، فأكل منها، فكانت النتيجة، ان أخرجه من الجنة، بسبب نسيانه، وضعف عزيمته، وتصديقه للأراجيف والاشاعات الزائفة.
• ولقد قص علينا القرآن الكريم بأسلوبه المعجز هذه الاحداث في سور متعددة، منها قوله تعالى في سورة البقرة: «وقلنا يا آدم اسكن انت وزوجك الجنة، وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين».
وهكذا نرى ان تصديق الاشاعات الزائفة، كثيرا ما يؤدي إلى زوال النعمة، وإلى الوقوع في الأخطاء التي ينبغي للعقلاء ان يصونوا انفسهم عنها. ثم انظر إلى قصة نوح عليه السلام مع قومه الذين مكث فيهم ألف سنة الا خمسين عاما فماذا ترى؟ ترى ان من بين الاشاعات الكاذبة، والتهم الباطلة التي حاول أعداؤه ان يلصقوها به، لكي يصرفوا الناس عنه، انهم وصفوه بانه رجل مجنون، وبانه في ضلال مبين، وبانه هو وأتباعه من الكاذبين، وبانه قد قال ما قال لا من اجل الاصلاح، وانما من أجل الشهرة، والتباهي، وطلب الرياسة والزعامة.
• ومن الآيات القرآنية التي حكت ذلك عن قوم نوح عليه السلام، قوله تعالى في سورة المؤمنون: «ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال ياقوم اعبدوا الله مالكم من اله غيره، أفلا تتقون. فقال الملأ الذين كفروا من قومه، ما هذا الا بشر مثلكم يريد ان يتفضل عليكم، ولو شاء الله لانزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين. ان هو الا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين» (الآيات 23 - 25).
• ثم تأمل معي ما حكاه القرآن الكريم من اشاعات كاذبة، ومن تهم زائفة، حاول المشركون والجاهلون والمنافقون ان يلصقوها بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى ينفض الناس عنه وعن دعوته التي تقوم على وجوب اخلاص العبادة لله الواحد القهار وعلى التحلي بمكارم الأخلاق... لقد قالوا عنه انه ساحر، وانه كذاب، وبان ما جاء به من قرآن ما هو الا أساطير الأولين، إلى غير ذلك من الاشاعات التي لا يقبلها قلب سليم.
وفي أوائل سورة ص آيات كريمة قصت علينا جانبا مما قاله المشركون في شأن النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالي: وعجبوا ان جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب، أجعل الآلهة الها واحدا، ان هذا لشيء عجاب، وانطلق الملأ منهم ان امشوا واصبروا على آلهتكم ان هذا لشيء يراد، ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة ان هذا الا اختلاق، أانزل عليه الذكر من بيننا...؟!!
• هذا جانب من الاشاعات الكاذبة، والاراجيف الفاسدة التي حرص المفسدون في الأرض على إلصاقها بالرسل وبالمصلحين، وما حملهم على ذلك الا العناد والحسد والتقليد الأعمي، والانقياد للهوى وللمآرب الشخصية. ولقد وضح الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم ان أعداء الحق الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا موجودون في كل زمان ومكان فقال: كذلك ما أتي الذين من قبلهم من رسول الا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به أي: أوصى السابقون اللاحقين ان يقولوا لكل رسول يأتيهم من ربهم: انت أيها الرسول ساحر أو مجنون بل هم قوم طاغون.
كيف حارب الإسلام الاشاعات؟
ان اكثر الناس تعرضا للاشاعات الكاذبة، هم الرسل الكرام، والمصلحون المخلصون، والانقياء الأصفياء الأخيار، وهذا ثابت منذ فجر الانسانية، وإلى ان يرث الله الأرض ومن عليها، فان الصراع بين الخير والشر باق ما بقي الناس في هذه الحياة ومن الأدلة على ذلك ما أشاعه المنافقون في العهد النبوي، عن السيدة عائشة. رضي الله عنها من أراجيف كاذبة، ومن اقوال باطلة، مقصدهم منها التشكيك في نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وقذف السيدة عائشة رضي الله عنها في عرضها وفي طهارتها
وقد انزل الله تعالى ست عشرة آية من سورة النور برأ فيها السيدة عائشة مما أشاعه المنافقون عنها من اشاعات سيئة وشهد سبحانه لها بالطهارة والنقاء، وعلم المؤمنين كيف يحاربون الاشاعات والأراجيف بالسلاح الذي يدحضها ويمحقها، ويخزي الناطقين بها، ويفضحهم على رءوس الأشهاد.
• لقد افتتحت هذه الآيات بقوله تعالى: «ان الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لاتحسبوه شرا لكم بل هو خير لكملكل امرئ منهم ما اكتسب من الاثموالذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم».
• والمتأمل في هذه الآيات التي نزلت في حديث الافك يرى غيرة الله تعالى على حرمة نبيه صلى الله عليه وسلم ودفاعه عن السيدة عائشة رضي الله عنها ويكفيها فخرا قوله سبحانه (أولئك مبرؤن مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم).
كما يرى فيها وعيده الشديد لأولئك المنافقين الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا كما يرى فيها انجع الطرق، وأحكم الوسائل، لمحاربة الاشاعات الكاذبة وأرشد سبحانه المؤمنين إلى ان يكتموا هذه الاشاعات والأراجيف حتي تموت في مهدها، كما امرهم بأن يزجروا من يتفوه بها أو يعمل على ترويجها، وان يظهروا احتقارهم له، ونفورهم من مجرد سماعها، كما امرهم بان يحسن بعضهم الظن ببعض، فان الاشاعات الكاذبة من أهم أسباب سوء الظن، وشدة الحقد، وقبح الافعال والأقوال.
خطر الإشاعة وأثرها في المجتمع
الاشاعات ظاهرة من جملة الظواهر التي تظهر في المجتمعات، وهو موضوع مهم، يهم المجتمعات بشكل عام، كل المجتمعات، الاسلامية وغير الاسلامية، لكن أهميتها للمجتمعات المسلمة أشد، وما أكثر الاشاعات التي تطلق في أوساطنا ونسمعها هذه الأيام! اشاعات مقصودة، واشاعات غير مقصودة، فلا تكاد تشرق شمس يوم جديد الا وتسمع باشاعة في البلد، من هنا أو من هناك!
فكم للاشاعات من خطر عظيم في انتشارها، وأثر بليغ في ترويجها!
الاشاعات يا عباد الله، تعتبر من أخطر الأسلحة الفتاكة والمدمرة للمجتمعات والأشخاص، فكم أقلقت الاشاعة من أبرياء، وكم حطمت الاشاعة من عظماء، وكم هدمت الاشاعة من وشائج، وكم تسببت الاشاعات في جرائم، وكم فككت الاشاعة من علاقات وصداقات، وكم هزمت الاشاعة من جيوش، وكم أخرت الاشاعة في سير أقوام!
لخطر الاشاعة، فاننا نرى الدول - دول العالم كلها - تهتم بها، والحكام رؤساء الدول يرقبونها معتبرين اياها، بل ان كثيرا من دول العالم تسخر وحدات خاصة في أجهزة استخباراتها، لرصد وتحليل ما يبث وينشر من اشاعة في دولتها، بانين عليها توقعاتهم للأحداث، سواء على المستوى المحلي أو الخارجي.
تعريف الاشاعة
قال في «اللسان» تحت مادة «شيع»: «شيعت فلانا اتبعته، وشايعه: تابعه وقواه، ويقال: شاعك الخير، أي: لا فارقك، ومنه: تشييع النار بالقاء الحطب عليها، وشيعه: خرج معه عند رحيله ليودعه، وتشيع في الشيء: استهلك في هواه، والشيوع: ما أوقد به النار، يقال: شيع الرجل بالنار: أحرقه، والمشيع: العجول، والشياع: صوت قصبة الراعي وشبابته، وأشاع بالابل وشايع بها وشايعها مشايعة: وأهاب، بمعنى واحد: صاح بها ودعاها، وشاع الشيب: ظهر وتفرق، وشاع الخبر: ذاع، وأشاع ذكر الشيء: أطاره، أشعت المال: فرقته، والشاعة: الأخبار المنتشرة، ورجل مشياع، أي: مذياع لا يكتم سرا، وشاع الصدع في الزجاجة: استطار»، ا.هـ مختصرا.
وقال الراغب في «المفردات»: شيع: الشياع: الانتشار والتقوية، يقال: شاع الخبر، أي: كثر وقوي، وشاع القوم: انتشروا وكثروا، وشيعت النار بالحطب: قويتها، والشيعة: من يتقوى بهم الانسان وينتشرون عنه، ومنه قيل للشجاع: مشيع، يقال: شيعة وشيع وأشياع، قال - تعالى -: (وإن من شيعته لإبراهيم) (الصافات: 83)، (هذا من شيعته وهذا من عدوه) (القصص: 15)، (وجعل أهلها شيعا) (القصص: 4)، (في شيع الأولين) (الحجر: 10)، (ولقد أهلكنا أشياعكم) (القمر: 51).
وفي الاصطلاح: فالاشاعة: من شيع، الذيوع والانتشار، اشاعة الخبر: ايصاله الى سمع كل الناس.
وهناك أيضا عدة تعريفات:
منها: كل قضية أو عبارة مقدمة للتصديق تتناقل من شخص الى شخص، دون ان تكون لها معايير أكيدة للصدق.
وقيل: هي اصطلاح يطلق على رأي موضوعي معين، كي يؤمن به من يسمعه، وهي تنتقل عادة من شخص الى آخر عن طريق الكلمة الشفهية، دون ان يتطلب ذلك مستوى من البرهان أو الدليل.
ومن التعاريف أيضا: انها بث خبر من مصدر ما في ظرف معين، ولهدف ما، يبغيه المصدر دون علم الآخرين، وانتشار هذا الخبر بين أفراد مجموعة معينة.
أو هي: الأحاديث والأقوال والأخبار التي يتناقلها الناس، والقصص التي يروونها دون التثبت من صحتها، أو التحقق من صدقها.
أو هي: النبأ الهادف الذي يكون مصدره مجهولا، وهي سريعة الانتشار، ذات طابع استفزازي أو هادئ حسب طبيعة ذلك النبأ.