د. وليد التنيب / قبل الجراحة / مشروع تنموي

تصغير
تكبير
عاش جاسم في أسرة ميسورة الحال هو وأخوته.... أسرة مثل ما يقال في الأمثال «كافة خيرها شرها»...

أبوه يعمل عملاً فنياً في إحدى الجهات الحكومية... عملاً أتقنه وأجاده... أشاد كل من عمل معه بإخلاصه وحبه لعمله... وعرف عن «أبو جاسم» حبه لمساعدة الكل.

أمه تعمل مدرّسة في إحدى المدارس الحكومية، وليس لها أي طموح أو أمل في أن تترقّى لأعلى من ذلك، ولكنها راضية بما هي عليه...

كبر جاسم وأخوته وكبرت طلباتهم... لا جديد أبداً، فهذا هو الطبيعي.

ولكن الحياة ليست هادئة دائماً، وإنما هي مد وجزر، وبين ذلك الأمواج الهادئة أو العاتية....

أصيب «أبو جاسم» بحادث سيارة ليس له به أي ذنب، وهذه قصة إصابته.

كان «أبو جاسم» عائداً من عمله عندما لاحظ أن هناك سيارة متوقفة في الحارة اليمنى للطريق ومسببة ازدحاماً شديداً... قرر أن يساعد صاحبها لدفعها إلى حارة الأمان لكي يفسح الطريق للجميع...

جلس ابن صاحب السيارة خلف المقود وبدأ هو وصاحب السيارة بدفعها من الخلف... بمجرد وصولهم إلى حارة الأمان، كانت هناك سيارة مسرعة تسير في حارة الأمان.

وحصل الحادث المؤلم لـ «أبو جاسم» وصاحب السيارة.

تم نقلهما إلى أقرب مستشفى، ومن غرفة الطوارئ إلى غرفة العمليات في أسرع فرصة لإنقاذ ساقي «أبو جاسم» وساقي صاحب السيارة.

يتذكر جاسم أن أباه عاد له وعيه في اليوم الخامس بعد الحادث وهو في العناية المركزة، وأن رجلاً وقوراً جداً جداً جداً جاء لأبيه لكي يوقّع ورقة التنازل عن من دهسه.

كان كلام هذا الرجل كله طيبة وتهديد... «أبو جاسم» بُتِرت ساقه وكُسِرت ساقه الأخرى، وهذا الرجل الوقور يطالبه بالتنازل.

رفض جاسم وأبوه هذا الطلب، وحاولا الكلام... ولكن معرفتهما بشخصية هذا الرجل ومركزه جعلهما يرفضان التوقيع فقط من دون أي كلام يصدر منهما...

سأل «أبو جاسم» عن صاحب السيارة وابنه... فعلم أن أحد الوجهاء قد تدخل وتم إرسالهما للعلاج بالخارج... أي حتى الآن لا جديد في قصتنا!

خرج «أبو جاسم» من المستشفى بساق مبتورة والساق الأخرى مكسورة، وقبل ذلك دمار نفسي وذل أمام أبنائه لا يستطيع أن يقدّره إلا من مرّ بهذا الموقف... أبناء يرى الذلّ في عيونهم... ذلّ من أخذ حقه ولم يستطع أن يرده.

قرر أن يتجه إلى القضاء للحصول على حقه، وهو في داخل نفسه يودّ القصاص من هذا المستهتر... ولكن الرجل الوقور وأتباعه قرروا إذلاله أمام أبنائه أكثر وأكثر.

قضية «أبو جاسم» تتأجل سنة بعد سنة.... وإذا سأل لماذا؟! قيل له بسبب ازدحام المحاكم وكثرة القضايا... وزادوا بسبب الضغط الشديد الذي تعانيه إدارات القضاء.

ولكن الجديد في قصتنا أن جاسم لم يستطع الصبر على كل هذا التأخير... اهتدى إلى مشروع ينقذه وينقذ كل من يعاني مثله...

مشروعه هو «إذا كانت الدولة ترسل مرضى للعلاج بالخارج وتستثمر بالخارج، فلماذا لا ترسل المتخاصمين قضائياً للتخاصم بالخارج للتسريع بحل قضاياهم وإرجاع الحقوق لأصحابها بالسرعة الممكنة؟!».

رسالة لكل مسؤول أن التنمية تبدأ بالعقول المفكرة... والعقول موجودة وتحتاج إلى فرصة لتغيير الوضع للأحسن... فهل سيتم إعطاؤها هذه الفرصة؟!... وإلا فإن مشاريعنا التنموية ستكون بمستوى مشروع جاسم!
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي