انوار مرزوق الجويسري / فواصل فكرية / التطوّع العربي

تصغير
تكبير
| أنوار مرزوق الجويسري |

ماذا يفعل الفرد العربي في غير أوقات العمل الرسمية؟ ماذا ينتج الفرد العربي غير إنتاجاته في العمل الرسمي؟ ماذا يقدّم الفرد العربي للمجتمع في غير مجال العمل الرسمي؟، التساؤلات التي تبحث عن علاقة العربي بالعمل غير الرسمي تبحث في مدى جدية هذا الفرد وعطائه وإنتاجيته، سواء كان هذا العمل بأجر أو من دون أجر، وفي هذا المقام سنخص العمل غير الرسمي الذي لا يؤخذ عليه أجر، فنناقش بذلك علاقة الفرد العربي بالعمل الطوعي، الذي هو عملٌ يقوم به الفرد طواعية عن رضا وقبول ورغبة من نفسه لمساعدة فرد أو جماعة أو مجتمع في مجال معين، وتلك المساعدة قد تتمثل في بذل جهد أو إعطاء مال أو قضاء وقت لتحقيق هدف يعود نفعه على المجتمع، فاسأل نفسك عزيزي العربي أين أنت من العمل الطوعي؟.

المعلومة تقول بأن لكل 175 فردا في الكيان الصهيوني جمعية تطوعية بينما يوجد جمعية تطوعية واحدة لكل 60 ألف مواطن عربي!، وبالأرقام دليل قاطع على أن عالمنا العربي مازال في بداية طريقه نحو تأسيس العمل التطوعي ونشر ثقافته، غير أن العالم العربي يتقدم على العالم الغربي في امتلاك أدبيات التطوع والإحسان من خلال الإسلام الذي هو أساس تطوّر العروبة وانفتاحها. فالفرد العربي المسلم يملك نصاً قرآنياً يدفعه للتطوع في قول الله عز وجل «ومن تطوّع خيراً فإن الله شاكرٌ عليم»، كما أنه يملك خلق ما بعد التطوّع في قول الله «ثم لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذى» أي أنهم بعد الإحسان والتطوّع بالمال لا يمنون على الناس ولا يؤذونهم، وفي هذا أدب تطوعي عظيم، فالإسلام تعدّى مرحلة التشجيع على التطوّع لينتقل بأفراده إلى أخلاق التطوّع والنفسية التي يتطوّع بها الفرد، وبعد كل هذا لماذا سبقنا الغرب مع أننا نملك ما لا يملكون؟

الإجابة عن هذا السؤال لا تختلف عن إجابة تساؤل «لماذا سبقنا الغرب؟» بشكل عام فالأسبقية الحضارية تُلزم الأسبقية الأخلاقية والمدنية والعلمية والسياسية والاقتصادية وحتى العسكرية، وتلك هي مكونات أي حضارة، لذلك فإن تأخّرنا الحضاري ألزمنا تأخراً أخلاقياً ومجتمعياً ساهم في غياب ثقاقة العمل التطوعي وتأخّرها، غير أن التقدم الأخلاقي لابد وأن يثمر تقدماً حضارياً، كما أن إحسان الأفراد وشعورهم بالمسؤولية تجاه مجتمعاتهم يخفض من مستوى الفساد فترتفع القيمة الحضارية، وهنا تماماً تكمن علاقة التطوّع بالحضارة والتقدّم.

الحكومات التي تبحث عن التنمية ثم لا تساهم في تطوير العمل التطوعي فإنها تعيش حلم التنمية، حيث لا مجال لتطوّر الفرد والمجتمع بلا تطوّع ومشاركة فعّالة من قبل الأفراد، ومن الضروري أن نعي بأن المشاركة لا تقتصر على أعمال الإغاثة في أوقات الكوارث ولا على أعمال البر في اللجان الخيرية بل هي وسيلة لسد النقص المجتمعي في كل المجالات ثقافياً وبيئياً وتعليمياً وسياسياً، كما أن الأسرة والمؤسسات التعليمية والإعلام لهم أدوارهم المميزة في نشر ثقافة العمل التطوعي بين الأطفال والشباب، ولكل منا دوره وعلى كل منا مسؤولية تجاه مجتمعه.





@anwar1992m

[email protected]

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي