محطة / الفنانة لوتس عبدالكريم تكشف الوجه الآخر للملكة فريدة

u0644u0648u062au0633 u0648u0627u0644u0645u0644u0643u0629 u0641u064a u0645u0639u0631u0636 u0627u0644u0641u0646u0627u0646 u0627u064au0647u0627u0628 u0634u0627u0643u0631
لوتس والملكة في معرض الفنان ايهاب شاكر
تصغير
تكبير
| كتب ياسر عبد الحافظ |

لا يعرف الناس عن الملوك سوى وجه واحد: الحياة الرغدة، غالبا لا يمكننا أن نفكر في قاطني القصور على أنهم بشر مثلنا تنتابهم المشاعر المؤلمة، هذا بالطبع لأنهم لا يمرون كثيرا بتجارب المواطن العادي، وكأن الجاه والسلطان بقدرتهما أن يحميا أصحابهما من الحزن والخوف والقلق.

هكذا من المؤكد أن اسم الملكة فريدة بمجرد حضوره يفرض صورة ذهنية نمطية، تكونت في مخيلتنا جميعا عبر تراث وتاريخ عربي طويل استطاعا أن يفرضا الى اليوم شكلا نمطيا عن أصحاب السلطان، وربما لن تتغير تلك الصورة حتى لو زال السلطان عن صاحبه، في النهاية يبقى للملوك، ولو غادروا قصورهم وسكنوا الأكواخ، وهو ما لم يحدث في الواقع الا قليلا، الكثير من سحرهم، يظلون غير بقية البشر.

لكن ذلك التصور الرومانتيكي تحطمه ببساطة الفنانة لوتس عبد الكريم في كتابها الصادر حديثا عن سلسلة كتاب اليوم التي تصدرها دار أخبار اليوم المصرية تحت عنوان «الملكة فريدة وأنا - سيرة ذاتية لم تكتبها ملكة مصر».

الكتاب يقع في مئة وسبعين صفحة من القطع فوق المتوسط متضمنا صورا ووثائق تنشر للمرة الأولى, كما تضمن أسرارا من شأنها أن تعيد النظر فيما يخص العائلة الملكية في مصر وكذا علاقتها بضباط ثورة يوليو.

فريدة آخر ملكات مصر، كانت قبل وفاتها واحدة من الشخصيات المعروفة في العالم، على الرغم من أنها رسميا كانت مجرد مواطنة مصرية عادية، يصعب حصر ما كتب عنها، غير أن المثير بالفعل أنه ومع تعدد تلك المصادر الا أن الخلاف حول شخصيتها ودورها في حياة الملك فاروق وقصة طلاقها منه يكاد يكون السمة المميزة لتلك الكتابات جميعها، حتى يشعر من يقرأ عن حياتها أن بداخلها تجتمع متناقضات لا يتحمل أحد أن يحيا تحت سيطرتها... فهل هكذا يكون الملوك؟

جمعت الصداقة بين الكاتبة لوتس عبد الكريم وبين الملكة فريدة طوال الخمسة أعوام الأخيرة من حياة الملكة، ومن خلال تلك المعايشة جاء هذا الكتاب الذي يقدم بروتريه مختلفا عن شخصية الملكة التي عاشت حياتها الثانية، بعد تخليها عن اللقب الملكي، حياة بائسة، تصف المؤلفة مسكنها قائلة: «منزل صغير من أربعة أدوار، حديث البناء متواضع المدخل، دلفت، المصعد غير نظيف يحدث بابه صوتا مزعجا حين يفتح بالاحتكاك وليس به نور.استعنت بالبواب، لم يتحرك من مقعده ولم يبد أى اهتمام بمكان من أسأل عنها. أطفال حفاة يجرون حول السلم وخادمة فلاحة تفتح باب الشقة المواجه تحمل صفيحة زبالة وتصيح في الاولاد... هذا هو الوسط الذي كانت تعيش فيه ملكة مصر السابقة. أدق الجرس، تفتح لى خادمة سمينة تربط رأسها بمنديل أسود، وأدخل الشقة أكثر تواضعا من العمارة. صغيرة جدا لكنها أنيقة ومنسقة ألوانها بين البيج والرمادي توحي بحزن قاتم. أول ما قابلت، طاولة صغيرة بجوار الباب عليها صورة الملك فاروق متوجا وحده، ثم صورة الملكة متوجة في برواز آخر. في الداخل منضدة مستديرة وأخرى مستطيلة عليهما مجموعة من صور الملك والملكة والأميرات والأم والأب والأخوة».

هكذا، تحطم الدكتورة لوتس الصورة التي يمكن افتراضها عن الملكة فريدة، لتؤكد أنها ورغم اللقب السابق الا أنها كانت تعيش في مستوى عادي جدا، بل وربما أقل، تذكر المؤلفة أنها ذهبت الى الدكتور عاطف عبيد رئيس وزراء مصر الأسبق قائلة له بغضب ومحتجة: هل يعقل أن ملكة مصرية تحصل على معاش في نهاية القرن العشرين (حقبة الثمانينات حتى وفاتها) قدره (200 جنيه مصرى - 35 دولارا اميركيا) فأجابها: انه أكبر معاش يمكن أن تحصل عليه، فردت: هل تحصل زوجات الرؤساء على معاش مماثل، فأجابها: ان لهن مخصصات. فقالت: ألم تكن آخر ملكة لمصر ويحق لها مخصصات مالية مثل غيرها، تحية عبد الناصر، جيهان السادات، تعصمها من العوز والفقر والحاجة. وانقطع الحوار لأن لوتس رأت أنه لا طائل من حوار كهذا مع رئيس وزراء مصر.

ومع هذا فقد رفضت الملكة كل العروض التي انهالت عليها لتكشف الأسرار.

وربما يتعجب القارئ متسائلا عن سر الصداقة التي جمعت الفنانة بالملكة طوال خمسة أعوام، لم يفارقا بعضهما خلالها الا برحيل الملكة عن الحياة، وعن هذا تقول الدكتورة لوتس عبد الكريم: «الملكة فريدة كانت تقول دائما ان: الملك والتاج يزولان لكن الفن خالد باق دائم مادامت الحياة، وهذا هو السر الذي جمعنا. هو القوة التي ربطت أواصر صداقتنا فاستمرت حتى الموت». وتؤكد أن هذا الثنائى، الفنانة والملكة، ترك في حياتها أثرا، بل اثارا، لا يمكن أن تزول.

وبكلمات معبرة تدل على أن الفنانة لوتس عبدالكريم قد أحبت وتواصلت انسانياً مع شخصية الملكة تقول عنها: «الملكات أحزانهن أكبر من أحزان البشر، وخبراتهن تفيض بالثراء وأنا أحب الحزن وأحب الثراء».

كانت مدرسة وكانت فلسفة وكانت حياة زاخرة صاخبة وعالما يموج بمختلف الأحاسيس وسيمفونية مختلطة الأنغام والالوان، وكانت لونا من النساء لا يتكرر. كانت ملكة في فنها، وفنانة في ملكها، وهذا ما سهل عليها التضحية به في سبيل مبدأ وقيمة وكرامة لا توجد بسهولة، تلك المرأة التي تخلع بيديها التاج، تهجر العرش والمجد والثراء في سبيل الكبرياء. «لا توجد بسهولة من تقول لا للترف والجاه وبذخ الحياة. ولا توجد بسهولة من تشترى كرامتها بتلك التضحية وذلك الثمن الباهظ الفادح الكبير».

وتحكي الدكتورة لوتس عبد الكريم في كتابها - «الملكة فريدة وأنا» الصادر في سلسلة «كتاب اليوم» في القاهرة- أن الملكة طلبت منها ذات يوم قارس البرد من أيام الشتاء الذهاب معها الى المقابر، وحين شارفا مسجد الرفاعى طلبت منها الابتعاد قليلا، ونزلت وحدها تزور قبر فاروق وغابت أكثر من نصف ساعة، ثم عادة محمرة العينين من البكاء.

وتقول المؤلفة ان هذه الحادثة تكررت كثيرا، ولا يدرى أحد لماذا كانت تذهب؟ كانت تسعد بتلك الزيارة أم تكفر عن ذنب لم تقصد ابدا ارتكابه في حق صاحب القبر، وطالما قالت ردا على اتهامات اقاربها وذويها، «لوكنت اعلم ان افتراقى عنه سيسبب له كل تلك المشاكل وسيغير وجه تاريخ مصر كما تقولون ما طلبت ابدا طلاقى منه» كان ذلك الشعور بالذنب يلازمها حتى آخر ايامها وكانت تشعر في عذابها بأنها تكفر عن ذنب تخليها عنه في زمن حرج، كان بحاجة فيه الى احتواء مخلص من أقرب الناس اليه.

وتواصل الدكتورة لوتس عبد الكريم ذكرياتها مع الملكة فريدة قائلة: ان الملكة فريدة كانت ضحية ذكائها وملكاتها وطاقاتها بل كانت تلك الطاقات والثورات الداخلية أقوى مما يحتمل الجسد الرقيق فخر تحت وطأة كل ما احتمل. لقد عانت هذه الانسانة معاناة فوق احتمال اي بشر وربما كان عذابها في الفترة الاخيرة من حياتها مضاعفا ما أدى الى سرعة موتها.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي