في خضم التلاطم والصيد في الماء العكر وتبادل الاتهامات ينسى البعض بأن واجب النصيحة لأولي الأمر هو المرتكز الأساسي في استقرار الحكم ودوامه، مصداقاً لقول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها»، والنصيحة لأولي الأمر لا تكون إلا بالسر وإلا كانت فضيحة.
إذا رجعنا إلى تاريخ تشكيل الحكومات الكويتية في السنوات الماضية ودرسنا أسباب الفشل المتكرر والأزمات المتلاحقة لوجدنا أن طريقة تشكيل الحكومة باستخدام نظام المحاصصة الطائفية والقبلية والحزبية وفقدان الحكومة لبرنامج العمل كان أكبر سبب لفشل تلك الحكومات وتصدعها بالرغم من تعاقب خيرة الوزراء عليها، لذلك فإن نصيحة الناصحين بتشكيل حكومة ذات أغلبية برلمانية وأن تتفق الكتل المشاركة في الحكومة على برنامج الحد الأدنى هو الأساس لحل تلك المشكلة المستعصية كما نصح الناصحون ولكي أوضح تلك النقطة التي قد تشكل على البعض فإن حكومة الأغلبية البرلمانية لا تعني أن يشارك في الحكومة أغلبية من النواب، وإن كان هذا هو مايحبذه الدستور، ولكن المقصود هو أن يشارك بها وزراء يمثلون الكتل التي تتبنى برنامج الحكومة الأساسي، بحيث تحصل الحكومة على تصويت مريح في المجلس كلما طرح مشروع قانون او اقتراح يتوافق مع برنامجها. ولكي تحصل الحكومة على تلك الأغلبية فلا بد لها من تحديد برنامجها الذي يتضمن الحد الأدنى لإصلاح العملية السياسية ودفع البلد نحو الإصلاح ثم عرض هذا البرنامج على الكتل السياسية في المجلس وأخذ موافقتهم كشرط أساسي للمشاركة في الحكومة، فمن وافق عليه وتعهد بالدفاع عنه يدخل ضمن التشكيلة الوزارية (وزير او وزيران من كل تكتل) وبذلك يصبح لدى الحكومة أكثرية من الكتل البرلمانية تدعم قراراتها وتمنع تكالب أصحاب الآراء المعارضة عليها، والحد الأدنى لعدد المتحالفين مع الحكومة يجب الا يقل عن سبعة عشر نائباً بحيث يصبح لدى الحكومة 33 صوتاً على الأقل (منهم ستة عشر وزيراً).
إن هذا النظام المقترح هو المعمول به في جميع الأنظمة البرلمانية في العالم، فلا يمكن لأي حكومة ان تقوم او تستمر من دون دعم نيابي لها، وفي السابق كان هنالك نواب مستقلون تابعون لتصويت الحكومة يتم بهم تحقيق الأغلبية، أما اليوم فالكل قد تمرد على الحكومة فأخذت تعصف بها الرياح البرلمانية العاتية، وما ان تنهض قليلاً لتنجز حتى تنكفئ على وجهها وتتمرغ في التراب.
أما نصيحة عدم الجمع بين الحكم والتجارة فهي عامة لجميع المشاركين في الحكومة والمجلس، وهي السمة العامة في الكويت منذ القدم، ومعروف أن من يجمع بين المتناقضين سيرجح أحدهما على الآخر ولا بد، وكثير من القوانين قد تم اجهاضها بسبب تداخل المصالح الشخصية فيها.
إذا أرادت الحكومة ان تستفيق من عثراتها وتتدارك ما فاتها وتبني الكويت بناء سليماً فلتأخذ بتلك النصائح قبل ان يحدث مزيد من الهدم والتشويه لتجربتنا السياسية ثم نعض أصابع الندم.
د. وائل الحساوي
[email protected]