الدليل الفقهي / جواز العزل
عبدالرؤوف الكمالي
زاوية فقهية يقدمها الداعية الإسلامي الدكتور
عبدالرؤوف الكمالي
أستاذ الفقه
بكلية التربية الأساسية
• عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه «أن رجلًا قال: يا رسول الله! إنَّ لي جاريةً، وأنا أعزل عنها، وأنا أكره أن تحمل، وأنا أريد ما يريد الرجال، وإن اليهود تُحَدِّثُ: أن العزل الموؤودة الصغرى, قال: كذبت اليهود، لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه» رواه أحمد، وأبو داود - واللفظ له - والنسائي، والطحاوي، ورجاله ثقات.
الحديث قد عارض حديثَ النهيِ, وتسميتَه صلى الله عليه وسلم العزلَ الوأدَ الخفِيَّ، وفي هذا تكذيبُ يهودَ في تسميته الموءودةَ الصغرى.
وقد جُمِع بينهما: بأن حديث النهي حُمِل على التنزيه, وتكذيبُ اليهود؛ لأنهم أرادوا التحريم الحقيقي.
وقوله: «لو أراد الله أن يخلقه»: معناه أنه تعالى إذا قدَّر خلْق نفسٍ فلا بد من خلقها، وأنه يسبقكم الماء فلا تقدرون على دفعه، ولا ينفعكم الحرص على ذلك؛ فقد يسبق الماء من غير شعور العازل لتمام ما قدَّره الله.
وقد أخرج أحمد والبزار من حديث أنس - وصححه ابن حبان -: «أنَّ رجلًا سأل عن العزل, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو أن الماء الذي يكون منه الولد أهرقته على صخرةٍ, لأخرج الله منها ولدا» [وفي إسناده مجهول الحال], وله شاهدان في «الكبير» للطبراني عن ابن عباس [قال الهيثمي: وفيه مَن لم أعرفه]، وفي «الأوسط» له عن ابن مسعود[وإسناده حسن, كما قال الشيخ شعيب الأرنؤوط].
• عن جابر رضي الله عنه قال: «كنا نَعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآنُ ينزل، ولو كان شيئًا يُنهى عنه لنهانا عنه القرآن» متفق عليه.
ولمسلم: «فبلغ ذلك نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم فلم يَنْهنا عنه».
الشرح:
(ولو كان شيئًا يُنهَى عنه): هذا القول إلى آخره, لم يذكرْه البخاري، وإنما رواه مسلم من كلام سفيانٍ أحدِ رواته، وظاهره أنه قاله استنباطًا.
قال المصنف في «الفتح»: «تتبعت المسانيدَ, فوجدت أكثرَ رواته عن سفيان لا يذكرون هذه الزيادة» انتهى.
وقد قيل: إنه أراد جابر بالقرآن: ما يُقرأ, وهو أعمُّ من المتعبَّد بتلاوته, فيشمل غيره مما يوحى إليه, فكأنه يقول: فعلْناه في زمن التشريع، ولو كان حرامًا لم نُقَرَّ عليه.
والحديث دليل على جواز العزل، ولا ينافيه كراهةُ التنزيه, كما دل له أحاديث النهي.
• عن أنس بن مالك رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه بغسل واحد» أخرجاه، واللفظ لمسلم.
حكم القَسْم بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم:
1 - الجمهور يقولون: يجب عليه القسم، وتأولوا هذا الحديث بأنه كان يفعل ذلك برضاء صاحبة النوبة، وبأنه يحتمل فعله عند استيفاء القسْم, ثم يستأنف القسمة، وبأنه يحتمل أنه فعل ذلك قبل وجوب القسم.
2 - وذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه كان لا يجب القسم عليه صلى الله عليه وسلم لنسائه؛ استدلالًا بهذا الحديث.
وهو ظاهر قوله تعالى {ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء} الآية.
قال بعض المفسرين: إنه أباح الله له أن يترك التسوية والقسم بين أزواجه, حتى إنه ليؤخر من شاء منهن عن نوبتها، ويطأ من يشاء في غير نوبتها، وأن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم؛ بناءً على أن الضمير في (منهن) للزوجات.
3 - وقال ابن العربي المالكي: إنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم ساعةٌ من النهار لا يجب عليه فيها القَسْمُ، وهي بعد العصر, فإنِ اشتغل عنها كانت بعد المغرب، وكأنه أخذه من حديث عائشة الذي أخرجه البخاري: «أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه, فيدنو من إحداهن», فقولها: « فيدنو « يحتمل أنه للوقاع, إلا أن في بعض رواياته من غير وقاع فهو لا يتم مأخذًا لابن العربي.
وقد أخرج البخاري من حديث أنس: «أنه صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة، وله يومئذ تسعُ نسوةٍ».
وقوله: «وله يومئذ تسع نسوة», في روايةٍ أخرى للبخاري «وهن إحدى عشرة»، ويجمع بين الروايتين: بأن يحمل قول من قال: «تسع»؛ نظرا إلى الزوجات اللاتي اجتمعن عنده، ولم يجتمع عنده أكثر من تسع، وأنه مات عن تسع, كما قال أنس, أخرجه الضياء عنه في «المختارة»، ومن قال: «إحدى عشرة» أَدخل ماريةَ القبطية وريحانة فيهن، وأُطلِق عليهما لفظ نسائه تغليبا؛ [لأنهما مِن إمائه وليستا مِن زوجاته].
ومِن فوائد الحديث:
أنه صلى الله عليه وسلم كان أكملَ الرجال في الرجولة؛ حيث كان له هذه القوة، وقد أخرج البخاري «أنه كان له قوةُ ثلاثينَ رجلًا»، وفي رواية الإسماعيلي: «قوة أربعين»، ومثله لأبي نُعَيْمٍ في صفة الجنة، وزاد: « مِن رجال أهل الجنة».
وقد أخرج أحمد، والنسائي - وصححه الحاكم - من حديث زيد بن أرقم: «إن الرجل في الجنة ليُعطَى قوةَ مائةٍ في الأكل والشرب والجماع والشهوة» [وصححه الشيخ شعيب الأرنؤوط].
عبدالرؤوف الكمالي
أستاذ الفقه
بكلية التربية الأساسية
• عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه «أن رجلًا قال: يا رسول الله! إنَّ لي جاريةً، وأنا أعزل عنها، وأنا أكره أن تحمل، وأنا أريد ما يريد الرجال، وإن اليهود تُحَدِّثُ: أن العزل الموؤودة الصغرى, قال: كذبت اليهود، لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه» رواه أحمد، وأبو داود - واللفظ له - والنسائي، والطحاوي، ورجاله ثقات.
الحديث قد عارض حديثَ النهيِ, وتسميتَه صلى الله عليه وسلم العزلَ الوأدَ الخفِيَّ، وفي هذا تكذيبُ يهودَ في تسميته الموءودةَ الصغرى.
وقد جُمِع بينهما: بأن حديث النهي حُمِل على التنزيه, وتكذيبُ اليهود؛ لأنهم أرادوا التحريم الحقيقي.
وقوله: «لو أراد الله أن يخلقه»: معناه أنه تعالى إذا قدَّر خلْق نفسٍ فلا بد من خلقها، وأنه يسبقكم الماء فلا تقدرون على دفعه، ولا ينفعكم الحرص على ذلك؛ فقد يسبق الماء من غير شعور العازل لتمام ما قدَّره الله.
وقد أخرج أحمد والبزار من حديث أنس - وصححه ابن حبان -: «أنَّ رجلًا سأل عن العزل, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو أن الماء الذي يكون منه الولد أهرقته على صخرةٍ, لأخرج الله منها ولدا» [وفي إسناده مجهول الحال], وله شاهدان في «الكبير» للطبراني عن ابن عباس [قال الهيثمي: وفيه مَن لم أعرفه]، وفي «الأوسط» له عن ابن مسعود[وإسناده حسن, كما قال الشيخ شعيب الأرنؤوط].
• عن جابر رضي الله عنه قال: «كنا نَعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآنُ ينزل، ولو كان شيئًا يُنهى عنه لنهانا عنه القرآن» متفق عليه.
ولمسلم: «فبلغ ذلك نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم فلم يَنْهنا عنه».
الشرح:
(ولو كان شيئًا يُنهَى عنه): هذا القول إلى آخره, لم يذكرْه البخاري، وإنما رواه مسلم من كلام سفيانٍ أحدِ رواته، وظاهره أنه قاله استنباطًا.
قال المصنف في «الفتح»: «تتبعت المسانيدَ, فوجدت أكثرَ رواته عن سفيان لا يذكرون هذه الزيادة» انتهى.
وقد قيل: إنه أراد جابر بالقرآن: ما يُقرأ, وهو أعمُّ من المتعبَّد بتلاوته, فيشمل غيره مما يوحى إليه, فكأنه يقول: فعلْناه في زمن التشريع، ولو كان حرامًا لم نُقَرَّ عليه.
والحديث دليل على جواز العزل، ولا ينافيه كراهةُ التنزيه, كما دل له أحاديث النهي.
• عن أنس بن مالك رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه بغسل واحد» أخرجاه، واللفظ لمسلم.
حكم القَسْم بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم:
1 - الجمهور يقولون: يجب عليه القسم، وتأولوا هذا الحديث بأنه كان يفعل ذلك برضاء صاحبة النوبة، وبأنه يحتمل فعله عند استيفاء القسْم, ثم يستأنف القسمة، وبأنه يحتمل أنه فعل ذلك قبل وجوب القسم.
2 - وذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه كان لا يجب القسم عليه صلى الله عليه وسلم لنسائه؛ استدلالًا بهذا الحديث.
وهو ظاهر قوله تعالى {ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء} الآية.
قال بعض المفسرين: إنه أباح الله له أن يترك التسوية والقسم بين أزواجه, حتى إنه ليؤخر من شاء منهن عن نوبتها، ويطأ من يشاء في غير نوبتها، وأن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم؛ بناءً على أن الضمير في (منهن) للزوجات.
3 - وقال ابن العربي المالكي: إنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم ساعةٌ من النهار لا يجب عليه فيها القَسْمُ، وهي بعد العصر, فإنِ اشتغل عنها كانت بعد المغرب، وكأنه أخذه من حديث عائشة الذي أخرجه البخاري: «أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه, فيدنو من إحداهن», فقولها: « فيدنو « يحتمل أنه للوقاع, إلا أن في بعض رواياته من غير وقاع فهو لا يتم مأخذًا لابن العربي.
وقد أخرج البخاري من حديث أنس: «أنه صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة، وله يومئذ تسعُ نسوةٍ».
وقوله: «وله يومئذ تسع نسوة», في روايةٍ أخرى للبخاري «وهن إحدى عشرة»، ويجمع بين الروايتين: بأن يحمل قول من قال: «تسع»؛ نظرا إلى الزوجات اللاتي اجتمعن عنده، ولم يجتمع عنده أكثر من تسع، وأنه مات عن تسع, كما قال أنس, أخرجه الضياء عنه في «المختارة»، ومن قال: «إحدى عشرة» أَدخل ماريةَ القبطية وريحانة فيهن، وأُطلِق عليهما لفظ نسائه تغليبا؛ [لأنهما مِن إمائه وليستا مِن زوجاته].
ومِن فوائد الحديث:
أنه صلى الله عليه وسلم كان أكملَ الرجال في الرجولة؛ حيث كان له هذه القوة، وقد أخرج البخاري «أنه كان له قوةُ ثلاثينَ رجلًا»، وفي رواية الإسماعيلي: «قوة أربعين»، ومثله لأبي نُعَيْمٍ في صفة الجنة، وزاد: « مِن رجال أهل الجنة».
وقد أخرج أحمد، والنسائي - وصححه الحاكم - من حديث زيد بن أرقم: «إن الرجل في الجنة ليُعطَى قوةَ مائةٍ في الأكل والشرب والجماع والشهوة» [وصححه الشيخ شعيب الأرنؤوط].