كمال علي الخرس / كلمة صدق / آخر كلمات هيلين

تصغير
تكبير
| كمال علي الخرس |

«هؤلاء الناس محتلون وعليهم أن يرجعوا الى ألمانيا وبولندا... اخبرهم أن يخرجوا من فلسطين». اثر هذا التصريح قدمت هيلين توماس عميدة المراسلين في البيت الابيض استقالتها بعد زوبعة من الانتقادات التي تلقتها من اطراف فاعلة في أميركا وبعدما وصف البيت الابيض تصريحاتها بأنها «عدائية، وغير مسؤولة، وتستدعي التوبيخ» وطالبها البيت الابيض بالاعتذار فاعتذرت بعد مسيرة مهنية حافلة.

في الثامن من يونيو لعام 2010 قدمت هيلين توماس استقالتها بعدما كانت لعقود الكاتبة والصحافية والمراسلة للرؤساء الاميركيين بدءا من جون كينيدي، وهي المولودة عام 1920 في ولاية كنتاكي الاميركية من أبويين لبنانيين هاجرا من مدينة طرابلس الى الولايات المتحدة عام 1892.

لكن رغم بعد زمن الهجرة وبعد المسافة عن لبنان وجارتها فلسطين ورغم حساسية الموقع الاعلامي الذي تشغره هيلين، الا انها لم تستطع ان تكتم مشاعرها النابعة من انتمائها لأرض الآباء العربية وحنينها لها ولقضيتها الاولى فلسطين، فعندما تم سؤالها في أحد المرات من قبل الصحافيين عن احدى شبكات التجسس الاسرائيلية في أميركا اجابت بضحكة متهكمة «انهم موجودون في كل مكان فما حاجتهم للتجسس». وهذه التصريحات اثارت امتعاض اللوبيات المناصرة لاسرائيل في أميركا، نعم انهم لا يريدون سماع الحقيقة، مع انهم يعطون دروساً حول حرية التعبير وحول اهمية البحث عن الحقيقة، لكن عندما تصطدم الحقيقة مع إسرائيل تكون الحقيقة مذنبة وإسرائيل تكون هي الحقيقة.

«كلاب حراسة الديموقراطية» كان احد اهم كتب هيلين توماس، ففي هذا الكتاب انتقدت وسائل الاعلام الأميركية الكبرى في فترة حكم بوش الابن لتحولها من كلب حراسة للديموقراطية الى كلب أليف، مما قوض دور السلطة الرابعة. في كتابها الاكثر مبيعا ذكرت هيلين انه لا يمكن ان تكون هناك ديموقراطية بدون اطلاع الناس على الحقيقة، لكن ما حصل ان تدهور اداء وسائل الاعلام في فترة بوش الابن على الخصوص، فقبل ذلك كانت كل الادارات منذ كينيدي تحاول ان تُجيّر الاعلام لصالحها، اما في فترة بوش فقد اصبحت أليفة وصارت وسيلة للدعاية الاعلامية أي بروباغاندا. عزت هيلين احد اسباب تقبل وسائل اعلام كبرى لهذا الدور وتخليها ولو نسبيا وبشكل تدريجي عن دورها الاعلامي ورسالتها الاعلامية لتركيزها على التسلية والمنفعة.

كانت آخر كلمات هيلين قبل استقالتها ذكر حقيقة الظلم الواقع على فلسطين ارضا وشعبا، وتذكير العالم من قلب البيت الابيض بأن اسرائيل كيان محتل، وان على الاسرائيلين ان يعودوا الى ديارهم، كلمات حق قالتها التسعينية هيلين رغم اعتذارها مكرهة بالضغوطات.

والطريف ان تتذكر هيلين توماس فلسطين قبل ان تغادر الحياة بسنتين على الرغم من بعد الزمن والمسافة عنها، وفي الوقت نفسه يكاد ينسى فلسطين بقية العرب، لتبقى فلسطين لسبعة عقود من الزمن دمعة حمراء على وجنة العرب.





[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي