| سعد خالد الرشيدي |
فتحت المنحة الخليجية المليارية التي قدمتها كل من السعودية والكويت والامارات إلى مصر بـ 12 مليار دولار، نقاشا واسعا حول دور دول الخليج الحقيقي في تغذية عملية الاطاحة التي قام بها الجيش المصري بالرئيس المنتخب محمد مرسي اخيرا، كما اثارت هذه المنحة تساؤلات عدة حول الدور الخليجي المرتقب في إعادة ترسيم توجيهات سياسات المنطقة العربية مستقبلا؟
وقبل ذلك يشهد الشارع الخليجي وتحديدا في الدول المانحة الثلاثة حراكا سياسيا بين مؤيد ومعارض لخطوة المنحة إلى مصر، فالبعض علق على التوقيت باعتباره اشارة واضحة على رغبة حكومة هذه الدول في الانتهاء من حكم الاخوان والقضاء عليهم ومساعدة المعارضة بالمال السياسي الذي يدعم موقفهم في قيادة مصر الفترة المقبلة، حيث تظهر المساعدات التي تعهدت السعودية والامارات والكويت بتقديمها لمصر رضا هذه الدول عن عزل الجيش للرئيس محمد مرسي، خصوصا ان البعض رأى ان أرضية القرار الخليجي لم تكن متساوية مع سورية.
لكن من يعرف الخلفية التاريخية للمنطقة اقله في العصر الحديث يستطيع ان يتفهم جيدا موقف السعودية والكويت والامارات الداعم لمصر، ويكفي في هذا الخصوص الاشارة إلى ما قاله رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشورى السعودي عبد الله العسكر الذي شكله الملك عبد الله لمناقشة السياسات وتقديم المشورة للحكومة: «مشكلة الاخوان المسلمين هي أن فكرهم لا يعرف الحدود وانهم لا يؤمنون بالهوية الوطنية وانما يؤمنون بهوية الامة الاسلامية وان لديهم أصابعاً تمتد في دول خليجية مختلفة».
وبعيدا عن دائرة الخلاف الضيقة حول ادبيات قرارات المنحة سواء من قبل من يعارض مرسي أو من يؤيده، يتعين ان نعلم جيدا ان الشيطان في تفاصيل قرارات المنحة الخليجية السريعة إلى مصر، فالقارئ المتابع لاحداث المنطقة الاخيرة والمتغيرات الاستراتيجية التي طرأت عليها لجهة نوعية القيادة الجديدة يستطيع ان يفهم بكل بساطة ان هذه المنحة حملت مؤشرات مهمة على ان الدول الخليجية باتت تلعب دورا محوريا داخل دائرة صناعة القرار الضيقة في المنطقة ولم تعد مثل السابق مجرد اداة لينة تفعل في خدمة مصالح الاخرين.
بالطبع تعكس خطوة المنحة الخليجية مؤشرات مهمة على ان دول الخليج باتت جزءاً أصيلا من مكونات لعبة صناعة القرار العربي، خصوصا انه لم يعد بالإمكان السيطرة على مخرجات الربيع العربي السياسية حتى بالنسبة للامريكان ودول الغرب الذين طالما عرف عنهم انهم عرابي مثل هذه التحولات السياسية بالقدر الذي يخدم مصالحهم.
بالنسبة لي اعتقد ان مصر تستحق من دول الخليج اكثر من مجرد 12 مليارا، بل تحتاج إلى الوقوف معها بشكل مالي وسياسي كبير إلى ان تخرج من نفق الازمة التي تواجهها ويواجهها معها جميع شعوب المنطقة الذين انقسموا بالتزامن بين مؤيد ومعارض حالهم حال المصريين انفسهم.
وما يثير التفاؤل بأهمية الدعم الخليجي ان رغم فوضوية اوضاع مصر المالية الداخلية، الا ان مصر مثلما يتنبأ كبار الاقتصاديين ليست ببعيدة غير قابلة للإصلاح، بفضل ما تمتلكه من محرّكات عديدة للنمو الاقتصادي والدخل والتوظيف بما يمكن إعادة تشغيلها بسهولة ما إن يُستعاد الهدوء، وإن تلك المحركات للنمو تبقى حيّة بالكامل وقوية، وللعديد منها تأثيرات مفيدة على صعيد توزيع الدخل.