كبسة رجال «الداخلية» على مقار شراء الأصوات الانتخابية تستحق منا الشكر والتقدير، فهؤلاء الرشاة ليسوا أشباحا مختفية لا يمكن الوصول اليهم وفضحهم، بل يمكن نصب كمائن لهم بسهولة للايقاع بهم لكن تعتبر هذه الخطوة هي الاولى من أجل تطهير بلادنا من هؤلاء المجرمين، أما الخطوة الثانية فهي تحويل كل من مارس هذه الرشوة الى النيابة لاستصدار قرار سريع بحقهم، ولابد من كشف أسماء المتورطين وعدم التخفي عليها لكي يكونوا عبرة لغيرهم، وإذا كان المقبوض عليه في حادثة الدائرة الثالثة قد أدخل 600 اسم لناخبين تمت رشوتهم، فيجب نشر تلك الأسماء في وسائل الاعلام لكي يدرك بقية الناخبين بأن الفضيحة في الدنيا صعبة وقاسية فكيف اذا نودي اسمه يوم القيامة على رؤوس الخلائق؟
الخطوة الثالثة التي لابد من استكمالها وإلا فإن ما نفعله لن يجدي نفعا هي السعي لتجفيف منابع شراء الأصوات بأن نواصل التحقيق مع الراشي الى ان نكتشف من قام بتمويل حملته لشراء الأصوات، وهم مجموعة معروفة من المتنفذين الذين تكلم عنهم الناس كثيرا، وقد أنشأوا لهم صندوقا خاصا لتدمير العملية الانتخابية أو لتمرير قوانين محددة في المجلس أو لتخريب المجلس المقبل وضرب بعض الوزراء، فهؤلاء بحاجة الى كشفهم ليعرفهم الجميع، ويكفي تلطيخ سمعتهم أمام الناس لكي يتجنبهم الجميع، وإذا ما توافرت أدلة على جرائمهم فلابد من كشفها وتحويلها الى النيابة.
أتمنى من جمعيات المجتمع المدني ولجانه المتخصصة مثل جمعية الشفافية وغيرها ألا تكتفي بالتوعية للناخبين ونشر الإحصائيات حول الانتخابات وإنما لابد لها ان تتغلغل في أوساط الناخبين لتصل الى الأماكن والبؤر التي اشتهرت بالترويج لشراء الأصوات.
ومع ان هذا الدور منوط بوزارة الداخلية وأجهزتها الكثيرة لكن لابد من تعاون المواطنين، وليكن شعارنا «انتخابات من دون رشوة»، ثم نتحول بعدها الى إصلاح مجلس الأمة عن طريق افتتاح المجلس بمجموعة من القوانين التي تعزز النزاهة لدى الوزراء والنواب مثل قانون «من أين لك هذا؟» وقانون «تعارض المصالح»، وقانون «حماية المبلغين والشهود والضحايا»، ولابد من تقديم اقتراح قانون الهيئة العامة للنزاهة الذي طالبت به جمعية الشفافية الكويتية.
لقد هبطت الكويت في مؤشر مدركات الفساد العالمي في عام 2012 الى المرتبة الخامسة عربيا و66 عالميا بعدما كانت رقم 54 عام 2011 وذلك من بين 184 دولة، وهذا يدلنا على حجم التراجع في النزاهة بسبب انتشار الرشوة والفساد والغش التجاري والربح غير المشروع على جميع المستويات.
إن الوضع خطير جدا ويجب ان نحسن اختيار ممثلينا للمجلس التشريعي المقبل وأن نعطيهم الصلاحية الكاملة لإنقاذ البلد من هذه الانتكاسة التي توشك ان تدمر كل ما بناه الآباء المؤسسون، والمسألة ليست قضية مالية فقط ولكنها قضية أخلاقية تسعى لتدمير كل ما نبنيه من أخلاق وقيم ثم تتحول بعدها الى حروب طاحنة واقتتال عنيف!!
المافيا انتقلت من إيطاليا إلى الكويت!
بالرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها دول العالم اليوم للقضاء على عصابات المافيا، والحروب المضنية التي خاضتها الولايات المتحدة الأميركية وإيطاليا ضد عصابات المافيا ومنها المافيا الروسية واليابانية، فمازال ينتظم نحو ستة آلاف ايطالي - أميركي في تلك العصابات، ويمارسون الجريمة المنظمة مثل المقامرة والدعارة وبيع المخدرات والربا، ويقدر المسؤولون عن القانون ان عائلات المافيا تكسب نحو 50 مليار دولار أميركي سنويا من تلك النشاطات ومن غسيل الأموال.
إن بلادنا بما حباها الله تعالى من خيرات كثيرة ليست بمأمن من تلك المافيا الرهيبة والتي تحدث بأيد كويتية وتسعى لتدمير كل خير في بلادنا، وما لم نتكاتف بصدها ووقف انتشارها فإن مصير أجيالنا القادمة قد يصبح فريسة لتلك المافيا الرهيبة!
د. وائل الحساوي
[email protected]