الدعاء المأثور

تصغير
تكبير
معشر القراء الفضلاء، وصلكم الله بمأثور الدعاء:

ان من أشرف الأدعية التي يتقرب الى الله تعالى بها الداعي، وأجمع المباني وانفع المعاني التي** يسعى في تحصيلها الساعي: ما أثر عن نبي الله صلى الله عليه وسلم من الأدعية الصحيحة، التي هي من جوامع الكلام وعيون الأقوال التي تجود بها القريحة.

الدكتور وليد محمد العلي امام وخطيب المسجد الكبير واستاذ العقيدة بكلية الشريعة.



وان من هذه الدعوات النبوية الشريفة، وهذه الكلمات الشافية الكافية المنيفة:

ما جاء في حديث فروة بن نوفلٍ الأشجعيِّ رحمه الله تعالى قال: سألت عائشة رضي الله عنها عمَّا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو به الله؟ قالت: (اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت؛ ومن شر ما لم أعمل).

فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ)، فإنَّه يتضمَّن الاستعاذة بالله عزَّ وجلَّ في جميع الأُمور، والاعتصام بالرَّبِّ سُبحانه من كُلِّ المُنكرات والشُّرور، والالتجاء إلى المولى جلَّ جلاله في تصاريف الدُّهور، فهُو الذي يُجير ولا يُجار عليه وهُو العزيز الغفور.

ولمَّا كانت السَّيِّئات والشُّرور من نزغات الشَّيطان الرَّجيم؛ التي يُضلُّ بها أولياء الله تعالى عن لزوم الصِّراط المُستقيم؛ ويصرفهم بخليه ورَجِله عن الثَّبات على هدي الدِّين القويم: شُرع للعبد أن يستعيذ بمولاه ويعتصم به لأنَّه سميعٌ عليمٌ، قال الله تعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.

يَا مَنْ أَلُوذُ بِهِ فِيمَا أُؤَمِّلُهُ وَمَنْ أَعُوذُ بِهِ مِمَّا أُحَاذِرُهُ لا يَجْبُرُ النَّاسُ عَظْماً أَنْتَ كَاسِرُهُ وَلا يَهِيضُونَ عَظْماً أَنْتَ جَابِرُهُ

فاستعاذة العبد بالله تعالى فيها إظهارٌ لكمال غنى الرَّبِّ سُبحانه وتعالى وشدَّة افتقار عبده إليه، وأنَّه عبدٌ قد مرَّغ خدَّه على عتبة العُبوديَّة وفوَّض جميع أُموره إليه وتوكَّل في شُؤونه كُلِّها عليه، فهُو مُبتهلٌ لربِّه سُبحانه ابتهال من خضعت رقبته ورغم أنفه وفاضت عيناه وذل قلبه بين يديه.

وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مِنْ شَرِّ مَا عَمِلْتُ)، فيه استعاذة العبد من شرِّ العمل الذي يُحتاج فيه للعفو والغُفران، ومن مغبَّة فِعْل السَّيِّئات وترك الحسنات الذي يُورث الذُّلَّ والهوان.

فالعبد إذا لم يُعِذْه الله عزَّ وجلَّ من شرِّ الأعمال؛ ولم يُوقِّه الرَّبُّ تبارك وتعالى من سيِّء الأقوال: فلن يُكرمه أحدٌ ولن يزال أبداً في الذِّلَّةٍ والوبال، كما قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء}.

إِذَا مَا أَهَانَ امْرُؤٌ نَفْسَهُ فَلا أَكْرَمَ اللهُ مَنْ يُكْرِمُهْ

وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَمِنْ شَرِّ مَا لَمْ أَعْمَلْ)، فيه استعاذة العبد من شرِّ العَمَل الذي سيقترفه في مُستقبل الزَّمان، أو الاستعاذة من الأمن من مكر الله الذي هو محض خسارة الإنسان، أو الاستعاذة من شرِّ العُجْبِ بالعَمَل الذي هو استدراجٌ من الشَّيطان.

الخَيْرُ يَبْقَى وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ بِهِ والشَّرُّ أَخْبَثُ مَا أَوْعَيْتَ مِنْ زَادِ

فهذا الدُّعاء من أجمع الأدعية النَّبويَّة التي يُزكِّي الله تبارك وتعالى بها أرباب النُّفوس الطَّاهرة، لما يتضمَّنه هذا الدُّعاء الجامع من استعاذة العبد من جميع الشُّرور والمُنكرات الباطنة والظَّاهرة، ففيه الاستعاذة من شرِّ ما عمله العبد وما لم يعمله ممَّا يقتضي الشَّرَّ في الدِّين والدُّنيا والاَخرة.

فهذه الكلمات تتضمَّن تعليم النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أُمَّته شدَّة الافتقار إلى الله عزَّ وجلَّ في جميع الأحوال، مع وُجوب اعتقاد أنَّ أعمال رسول الله صلى الله عليه وسلم سابَقها ولاحَقها كُلَّها خيرٌ وأنَّه لا شرَّ فيها بحالٍ، وأنَّ الواجب على العبد الذي يرجو لنفسه العصمة والنَّجاة أن يلهج بهذا الدُّعاء بلسان الحال وبلسان المقال.

فأهلُ الاصطفاء: من لزموا الدُّعاءَ؛ وهم مُستيقنون بأنَّ ربَّهم تبارك وتعالى لدعائِهم سميعٌ قريبٌ مجيبٌ، وأنَّه يُخاطبُهم بقوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ، دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}.

وفي الختام معشر القراء الفضلاء:

فالسعداء من استمسكوا بعروة الالتجاء، وألظوا في كل وقت وحين بصالح الدعاء، المأثور عن خاتم الرسل وإمام الأنبياء؛ صلى عليه وسلم رب الأرض والسماء.

فالمعتصمون بالدعاء المأثور آووا إلى ركن شديد، لأنهم قد استعانوا في طلبهم بالله العزيز الحميد.

واشدد يديك بحبل الله معتصما * فإنه الركن إن خانتك أركان

من استعان بغير الله في طلب * فإن ناصره عجز وخذلان

نفعني الله وإياكم بهذا الدعاء، وفتح لإجابته أبواب السماء، وأصل معكم لختام هذا اللقاء: سائلا الله تعالى أن تحوطَكُم رعايتُه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاتُه.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي