شيفي بهاسين: بدأت تجارتنا في الكويت سنة 1950
حديثنا اليوم مع أحد أبناء الجالية الهندية الذين عاشوا على أرض الكويت منذ نعومة أظافرهم وأصبحت جزءاً من كيانهم وحياتهم لا ينفكون عنها شيفي بهاسين اشتهر اسم والده ودرج على الألسن من خلال تجارته للملابس العسكرية والغربية فهو من أول المحلات التي كانت هذا منوال تجارتها تستورد البدلات من بنطال وأقمصة وغيرها توفرها للأهالي المؤسسات الحكومية يحدثنا شيفي بهاسين عن تجارتهم وبداية تأسيسها والمراحل التي شهدت تطورها أحاديث متنوعة من أحد رجال الأعمال الذين اتخذوا ميسراً واحداً رافداً لتجارتهم عبر خمسة عقود من الزمن فلنترك له الحديث:
والدي قدم من الهند إلى البصرة عام 1933 ونحن من مدينة سلاكوت وهي الآن تبع باكستان لكن حين ولادة والدي لم يكن التقسيم قد تم فكانت هذه المدينة مدينة هندية لأن باكستان برمتها كانت ضمن شبه القارة الهندية والتقسيم جاء لاحقاً وبعد التقسيم رحلنا من مدينتنا إلى الهند وأقمنا فيها وكان عمي قد سبق الوالد في مدينة البصرة وله فيها محل خياطة فاستقدم الوالد وكان والدي جامعياً وشهادته علوم تطبيقية وسبب مجيء عمي إلى البصرة انه كان ضمن الجيش البريطاني فالمعلوم ان بريطانيا كانت لها سيطرة في آسيا والهند بشكل خاص وعند اندلاع الحرب العالمية الأولى انتشرت القوات البريطانية على جبهات القتال حيث ان بريطانيا كانت طرفاً في تلك الحرب فعمي كان جندياً في الجيش البريطاني وشارك على الجبهة الالبانية ثم اتى إلى البصرة ضمن القوة المتواجدة بها وذلك عام 1915 وعندما انتهت الحرب استقر في البصرة وافتتح محلاً للخياطة ثم عاد إلى مدينة كراتشي بعد ذلك اما والدي فذهب إلى البصرة عسكرياً وادارياً تبع المراسلات والمخاطبات حيث انه كانت له دراية باللغة الانكليزية وبعد انتهاء الحرب افتتح محلاً في البصرة للملابس الخاصة بالرياضة ومستلزماتها بالاضافة إلى الخياطة.
الشيخ
كان الشيخ محمد الأحمد الصباح مقيماً في البصرة ويعرف التجار المتواجدين فيها وله صداقة على والدي فاقترح عليه الذهاب إلى الكويت واستخرج له اذناً بدخول الكويت فوافق على الفور وقدم إلى الكويت وذلك سنة 1950 وعندما دخل البلاد صدق ذلك التصريح من القنصلية البريطانية في الكويت وأنا من مواليد 1949 وجئت الكويت معه وعمري ثلاثة أشهر.
المحل
في العام 1950 اسس والدي محله في الكويت في شارع فهد السالم بالقرب من الحديقة التي كانت مقبرة وكان المحل مشتملاً على الخياطة والادوات الرياضية وكانت الخياطة للبدلات وللقمصان ووالدي هو الذي يأخذ المقاسات اما التفصيل فكان هناك عمالة باكستانية وهندية هي التي تقوم بالخياطة وهؤلاء الخياطون هم بقايا الجيش البريطاني الذي كان قد ارتحل عن المنطقة. والبناية التي فيها المحل كانت لخالد يوسف المطوع والمواد التي نقوم بالتفصيل بها كنا نستوردها من انكلترا وكذلك جميع الملابس والأمور الفنية اما طبيعة الدوام فكانت عبارة عن فترتين صباحية إلى الظهر ومساء من العصر إلى العاشرة ولم تكن الكهرباء متوافرة وبلادنا نحن سلاكوت وهي مشهورة بالالعاب الرياضية مثل الكورة والهوكي وكراكيت والذي يهاجر لابد ان يعمل محل رياضة لمعرفته التامة بالمهنة وحين افتتحنا المحل كان لنا زبائن يلبسون الملابس الافرنجية - البدلات والقمصان من بعض الجاليات الهندية والبريطانية، والمواطنون الكويتيون والعرب ايضاً حين سفرهم إلى الهند وأوروبا والبلاد الأخرى. ومحلنا أول محل لتفصيل البدلات في الكويت.
معرفة
الوالد حين كان في البصرة كانت له معرفة بالعمالة الانكليزية التي تعمل في مجال النفط وكانوا من زبائننا في الكويت انتقلنا بعد ذلك إلى محل آخر في الدهلة وكان عبارة عن دور أرضي وذلك بعد ان مكثنا ست سنوات في المحل السابق.
سيارة
اشترى الوالد سيارة مورس وهي السيارة الشائعة عند الجالية الهندية.
النقلة
بدأنا نستورد الملابس الجاهزة من الخارج والتاجر الفطن يعرف ما يحتاجه البلد الذي هو فيه والكويت كانت تهتم أكثر في وزارة التربية التي كان يطلق عليها المعارف حيث انها توزع الملابس الطلابية للطلبة مجاناً خصوصاً في زمن الشيخ عبدالله السالم رحمه الله كان يوليها أكثر اهتماماً حتى الملابس الرياضية والاحذية كانت توزع مجاناً فشركتنا كانت توفر هذه الملابس الطلابية ومن ضمنها ملابس الكشافة والمرشدات للوزارة يوم كان اسمها «المعارف» فكلما احتاجت قمنا باستيراده من انكلترا والخارج ثم قمنا بتوفير الملابس العسكرية للداخلية والدفاع لأنها كانت بدل وبناطيل خلاف حرس الأسواق الذين كانوا يلبسون الدشاديش فكنا اصحاب المحل الوحيد الذي يوفر الملابس العسكرية وملابس الكشافة وحين ألزمت وزارة التربية الطلاب بارتداء البنطلون الرمادي كان متوافرا لدنيا فعرف المحل الطلاب ايضاً ثم افتتح البلد وكثر الاجانب من موظفين وعمالة وخدم وهؤلاء لا يلبسون الدشاديش كما هو معروف بل يلبسون البنطلون والقميص المتوافر آنذاك في محلنا وكثر السفر إلى الخارج ولا بد من ارتداء البدل وهذه متوافرة عند «بهاسين».
الشخصيات
كان هناك كثير من الشخصيات تطرق محلنا اذكر منهم الشيخ سعد عندما كان وزيراً للداخلية والدفاع وعبدالحميد الحجي وكان لوالدي معرفة وصداقة مع الشيخ صباح السالم رحمه الله وكل افراد أسرته الكريمة أما الشيخ محمد الأحمد رحمه الله فكان كفيلاً للوالد حين قدومه للكويت.
وعندما استقلت الكويت 1961 وأصبح الشيخ محمد الأحمد وزيراً للحكومة انتقلت كفالتنا إلى عبدالحميد جواد المقدم الذي كان موظفاً بالبنك البريطاني وكان من اصدقاء الوالد الشيخ جابر العلي رحمه الله.
العمال
كان العمال الذين يعملون مع الوالد يتراوح عددهم ما بين 17 إلى 18 عاملاً اما النقلة التجارية لمحلاتنا فهي بيعنا الملابس للمعارف وزارة التربية حالياً خصوصاً من عام 1960 إلى 1970 وهي ملابس جاهزة ثم صار الجيش والشرطة يتعاملون معنا في شراء الملابس الخاصة بهم ولما توسع البلد زاد التنافس في السوق وتغيرت القوانين وغرمتنا التجارة بأن نقوم بالاستيراد باسم كويتي فدخل معنا شريك كويتي خلافاً للسابق.
الطريقة
والدي كان هيناً ليناً في بيعه وشرائه وهذا هو السبب من وراء شهرته وشهرة محله فكان هدوؤه يميزه في علاقاته مع الآخرين وزبائنه وأصدقائه فكان حليماً صبوراً وكان يقوم بنصحي دائماً فيقول اذا اردت ان تكون تاجراً فلا بد ان تكون أميناً.
أدوات
اضافة إلى خياطة وبيع الملابس والتجارة في الادوات التي تحتاجها المحلات التي تقوم بالخياطة فكان والدي يسافر إلى انكلترا ليشتري الادوات من الابر ومكائن الخياطة وبعض المستلزمات الخاصة بها، لكن كانت الشركات تأتي الكويت ونحن نختار فلم يكن يبيع بالكويت ويوفر الا أربع شركات أو خمس.
السكن
أول سكن كان لنا في الكويت هو القبلة عبارة عن بيت عربي على النظام القديم ثم انتقلنا إلى منطقة الصالحية بالقرب من البلدية حالياً حتى انني اذكر البركة التي كانت بداخله ثم انتقلنا إلى بيت آخر في الصالحية بالقرب من بنك التسليف الآن وكانت الشوارع كلها ساحات ترابية وماء الشرب يأتي من البصرة عن طريق البحر ولم يكن هناك اجهزة تكييف وكنا ننام أعلى البيت «السطوح» ونستيقظ على طلوع الشمس وكانت الثلاجات تعمل بالغاز. ثم انتقلنا 1962 إلى شارع فهد السالم فوق المحل الذي نعمل فيه ثم انتقل محلنا إلى السوق الكبير في عمارة الخترش فسكنا في الروضة وتأجرنا بيتاً كاملاً وتوفي والدي بعد ذلك اما اليوم فأنا اسكن في منطقة العديلية.
الدراسة
دراستي كانت في الهند وانكلترا فالبداية ان والدي ارسلني إلى الهند وعمري خمس سنوات فدرست حتى الثانوية وهي مدرسة داخلية اي فيها السكن بداخلها فتأخذ في الصيف اجازة شهرين وفي الشتاء شهراً اقوم خلالهم بالسفر إلى والدي في الكويت بعد ذلك اكملت دراستي في انكلترا لكن لم اواصل فرجعت للكويت للعمل مع الوالد واتخرج من مدرسته الحياتية - التجارة - وكانت بدايتي معه متعلقة بالأعمال الصغيرة حيث كنت أتولى الأمور البريدية والمراسلات الداخلية والخارجية.
امثلة
كان هناك امثلة تضرب على محلنا منها بهاسين اسم عالي والبطن خالي وبهاسين من الدين تعبان، حيث كان الوالد له ديون كثيرة على الافراد والشركات. فالكل يأخذ ونسجل عليه دينه فربما يستمر الدين خمس سنوات او أكثر وإذا اراد الحج اتى قبل الذهاب إلى بيت الله الحرام ليقوم بتسديد ديونه.
الزواج
الوالد تزوج وانجبني انا ولي شقيق آخر ولنا جمعية خيرية تدعم الدراسات العلمية في الهند وأنا تزوجت عام 1972 بالهند واخي تزوج عام 1980 وانجبت انا ولدين وبنتاً ابني الأكبر يعمل بالهند ويدير وكالة سيارات لنا بالهند والابن الثاني درس علوم فندقة ويقوم الأن بمزاولة عمله والبنت تعمل في مجال التدريس بالهند وجميع اولادي درسوا المرحلة الجامعية في أميركا وكلهم يأتون للكويت بين فترة واخرى فكلهم يحبون الكويت وأهلها.
الكويت
عشت بالكويت وكونت فيها صداقات على مر السنين التي مضت ولو ذهبت إلى اي بلد آخر فلن اجمع مثل هذه الصداقة اليوم تغيرت الناس فأولاً كانت الكلمة تمسك الانسان والبلد صغير والكل يعرف الآخر وهذا ليس خاصاً بالكويت وانما في كل البلاد.
الغزو
بالغزو مكثت شهرين وقد تعرض المخزن الخاص بالمحل للسرقة أما محلنا في السوق الكبير فقد اغلقناه بالحديد ولحقت اسرتي بالهند ولما سمعنا بخروج صدام وجنوده فرحنا فرحاً شديداً ورجعت في شهر ابريل بعد التحرير مباشرة.
الاصدقاء
فمن اصدقائي احمد سليم والمرحوم الشيخ جزاع صباح الناصر وكان زميلاً في الدراسة في انكلترا والمرحوم لطفي عبدالله الملا وسليمان الفهد وهاني عبدالعزيز وحمد عتال والديوانية التي اقوم بالذهاب اليها هي ديوانية الحنيف وهي بمنطقة عبدالله السالم فأنا اذهب اليها منذ ثلاثين سنة فديوانية عدنان الحنيف وعبداللطيف الحنيف مكان اتردد عليه دائماً.
الأميركية
طلال الرزوقي كان معي في المدرسة الأميركية في الكويت حيث انني درست سنة واحدة فقط واكملت في انكلترا فطلال كان معي هنا وهناك وكذلك عصام العيسى وكذلك غازي السلطان رحمه الله.
القادسية
كنت انا وصديقي احمد سليم نشجع نادي القادسية وكنا نتابع المباريات التي كانت تقام في ثانوية الشويخ.
البولينغ
وحين افتتاح ملعب البولينغ في الهلتون كنت اذهب مع اصدقائي كل ليلة نلعب ونستمتع باللعب هناك وكل اسبوع نذهب مرة إلى السينما فلم يكن في الكويت سوى هذه الاماكن.