تصوروا لو أن مسؤولاً قيادياً في الدولة لا يفقه من لغة التخطيط شيئاً قد طلب من موظفيه ان يحسبوا له مدخول النفط لليوم فقط، فقالوا له: سعر البرميل 75 دولاراً x 2.5 مليون برميل = 187.5 مليون دولار ليوم واحد، فقال: افتحوا حساباً خاصاً يوضع فيه هذا المبلغ لبناء مستشفى جنوب السرة، ثم جاء في اليوم التالي فقال: خصصوا المبلغ لبناء مدينة سكنية، وفي اليوم الثالث لطريق دائري جديد، كم مشروعاً سيتم بناؤه خلال عام واحد؟! طبعاً فإن المسألة ليست بهذا التبسيط ولكننا نتكلم عن دخل دولة صغيرة لا يتجاوز مواطنوها المليون نسمة، من النفط وحده 89 مليار دولار سنوياً، لو وزعتها على جميع المواطنين لحصل كل مواطن على 89 ألف دينار سنوياً فهل يصدق عاقل بأن هذا البلد منكوب بخدماته العامة من مستشفيات ومدارس وطرق وكهرباء وماء وغيرها؟! المسألة أكبر بكثير من سوء تخطيط، فلسنا بحاجة إلى تخطيط لكي نبني البنية التحتية للبلد، ولكن ما أخشاه هو أننا قد ابتلينا بحرامية من الوزن الثقيل يشفطون كل أموالنا تحت مسميات وهمية ومشاريع كاذبة، وهذا ما هو حاصل الآن وللأسف.
لقد عشنا برفاهية وخير ونعمة قبل سنوات عندما كان سعر برميل النفط ثمانية دولارات مع عجز بسيط في الميزانية، ونحن اليوم نتحدث عن تسعة أضعاف السعر، مع زيادة في الانتاج، أضف إلى ذلك دخلاً كبيراً من الاستثمارات الخارجية التي تزيد على مئتي مليار دولار، وتوقعاً في زيادة سعر النفط إلى مئة دولار، أشعر بالأسف عندما أرى نواب مجلس أمتنا وهم لا يجدون غير الحديث عن زيادة خمسين ديناراً للموظفين أو اسقاط القروض، وكأنما هذه هي مشكلة البلد الحقيقية!! إن من يملك تلك القوة لكي يفرض حلولاً وهمية على الحكومة، ألا يملك القدرة على اجبار الحكومة على وضع خطة متكاملة لإنفاق تلك الأموال على مشاريع حقيقية ومراقبة صرفها؟! وإن كان المجلس لا يملك تلك القدرة فلا أقل من أن يصدر قانوناً بتحويل الفائض النفطي إلى صندوق خاص لا يستطيع أحد المساس به في الوقت الحاضر كما فعلت النرويج؟!
إننا بحاجة إلى رجال حقيقيين من النواب والوزراء قلوبهم على البلد ويملكون النظر الثاقب والتفكير السليم لكي يزرعوا لنا سبع سنين دأبا ويحفظوا ما ينتجون استعداداً لسنين عجاف مقبلة لا محالة.
د. وائل الحساوي
[email protected]