اصطف عشرات الآلاف من المصلين في زجى الليل البهيم وقد ارتفعت حناجرهم يلهجون بالذكر والتسبيح والحمد لله رب العالمين، وتركوا وراءهم الفرش الوثيرة وراحة الأبدان ليقفوا أمام رب الأكوان خاشعين متذللين رافعين أيديهم بالدعاء طالبين العفو والمغفرة وتغيير أحوالهم إلى الأفضل.
لو أحصينا المصلين في صلاة القيام في ليالي العشر من رمضان في مساجد الكويت وحدها لبلغت أعدادهم أكثر من مليون مصل، ولو أحصينا العدد في العالم الإسلامي كله لزاد على نصف المليار، إذا فنحن نتحدث عن أمة حية مرتبطة بربها تسعى إلى الخير وتحرص على التقرب إليه، وإذا كان فيها من المقصّرين العدد الكبير والمفسدين العدد القليل، فإن ذلك لا ينفي حكمنا عليها بأنها تحب الدين وتتطلع إلى أن ترى رايته خفاقة في كل بقعة من ديارها.
ولعل سائل يسأل: إن كان وضع المسلمين كما ذكرت فلماذا نرى تلك الأمة مشتتة ضائعة لا كلمة لها ولا قرار، يتحكم بها أعداؤها ويحركونها كالدمية في أيديهم ويستضعفونها ويبطشون بأبنائها، ويستعبدون رجالها ونساءها ويحتلون ديارها؟!
وأين جذوة الإيمان التي تحرك كل من فيها لنصرة أمته والدفاع عن دينه وأرضه؟! وهل يمكن أن يكون الايمان مجرد شعور داخلي في القلب لا انعكاس له على أرض الواقع؟!
لا شك أن الجواب عن هذا السؤال ليس بالأمر السهل، ولابد من دراسة الواقع بجميع أبعاده، والماضي بجميع أحداثه، ولكن الإنسان ليعجب أشد العجب عندما يعلم بأن مخططاً رهيباً قد تم نسجه على مدى عقود طويلة لإبقاء أمة الإسلام في واقع بعيد كل البعد عن واقعها، ولإلهائها عن التصدي للمؤامرات المستمرة عليها وتهميش كل بادرة خير فيها، وأن كثيراً من الحكام الذين زرعهم الأعداء للإمساك برقاب المسلمين والتسلط عليهم، والذين جاءوا في غفلة من الزمن وتمكنوا منهم ومازالوا، بينما يمثلون الأقلية المنبوذة في كل مجتمع، هؤلاء الحكام قد لعبوا الدور الأكبر في إبقاء الناس على جهلهم وفقرهم وتمزقهم، وتنفيذ مخططات الأعداء فيهم.
إنها أمة قد فقدت القيادة وأصبحت شتاتاً متفرقاً لا يجمعها شيء، وفي ظل فقدان الهوية تسللت الى مقاعد القيادة فيها جماعات حاقدة تكفيرية استطاعت توجيه تلك الطاقة الجبارة للشباب المسلم الى حركات إرهابية تفجر نفسها وتدمر ما حولها باسم الاسلام، وتحرق الأخضر واليابس، فعلى سبيل المثال نشرت الصحف إحصائية عن عدد الشباب المسلم الذين فجروا أنفسهم في عمليات انتحارية في العراق منذ الغزو الأميركي للعراق وحتى اليوم، وبلغ عددهم 1200 شاب، أما الذين حاولوا ولم يتمكنوا من تفجير أنفسهم فيبلغ عددهم أضعاف ذلك العدد.
ألا يدلنا ذلك على حجم الاندفاع والحماس لدى الشباب المسلم الذي وظفته المنظمات الإرهابية لتدمير العراق، ناهيك عن البلدان الأخرى، وهل لو كانت هنالك قيادات حكيمة توجهه إلى الخير لفعل ذلك؟!
لا شك أن الدور المطلوب من الدعاة والعلماء والموجهين يتلخص اليوم في تحويل تلك الطاقة الجبارة الكامنة في الأمة الإسلامية - لا سيما في الشباب - الى وقود سلمي نافع يحقق آمالها ويسحب البساط من المفسدين الذين يحولونها الى قنبلة موقوتة تدمر كل شيء. إن صناعة القادة هي الخطوة الأولى في مسيرة النهوض بهذه الأمة، فمن يتصدى لها؟!
د. وائل الحساوي
[email protected]