يعقوب العوضي / لماذا يؤسس للفساد؟

تصغير
تكبير
يعقوب العوضي

 الذي لا مراء فيه ان الشعب الكويتي برمته يشعر بمرارة قاسية بمقدار تدهور الأخلاق والذمم المالية، وذلك لما يشاهده ويلمسه من ظاهرة انتشار الفساد بين جميع مؤسسات الدولة، وما يتلازم مع هذا الانتشار من سرقات هائلة طالت جميع ما تملكه الدولة من أموال «أراض وشواطئ واستثمارات وأموال سائلة وعمولات تودع في حسابات المنتفعين المتنفذين في الخارج». وما نقوله في هذه العجالة ليس شيئاً جديداً على الساحة السياسية والاعلامية، بل هو حديث متكرر قد يصل إلى حد الملل، ولكن كما قال لنا مدرس اللغة العربية المصري في ستينات القرن الماضي الأستاذ عكاشة (رحمه الله) في ثانوية الشويخ العتيدة «كثر التكرار يعلم... الشطار».


والسائد اليوم في الثقافة العامة للناس وفي كل مكان يجمع أكثر من شخصين كالدواوين ومؤسسات المجتمع المدني، وأماكن الندوات السياسية وغيرها أنه يدور الحديث عن هذه الظاهرة التي أصابت المجتمع بهوس الفساد والسرقات والرشوة وتجار الإقامات والمخدرات والتسيب والاهمال والغش والخداع والتدليس والدسائس، بعد ان فقد المجتمع الكثير من قيمه النبيلة التي كانت تسوده، والذي لا شك فيه ان ظاهرة الفساد بكل اشكالها تمر عبر عيون المسؤولين الذين من المفترض انهم يدافعون عن قيم المجتمع الراقية التي تعارف عليها منذ نشأته، ولكننا نسمع ان بعضاً من هؤلاء يشاركون المفسدين في تكريس هذه الظاهرة بغرض الحصول على جزء من الكعكة التي تنهب يوميا على مرأى ومسمع منهم، رغم الكتابات الصحافية المتحدثة عنها والندوات الشعبية التي يقيمها المواطنون والمخلصون للكويت وشعبها لمكافحة هذه الآفة الاجتماعية الخطرة التي تعمل على هدم البيوت وتحطيم الأسر على المدى البعيد بعد ان تكون الأموال المتحصلة من هذه الظاهرة قد قل موردها وجف نبعها لأي سبب من الأسباب، فالسكوت الرسمي هو سيد الموقف.


وهذا المرض الاجتماعي أصبح عبئاً ثقيلاً على المواطنين وعلى البيئة الاجتماعية إلى جانب الجمود الحكومي المتعمد الذي يقف متعثرا في السعي للقضاء على هذه المفاسد، ولعل السؤال الذي يطرح نفسه في خضم هذا الفساد لمعالجته من دون حراك ملحوظ رغم الاعتراف الرسمي بوجوده: ما الهدف من تأسيس هذه الآفة الاجتماعية والسكوت عليها في شكل سافر؟ فهل هناك شيء في الأفق مرتقب حدوثه، من تغيير اجتماعي أو اقتصادي أو حتى سياسي، والسكوت عن مثل هذا الأمر يؤسس إلى قيام حدث مستقبلي مازال مجهولاً لدى الناس كافة وهو في حقيقته ان الدلائل كلها تشير إلى ان هناك من يعمل على ترصيف الطريق لحدوثه، وكل حدث كبير مرتقب تكون هناك طرق مرسومة لقيامه، وليس اعتباطا ان تحدث الاحداث الكبيرة من دون تمهيد، فالثورة البلشفية «الروسية» عام 1917 بقيادة لينين لم تحدث فجأة بقيامها بين الشعب الروسي، فالسرقات والظلم والتسيب والاهمال وانتشار الفساد بين الطبقات العليا في المجتمع وانتهاك حقوق العمال والفلاحين وازدياد الفقر والحاجة وتعميق الآفات الاجتماعية بين أفراد الشعب كانت الأرض الخصبة الطريق السهلة الممهدة لحدوث التغيير الاجتماعي الذي حدث في روسيا. ونحن لا نعلم ان كان الفساد في البلاد وهو ينخر في مؤسسات الدولة من دون مكافحة ملحوظة رغم وجوده ووضوحه نوعا من الارهاصات الممهدة لحدوث التغير المرتقب في قادم الأيام الذي قد يكون حقيقة لا نعرف كنهه وطبيعته، وهل ما يصار في البلاد اليوم يؤسس للحدث الجديد المجهول؟


الشعب الكويتي لا يريد حدوث مثل هذا التغيير المجهول كما أنه في الوقت نفسه لا يريد لبلده ان يغرق في الفساد حتى أذنيه، ويبقى معلقاً في فضاء لا يرى فيه ما هو تحته إن كانت أرضاً سهلة أو رخوة سهلة الغور في أعماقها، ولكن ما يحدث ينبئ بحدوث المجهول كما حدث في كثير من شعوب العالم الذي كان الفساد في جميع اشكاله هو السمة السائدة في البلاد، وقد حدث فيه التغيير لنزع هذا المرض المعدي قبل ان يستفحل بين كل الناس.



 كاتب كويتي



ymalawadhi@hotmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي