ممدوح اسماعيل / «بلاك ووتر»... جيش مستتر خارج القانون
شركات الأمن الاميركية تعتبر جيش قطاع خاص، أبرزها الآن «شركة بلاك ووتر للخدمات الأمنية» التي تصاعد في الفترة الاخيرة الحديث عنها عبر وسائل الاعلام وذلك بعد قتلهم نحو عشرة من المدنيين العراقيين في سبتمبر 2007 من دون مبرر وهو ما استدعى التنديد من رئيس الوزراء العراقي.
وكان من اللافت انه تراجع عن التنديد بعد يومين ثم تناقلت وسائل الاعلام خبر ادخال الشركة اسلحة من دون ترخيص إلى داخل العراق، وهو ما اثار لغطا شديدا حولها، وحتى نقف على حقيقة تلك الشركة وهل هم جيش قطاع خاص يعمل خارج القانون.
والشركة، كما جاء في ما كتبه مارك همنغواي في ديسمبر 2006، إذ كتب الآتي في مجلة «ويكلي ستاندرد» - «محاربون بالأجرة».
المعلومات الكثير منها غير معلوم عن هذه الشركة ولكن المتاح يقول: «إن شركة «بلاك ووتر» أنشئت العام 1996 ومالك الشركة مليونير مسيحي متعصب من كتلة المحافظين الجدد اسمه إيريك برينس... أما رئيس الشركة غاري جاكسون فقد كان ضابطا سابقاً في البحرية الاميركية... مالك الشركة - يميني - مسيحي من عائلة جمهورية تعتبر من كبار الداعمين لحملات الجمهوريين الانتخابية».
وقدساهم ايريك بتمويله المالي في صعود اليمين الديني وظهور تفوق الجمهوريين العام 1994، ولقد اهتم ايريك منذ تأسيسه لشركته بالالتزام بتوفير طلبات الحكومة المطلوبة من ناحية الأسلحة والتدريب على النواحي الأمنية.
وخلال الأعوام التالية قام إيريك ومن معه بدعم الحملة الانتخابية للحزب الجمهوري ودعم سيطرة الحزب الجمهوري على الكونغرس وصعود جورج بوش للرئاسة.
ومن اللافت ان الكاتب الأميركي جيرمي سيكل ينقل في كتابه عن شركة «بلاك ووتر» كلاما خطيرا عن بداية فكرة الاستعانة بجيش الظل للحكومة الأميركية وذلك من خطاب لرامسفيلد قبل 11 سبتمبر جاء فيه على لسان رامسفيلد قوله بأن «العدو أصبح قريباً من الوطن، وهو ما يتطلب إحداث نقلة شاملة في أسلوب إدارة «البنتاغون» واستحداث نموذج جديد يقوم على القطاع الخاص... ليست لديّ أي رغبة في مهاجمة البنتاغون، ولكنني أريد أن أحرره، إننا في حاجة إلى إنقاذ البنتاغون من نفسه».
وقد أصبحت الشركة اللاعب الرئيسي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر فيما يسمى الحرب على الإرهاب في افغانستان، ثم العراق. ويشير الكاتب الأميركي جيرمي سيكل في كتابه عن «بلاك ووتر» «جيش الظل» إلى أنه منذ العام 2001 ازدادت مكاسب شركة بلاك ووتر بنسبة 300 في المئة إذ حصلت هذه الشركة في أكتوبر 2003 على عقد قيمته 35.7 مليار دولار للقيام بتدريب ما لا يقل عن عشرة آلاف بحار من ولايات فرجينيا، وتكساس، وكاليفورنيا كل عام على فنون حماية القوات. وهو المصطلح الذي يقترب كثيراً من حرب العصابات. وقد أبرمت الشركة أول عقودها في العراق تحت مظلة «توفير الحماية للديبلوماسيين الأميركيين والمرافق التابعة لهم في العراق».
وقد بدأ ذلك العقد في العام 2003 بقيمة 21 مليون دولار أميركي بالتكليف المباشر لتوفير الحماية للحاكم الأميركي بول بريمر. وقامت الشركة فيما بعد بحماية السفراء الأميركيين التالين وهم: جون نيغروبونتي «وزلماي خليل زاد وكروكر وغيرهم من الديبلوماسيين وتبع هذا العقد توقيع عدد لا حصر له من التعاقدات بين الشركة والإدارة الأميركية حتى إن التعاقدات التي وقعتها الشركة مع الخارجية الأميركية فقط بلغت قيمتها 750 مليون دولار منذ شهر يونيو 2004.
وحسبما يذهب إليه سيكل فقد جاءت عمليات الشركة في العراق بناء على “قرار أصدره الحاكم المدني السابق للعراق بول بريمر في السابع والعشرين من يونيو 2004 بمنح الشركات الأمنية حرية العمل في العراق، كما منحها حصانة قضائية ضد ملاحقة القانون العراقي لها. كما يبيح لهذه الشركات استخدام معدات تقترب من الجيش النظامي؛ إذ إنها تستخدم أدوات قتالية متوسطة، وفي بعض الأحيان ثقيلة، بل إن جزءاً منها يستخدم الهليوكوبتر والمدرعات لتنفيذ أعمال قتالية.
وقد ربحت الشركة في تلك الحرب بليون دولار من عقودها السرية مع الحكومة الأميركية من خلال الاسناد بالأمر المباشر.
ويعمل لدى شركة «بلاك ووتر» حاليا مليونان وثلاثمئة ألف فرد يعملون في جميع أنحاء العالم ولديها أسطول جوي يقدر بـ 20 طائرة بما فيها طائرات الهليوكوبتر المقاتلة وجهاز خاص للاستخبارات.
ويتمثل أكبر عقد حصلت عليه وتم إبرامه مع الحكومة في توفير الحماية للديبلوماسيين الأميركيين والمرافق التابعة لهم في العراق.
أما في العراق فقد ظلت شركة “بلاك ووتر” تعمل في الظل حتى 31 مارس 2004 فخرجت الشركة إلى الاعلام وتدوال اسمها بوضوح عندما تعرض أربعة من جنودها في الفلوجة للهجوم وقتلوا، إذ قام الاهالي في الفلوجة بجر جثثهم في الشوارع وحرقها، ومن هنا بدأ يحدث تحول في الحرب على العراق حيث قامت القوات الأميركية بعد أيام عدة بمحاصرة الفلوجة وقتل آلاف من العراقيين وتهجير الالاف من ابناء الفلوجة وقد شاركت شركة «بلاك ووتر» في المذابح التي وقعت في الفلوجة بشكل ظاهر وهي تشارك في كل العمليات الامنية الاميركية والعراقية لمطاردة المقاومة وآخرها خطة أمن بغداد وهو ما استدعى انتباه المقاومة العراقية لها فوجهت لها ضربات كان منها ما حدث في أبريل2005 حيث قتل ستة من موظفيها الأميركيين عندما أسقطت مروحيتهم برصاص مسلحين من السنة.
وفي 23 يناير 2007 لقي خمسة موظفين آخرون حتفهم إثر إسقاط مروحيتهم أيضا.
وقد كتب في الآونة الأخيرة الصحافي الأميركي البارز «جيرمي سكاهيل» في صحيفة «لوس أنجلس تايمز« تحت عنوان «مرتزقتنا في العراق»: إن المرتزقة يشكلون اليوم ثاني أكبر قوة في العراق»، مضيفا: “هناك نحو مئة ألف في العراق، منهم 48 ألفاً يعملون كجنود خاصين، تبعاً لتقرير صادر عن مكتب المحاسبة الأميركي وراتب الفرد 1500 دولار يوميا وهو رقم صعب تخيله لجندي الا اذا كانت لديه مهام خاصة. كما أن جرائمهم ومخالفاتهم لا يتم توثيقها والمعاقبة عليها فهي شركة لاينطبق عليها القانون والاتفاقيات مثل اتفاقيات جنيف وهو ما يدفع بشكل أكبر نحو التغطية على التكلفة الحقيقة للحرب.
وزيادة في حماية تلك الشركة وعملياتها التي تتم خارج القانون فقد صدر القرار الأميركي رقم 17 العام 2007 والذي يمنح حصانة لهؤلاء المتعاقدين العسكريين بعدم الخضوع للادعاء والمحاكمة في بلادهم، فيما يتم تهريبهم من العراق إذا طلبهم قضاء العراق لذلك تشير اصابع الكثير من العراقيين إلى ان امثال هذه الشركات هي المسؤولة عن كثير من حالات الاختفاء والجثث المجهولة والعنف المجهول الذي لايعلن احد المسؤولية عنه
واخيرا بعد ما قدمنا يتضح بوضوح اننا لسنا امام شركة أمن عادية بل امام جيش قطاع خاص أميركي يعمل في الظل وله مهام محددة الكثير منها غامض وان اطلاق لفظ المقاولين اعلاميا على هذه الشركة أو غيرها هو نوع من الطرافة اوالتضليل الإعلامي لاعمال مثل هذه الشركات خصوصاً في الاعلام العربي لأن اللفظ عربي له دلالات تختلف عن حقيقة تلك الشركات التي هي على الاصح جيش من المرتزقة أو جيش خاص مستتر يعمل خارج أي قانون.
محام وكاتب مصري
hotmail.com @elsharia5