اجتهاد / حرية التعبير بين السويد والدنمارك

تصغير
تكبير
د. أحمد الذايديلعل أهم قيمة تفاخرت بها الحضارة الغربية طوال القرنين الماضيين هي قيمة الحرية حتى أصبح نموذج الليبرالية الغربية مصدر إلهام للكثير من المجتمعات حول العالم، لكن تلك القيمة العظيمة فقدت الكثير من بريقها منذ عقد ونصف العقد تقريباً لا سيما بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001، ثم الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003.
فمنذ ذلك الحين، أصبحت الحرية في الغرب انتقائية وأصبحت الأقليات الإسلامية هناك خارج منطقة التغطية لتلك الحرية التي انتقصت الكثير من حقوق الفرد المسلم على المستوى الشخصي والديني، وبات ما يسمى بحرية التعبير مختزلاً في التهكم بالدين الإسلامي ورسوله العظيم الذي يصور في بعض وسائل الإعلام الغربي بأبشع الصور تحت ذريعة حرية التعبير.
فقبل ما يقرب من عامين سمحت احدى الصحف الدنماركية لنفسها بالاعتداء على نبي الرحمة من خلال تصويره على شكل إرهابي لتلهب الصراع الثقافي بين العالم الإسلامي والغرب، إذ شهدت العلاقة بينهما توتراً شديداً نتيجة لتلك الإساءة البالغة التي مست مشاعر كل مسلم. وما زاد الطين بلّة هو دفاع الحكومة الدنماركية عن تلك الإساءة (بدلاً من إدانتها) تحت ذريعة حرية التعبير، وهو ما أدى إلى مقاطعة إسلامية شاملة لمنتجات الدنمارك.
واليوم تقوم صحيفة «نيريكس اليهندا» السويدية بتكرار الإساءة لنبي الإسلام، ولكن بطريقة أكثر وقاحة وازدراء حيث ترسمه على هيئة لا نذكرها احتراماً لرسول الرحمة فهو أطهر مخلوق عرفته البشرية. هذا الاستفزاز السويدي سيتم تبريره كذلك باسم «حرية التعبير» وستنبري عشرات المنظمات الغربية للدفاع عن الصحيفة تحت الذريعة نفسها بغض النظر عن الضرر البالغ الذي سيلحق بمشاعر مئات الملايين من المسلمين، وكأن مفهوم «حرية التعبير» صُمّم خصيصاً للإساءة إلى الدين الإسلامي الذي تمت استباحته من قبل وسائل الإعلام الغربية.
من جهة أخرى، لا نكاد نسمع أصوات تلك المؤسسات الحقوقية ولا الحكومات الغربية التي تدافع عن حق التعبير عن الرأي، حينما يتعلق الأمر بحق الاعتقاد للأقليات الإسلامية تارة باسم مكافحة الإرهاب وتارة أخرى باسم حرية التعبير. كما أننا لا نكاد نسمع أصوات المدافعين عن الحريات في تلك المجتمعات حينما يتعلق الأمر بالحجاب الإسلامي الذي يدخل في صلب حرية الاعتقاد، بل إننا نجد أن تلك الحرية المزعومة تضيق ذراعاً بقطعة قماش تضعها فتاة مسلمة على رأسها حينما تذهب إلى المدرسة.
هذه الثنائية العجيبة في التعامل مع قيمة الحرية يجعل رجل الشارع المسلم يشعر بنفاق المجتمعات الغربية في شأن هذه المسألة، كما يضر هذا الأمر في جهود التقارب الثقافي بين الشعوب الإسلامية والغربية.
لقد آن الأوان للحكومات الغربية أن تقدم تشريعات تحرم الإساءة إلى الأديان وتخرجها عن دائرة الحرية الشخصية كما قامت بتحريم الإساءة إلى اليهود (أو السامية). فالإساءة إلى الدين الإسلامي ليست أقل حرمة من الإساءة إلى السامية والتاريخ اليهودي الذي بات خطاً أحمر ليس فقط لكُتاب الصحافة، بل حتى بالنسبة إلى المؤرخين.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي