كن في حاجة أخيك
| د. أحمد حمود الجسار |
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه اجمعين. اما بعد، فأول ما نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم وجاءه الملك، رجع - كما تقول عائشة رضي الله عنها - ترجف بوادره حتى دخل على خديجة رضي الله عنها فقال: (زملوني، زملوني!) فزملوه حتى ذهب عنه الروع، قال لخديجة: (اي خديجة! مالي؟ لقد خشيت على نفسي) فأخبرها الخبر، قالت خديجة: كلا، أبشر! فوالله لا يخزيك الله ابدا، فوالله انك لتصل الرحم، وتصدق الحديث وتحمل الكل، وتكسب المعدوم وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق (متفق عليه). تصل الرحم: فتحسن إلى اقاربك، وتصدق الحديث: فلا يعهد عليك الكذب، وتحمل الكل: فتعين كل محتاج، وتكسب المعدوم: فتعين غيرك الذي عدم المال، وتقري الضيف: فتحسن ضيافته، وتعين على نوائب الحق: فتعين الناس في مصابهم، فكيف يخزيك الله، وقد جمعت كل هذه الخصال الكريمة؟
وكذلك قيل لأبي بكر رضي الله عنه الذي اشبه النبي صلى الله عليه وسلم في خلقه، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: لما ابتلي المسلمون خرج ابو بكر مهاجرا قبل الحبشة، حتى اذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة، وهو سيد القارة، فقال: اين تريد يا ابا بكر؟ فقال ابو بكر: اخرجني قومي، فأنا اريد ان اسيح في الارض فاعبد ربي، قال ابن الدغنة: ان مثلك لا يخرج ولا يخرج، فإنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، وانا لك جار فارجع فاعبد ربك ببلادك (رواه البخاري).
قال الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم: قال العلماء رضي الله عنهم: معنى كلام خديجة رضي الله عنها (في قولها المتقدم للنبي صلى الله عليه وسلم) انك لا يصيبك مكروها، لما جعل الله فيك من مكارم الاخلاق، وكرم الشمائل، وذكرت ضروبا من ذلك، وفي هذا دلالة على ان مكارم الاخلاق وخصال الخير سبب السلامة من مصارع السوء.
وانظر إلى اكثر الشمائل المذكورة آنفا - او كلها - تجد نفعها متعديا للخير. نعم! فخير الناس انفعهم للناس، فكلما كان نفعك لغيرك اكثر، كان ذلك احب إلى الله تعالى. وكلما كان عملك نافعا للغير، كان ذلك كذلك من احب اعمالك إلى الله تعالى. عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: (احب الناس إلى الله انفعهم، واحب الاعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، او تكشف عنه كربة، او تقضي عنه دينا، او تطرد عنه جوعا. ولأن امشي مع اخي المسلم في حاجة احب إلي من ان اعتكف في المسجد شهرا. ومن كف غضبه ستر الله عورته. ومن كظم غيظا ولو شاء ان يمضيه امضاه، ملأ الله قلبه رضا يوم القيامة. ومن مشى مع اخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له، اثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الاقدام، وان سوء الخلق ليفسد العمل، كما يفسد الخل العسل) رواه الطبراني وحسنه الألباني في صحيح الجامع 176. توجيهات عظيمة، من معلم عظيم صلى الله عليه وسلم، مبادئ واسس لمجتمع مثالي، تصدر من فم شريف، لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم فبذل النفع للمسلمين بشتى اشكاله سبب لحب الله تعالى. واذا احبك الله فطوبى لك، وذلك هو الفوز العظيم.
احب الناس الى الله أنفعهم للناس، تعينهم، تقضي حوائجهم، تشفع لهم لينالوا حقوقهم، ترشدهم تعلمهم، تبذل لهم النصيحة بينك وبينهم، إلى غير ذلك من نفعك المتعدي اليهم. ومن لم يجد شيئا ينفع الناس به - وذلك لا يكاد يحصل - فليكف اذاه عنهم، فإن له في ذلك اجرا، عن ابي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! اي الاعمال افضل؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الإيمان بالله، والجهاد في سبيله) قال: قلت: اي الرقاب افضل؟ قال: (انفسها عند اهلها، واكثرها ثمنا) قال: قلت: فإن لم افعل؟ قال: (تعين صانعا او تصنع لأخرق) قال: قلت: يا رسول الله ارأيت ان ضعفت عن بعض العمل؟ قال: (تكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك) متفق عليه، لكن هذا - كما علمت - نهاية المطاف، فأقل المعروف ان تكف اذاك عن الناس، بينما صاحب الهمة العالية يريد ان يتقرب إلى الله تعالى بأحب الاعمال اليه، ومن احبها - كما مر - نفع الناس، فتكون في حاجتهم.
بوب الامام النووي رحمه الله في كتابه المبارك «رياض الصالحين» بابا بعنوان: «باب قضاء حوائج المسلمين» وذكر فيه الوصية العامة من ربنا تبارك وتعالي، وهي قوله (وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) الحج 77 وقضاء حوائج المسلمين من اعظم الخير ولذلك فهو من اعظم اسباب الفلاح في الدنيا والآخرة نسأل الله ان نكون جميعا من المفلحين ثم ذكر رحمه الله حديثين عظيمين عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب، فيهما تقرير لقاعدة عظيمة، وهي ان الجزاء من جنس العمل، لكن اذا كان العمل محبوبا عند الله، فكيف يكون الجزاء من الله؟ عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلم اخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة اخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة) متفق عليه. والحاجة اقل من الضرورة، فإذا اشتدت بحيث يتضرر صاحبها صارت ضرورة، ومع ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم (من كان في حاجة اخيه كان الله في حاجته) فكن في حاجة اخيك يكن الله في حاجتك ليس المخلوق الضعيف، لكنه الله العظيم يكون في حاجتك، وفرج عن اخيك كربة، لتنال جزاء ذلك التفريج من الله تعالى، ليس في الدنيا ولكن من كربات ذلك اليوم العظيم، اليوم الذي (يجعل الولدان شيبا) المزمل 17، (يوم يقوم الناس لرب العالمين) المطففين 6، عن ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون اخيه) رواه مسلم، فنفس عن اخيك، ووسع عليه ما استطعت بمالك بجاهك، ولو بكلمة طيبة، واذا رأيت معسرا - تعسر عليه اي امر - فيسر عليه، يسر الله عليك في الدنيا والآخرة، هذا وعد من النبي الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، فكن في عون اخوانك المسلمين - لا سيما المستضعفين - يكن الله العظيم في عونك، وانتبه إلى هذا الشرط (والله في عون العبد ما كان العبد في عون اخيه) فإذا اردت التيسير والاعانة من الله فكن في عون اخوانك المسلمين واذا تعسر عليك امر فانظر إلى محتاج تيسر عليه، فييسر الله عليك.
والناس عموما تحب من يحسن اليهم، ومحبة الناس لا شك مطلوبة، فبالاحسان يكثر الاخوان والخلان، ولذلك قيل:
احسن إلى الناس تستعبد قلوبهم
فطالما استعبد الانسان احسان
من كان للخير مناعا فليس له
على الحقيقة اخوان وخلان
احسن اذا كان امكان ومقدرة
فلن يدوم على الإنسان امكان
فإذا ما اتتك فرصة للاحسان فاغتنمها فقد لا تعود، وتذكر ان فضل قضاء حوائج المسلمين والسعي عليهم في حاجاتهم عظيم، وكلما كان المحتاج احوج، كان الجزاء افضل باذن الله، كأن يكون المحتاج مسكينا ضاقت عليه السبل، او امرأة فقدت زوجها فأعيتها الحيلة. وانظر إلى ثواب الساعي عليهما، فعن ابي هريرة رضي الله عليه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الساعي على الارملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، او القائم الليل الصائم النهار) متفق عليه.
ومن الناس من انعم الله عليهم بالقيام على اخوانهم المسلمين، بل تعدى احسانهم الى اخوانهم خارج اوطانهم، كإخوانكم الشباب في اللجان الخيرية التي يتميز بها هذا البلد الطيب، الذين كسبوا ثقة الناس، وثقة ولاة الامر كذلك. وصاروا حلقة وصل بين احسان المحسنين وحاجة المحتاجين، فكانوا - ان شاء الله - كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم مفاتيح للخير عن انس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وان من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه) رواه ابن ماجه وحسنه الألباني. وفي رواية عند ابن ماجه ايضا عن سهل بن سعد رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان هذا الخير خزائن، ولتلك الخزائن مفاتيح، فطوبى لعبد جعله الله مفتاحا للخير مغلاقا للشر، وويل لعبد جعله الله مفتاحا للشر مغلاقا للخير) رواه ابن ماجه وحسنه الألباني.
ولذلك حرص اهل الخير والفضل على سد حاجات اخوانهم المسلمين، وايصال النفع لهم بكل وجه، لما في ذلك من العز في الدنيا، والثواب عند رب العالمين، ولذلك قيل: ترك قضاء حقوق الاخوان مذلة، وفي قضاء حقوقهم رفعة (منجد الخطيب 1/249).
يروى عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قوله: ما اصبحت صباحا قط فرأيت بفناء داري طالب حاجة قد ضاق بها ذرعا فقضيتها، إلا كانت من النعم التي احمد الله عليها. ولا اصبحت صباحا لم ار بفنائي طالب حاجة، إلا كان ذلك من المصائب التي اسأل الله جل وعلا الاجر عليها.
فأي كرم هذا؟ واي خلق هذا؟ انه تخرج في المدرسة النبوية! يفرح بالعطية اكثر من آخذها!
تعود بسط الكف حتى لو انه
دعاها لقبض لم تجبه انامله
تراه اذا ما جئته متهللا
كأنك تعطيه الذي انت سائله!
فاللهم وفقنا لصالح الاخلاق والاعمال، ولنفع اخواننا المسلمين، واستر عوراتنا وعوراتهم، واجعلنا مفاتيح للخير، مغاليق للشر، وفي حاجة اخواننا يا رب العالمين اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم انا نسألك ان تنور بصائرنا، وتطهر قلوبنا، وتكفينا شر ذنوبنا، اللهم اجعلنا افقر عبادك اليك، واغنى عبادك بك. اللهم اجعلنا اعز الناس بطاعتك، ونعوذ بك من ذل معصيتك، اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه، واجعل خير ايامنا يوم لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، واجعلنا هداة مهتدين. ربنا ارحم والدينا كما ربيانا صغارا، واغفر لنا ولهما ولأرحامنا وشيوخنا والمسلمين، والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه اجمعين. اما بعد، فأول ما نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم وجاءه الملك، رجع - كما تقول عائشة رضي الله عنها - ترجف بوادره حتى دخل على خديجة رضي الله عنها فقال: (زملوني، زملوني!) فزملوه حتى ذهب عنه الروع، قال لخديجة: (اي خديجة! مالي؟ لقد خشيت على نفسي) فأخبرها الخبر، قالت خديجة: كلا، أبشر! فوالله لا يخزيك الله ابدا، فوالله انك لتصل الرحم، وتصدق الحديث وتحمل الكل، وتكسب المعدوم وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق (متفق عليه). تصل الرحم: فتحسن إلى اقاربك، وتصدق الحديث: فلا يعهد عليك الكذب، وتحمل الكل: فتعين كل محتاج، وتكسب المعدوم: فتعين غيرك الذي عدم المال، وتقري الضيف: فتحسن ضيافته، وتعين على نوائب الحق: فتعين الناس في مصابهم، فكيف يخزيك الله، وقد جمعت كل هذه الخصال الكريمة؟
وكذلك قيل لأبي بكر رضي الله عنه الذي اشبه النبي صلى الله عليه وسلم في خلقه، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: لما ابتلي المسلمون خرج ابو بكر مهاجرا قبل الحبشة، حتى اذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة، وهو سيد القارة، فقال: اين تريد يا ابا بكر؟ فقال ابو بكر: اخرجني قومي، فأنا اريد ان اسيح في الارض فاعبد ربي، قال ابن الدغنة: ان مثلك لا يخرج ولا يخرج، فإنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، وانا لك جار فارجع فاعبد ربك ببلادك (رواه البخاري).
قال الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم: قال العلماء رضي الله عنهم: معنى كلام خديجة رضي الله عنها (في قولها المتقدم للنبي صلى الله عليه وسلم) انك لا يصيبك مكروها، لما جعل الله فيك من مكارم الاخلاق، وكرم الشمائل، وذكرت ضروبا من ذلك، وفي هذا دلالة على ان مكارم الاخلاق وخصال الخير سبب السلامة من مصارع السوء.
وانظر إلى اكثر الشمائل المذكورة آنفا - او كلها - تجد نفعها متعديا للخير. نعم! فخير الناس انفعهم للناس، فكلما كان نفعك لغيرك اكثر، كان ذلك احب إلى الله تعالى. وكلما كان عملك نافعا للغير، كان ذلك كذلك من احب اعمالك إلى الله تعالى. عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: (احب الناس إلى الله انفعهم، واحب الاعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، او تكشف عنه كربة، او تقضي عنه دينا، او تطرد عنه جوعا. ولأن امشي مع اخي المسلم في حاجة احب إلي من ان اعتكف في المسجد شهرا. ومن كف غضبه ستر الله عورته. ومن كظم غيظا ولو شاء ان يمضيه امضاه، ملأ الله قلبه رضا يوم القيامة. ومن مشى مع اخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له، اثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الاقدام، وان سوء الخلق ليفسد العمل، كما يفسد الخل العسل) رواه الطبراني وحسنه الألباني في صحيح الجامع 176. توجيهات عظيمة، من معلم عظيم صلى الله عليه وسلم، مبادئ واسس لمجتمع مثالي، تصدر من فم شريف، لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم فبذل النفع للمسلمين بشتى اشكاله سبب لحب الله تعالى. واذا احبك الله فطوبى لك، وذلك هو الفوز العظيم.
احب الناس الى الله أنفعهم للناس، تعينهم، تقضي حوائجهم، تشفع لهم لينالوا حقوقهم، ترشدهم تعلمهم، تبذل لهم النصيحة بينك وبينهم، إلى غير ذلك من نفعك المتعدي اليهم. ومن لم يجد شيئا ينفع الناس به - وذلك لا يكاد يحصل - فليكف اذاه عنهم، فإن له في ذلك اجرا، عن ابي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! اي الاعمال افضل؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الإيمان بالله، والجهاد في سبيله) قال: قلت: اي الرقاب افضل؟ قال: (انفسها عند اهلها، واكثرها ثمنا) قال: قلت: فإن لم افعل؟ قال: (تعين صانعا او تصنع لأخرق) قال: قلت: يا رسول الله ارأيت ان ضعفت عن بعض العمل؟ قال: (تكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك) متفق عليه، لكن هذا - كما علمت - نهاية المطاف، فأقل المعروف ان تكف اذاك عن الناس، بينما صاحب الهمة العالية يريد ان يتقرب إلى الله تعالى بأحب الاعمال اليه، ومن احبها - كما مر - نفع الناس، فتكون في حاجتهم.
بوب الامام النووي رحمه الله في كتابه المبارك «رياض الصالحين» بابا بعنوان: «باب قضاء حوائج المسلمين» وذكر فيه الوصية العامة من ربنا تبارك وتعالي، وهي قوله (وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) الحج 77 وقضاء حوائج المسلمين من اعظم الخير ولذلك فهو من اعظم اسباب الفلاح في الدنيا والآخرة نسأل الله ان نكون جميعا من المفلحين ثم ذكر رحمه الله حديثين عظيمين عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب، فيهما تقرير لقاعدة عظيمة، وهي ان الجزاء من جنس العمل، لكن اذا كان العمل محبوبا عند الله، فكيف يكون الجزاء من الله؟ عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلم اخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة اخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة) متفق عليه. والحاجة اقل من الضرورة، فإذا اشتدت بحيث يتضرر صاحبها صارت ضرورة، ومع ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم (من كان في حاجة اخيه كان الله في حاجته) فكن في حاجة اخيك يكن الله في حاجتك ليس المخلوق الضعيف، لكنه الله العظيم يكون في حاجتك، وفرج عن اخيك كربة، لتنال جزاء ذلك التفريج من الله تعالى، ليس في الدنيا ولكن من كربات ذلك اليوم العظيم، اليوم الذي (يجعل الولدان شيبا) المزمل 17، (يوم يقوم الناس لرب العالمين) المطففين 6، عن ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون اخيه) رواه مسلم، فنفس عن اخيك، ووسع عليه ما استطعت بمالك بجاهك، ولو بكلمة طيبة، واذا رأيت معسرا - تعسر عليه اي امر - فيسر عليه، يسر الله عليك في الدنيا والآخرة، هذا وعد من النبي الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، فكن في عون اخوانك المسلمين - لا سيما المستضعفين - يكن الله العظيم في عونك، وانتبه إلى هذا الشرط (والله في عون العبد ما كان العبد في عون اخيه) فإذا اردت التيسير والاعانة من الله فكن في عون اخوانك المسلمين واذا تعسر عليك امر فانظر إلى محتاج تيسر عليه، فييسر الله عليك.
والناس عموما تحب من يحسن اليهم، ومحبة الناس لا شك مطلوبة، فبالاحسان يكثر الاخوان والخلان، ولذلك قيل:
احسن إلى الناس تستعبد قلوبهم
فطالما استعبد الانسان احسان
من كان للخير مناعا فليس له
على الحقيقة اخوان وخلان
احسن اذا كان امكان ومقدرة
فلن يدوم على الإنسان امكان
فإذا ما اتتك فرصة للاحسان فاغتنمها فقد لا تعود، وتذكر ان فضل قضاء حوائج المسلمين والسعي عليهم في حاجاتهم عظيم، وكلما كان المحتاج احوج، كان الجزاء افضل باذن الله، كأن يكون المحتاج مسكينا ضاقت عليه السبل، او امرأة فقدت زوجها فأعيتها الحيلة. وانظر إلى ثواب الساعي عليهما، فعن ابي هريرة رضي الله عليه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الساعي على الارملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، او القائم الليل الصائم النهار) متفق عليه.
ومن الناس من انعم الله عليهم بالقيام على اخوانهم المسلمين، بل تعدى احسانهم الى اخوانهم خارج اوطانهم، كإخوانكم الشباب في اللجان الخيرية التي يتميز بها هذا البلد الطيب، الذين كسبوا ثقة الناس، وثقة ولاة الامر كذلك. وصاروا حلقة وصل بين احسان المحسنين وحاجة المحتاجين، فكانوا - ان شاء الله - كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم مفاتيح للخير عن انس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وان من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه) رواه ابن ماجه وحسنه الألباني. وفي رواية عند ابن ماجه ايضا عن سهل بن سعد رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان هذا الخير خزائن، ولتلك الخزائن مفاتيح، فطوبى لعبد جعله الله مفتاحا للخير مغلاقا للشر، وويل لعبد جعله الله مفتاحا للشر مغلاقا للخير) رواه ابن ماجه وحسنه الألباني.
ولذلك حرص اهل الخير والفضل على سد حاجات اخوانهم المسلمين، وايصال النفع لهم بكل وجه، لما في ذلك من العز في الدنيا، والثواب عند رب العالمين، ولذلك قيل: ترك قضاء حقوق الاخوان مذلة، وفي قضاء حقوقهم رفعة (منجد الخطيب 1/249).
يروى عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قوله: ما اصبحت صباحا قط فرأيت بفناء داري طالب حاجة قد ضاق بها ذرعا فقضيتها، إلا كانت من النعم التي احمد الله عليها. ولا اصبحت صباحا لم ار بفنائي طالب حاجة، إلا كان ذلك من المصائب التي اسأل الله جل وعلا الاجر عليها.
فأي كرم هذا؟ واي خلق هذا؟ انه تخرج في المدرسة النبوية! يفرح بالعطية اكثر من آخذها!
تعود بسط الكف حتى لو انه
دعاها لقبض لم تجبه انامله
تراه اذا ما جئته متهللا
كأنك تعطيه الذي انت سائله!
فاللهم وفقنا لصالح الاخلاق والاعمال، ولنفع اخواننا المسلمين، واستر عوراتنا وعوراتهم، واجعلنا مفاتيح للخير، مغاليق للشر، وفي حاجة اخواننا يا رب العالمين اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم انا نسألك ان تنور بصائرنا، وتطهر قلوبنا، وتكفينا شر ذنوبنا، اللهم اجعلنا افقر عبادك اليك، واغنى عبادك بك. اللهم اجعلنا اعز الناس بطاعتك، ونعوذ بك من ذل معصيتك، اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه، واجعل خير ايامنا يوم لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، واجعلنا هداة مهتدين. ربنا ارحم والدينا كما ربيانا صغارا، واغفر لنا ولهما ولأرحامنا وشيوخنا والمسلمين، والحمد لله رب العالمين.