أكد أننا في حاجة إلى قراءة تاريخ أمتنا لنتعرف على فضائلهم ومناقبهم وعلومهم
العلي: علاقة آل بيت النبي الأطهار بالصحابة الأخيار علاقة مودة وتراحم أفضت إلى مصاهرة ونسب كريم
| كتب عبدالله متولي |
كثير من الناس يجهل أو ليس لديه معرفة كاملة بمدى العلاقة التي كانت بين آل بيت النبي الأطهار وصحابته الأخيار... كما أن بعضنا يستند في معرفته بهذه العلاقة على أخبار بعضها مشوش وبعضها منقوص وجزء منها ينافي الحقيقة تماماً...
وتجلية لهذا الموضوع البالغ الأهمية والخطورة - في نفس الوقت - عند اتباع سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم نقوم بنشر هذا البحث الموضوعي والمجرد والمنصف لأنه يرتكز في طرحه على كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والسنة النبوية الصحيحة.
هذا البحث المميز كتبه الأستاذ الدكتور وليد محمد عبدالله العلي إمام وخطيب مسجد الدولة الكبير وأستاذ العقيدة بكلية الشريعة والدراسات الاسلامية جامعة الكويت.
وقد تحدث فيه عن فضل آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ومناقبهم وواجبنا نحوهم، وعلاقتهم المتميزة التي قامت على المودة والتراحم مع صحابة رسول الله الأخيار، وكيف أفضت هذه العلاقة الى نسب ومصاهرة وتوقير وتقدير وتعظيم وإجلال بين الفريقين.
ونظراً لشدة تميز هذا البحث فقد رأينا نشره كاملاً من باب نشر العلم النافع حتى تعم الفائدة وتتجلى الحقائق في كثير من الأمور المتعلقة بهذا الموضوع.
بدأ الدكتور وليد العلي بحثه بالحديث عن فضائل آل البيت فقال: إن الله جل جلاله يخلق ما يشاء ويختار، ما كان لأحد من عباده الخيرة فيما اختار.
وإن من جملة من اختارهم الرب تبارك وتعالى وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلاً، وجعل نسلهم خير نسل العالمين محتداً وقبيلاً: آل النبي صلى الله عليه وسلم الذين هدوا في شرف النسب سبيلاً، وجعلت شمس فضلهم في سماء العالمين دليلاً.
ومن هذه الفضائل الكثيرة، والمآثر والمناقب الوفيرة: ما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه قال (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فينا خطيباً بماءً يدعى خماً - بين مكة والمدينة -، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: أما بعد، ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله، ورغب فيه. ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي).
فقد تضمنت هذه الوصية النبوية الشريفة، وهذه الخطبة المصطفوية المنيفة: حب آل البيت وتعزيرهم، وموالاتهم وتوقيرهم.
لذا فقد أمر المسلم أن يدعو الله تعالى لهم في جميع الصلوات، وأن يسأله أن يذكرهم في الملأ الأعلى وينزل عليهم البركات، كما أخرج الشيخان من حديث عبدالرحمن بن أبي ليلى رحمه الله تعالى قال: (لقيني كعب بن عجرة رضي الله عنه فقال: ألا أهدي لك هدية؟ خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقلنا: قد عرفنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد).
وإن الحديث عن فضائل آل البيت الطيبين، والإخبار عن مناقب سلالتهم الطاهرين: حديث تألفه الطباع، وتتشنف منه الأسماع.
وهيهات هيهات، أن نحصي في هذه الكلمات: ما لأل البيت من الفضل الجلي، أو أن نستوعب في هذه العبارات: ما لأئمتهم من الشرف والقدر العلي، ولكن حسبنا أن نستحضر طرفاً من مكارمهم المتكاثرة، وأن نستذكر نتفاً من مناقبهم الوافرة.
رابع الخلفاء الراشدين
فمن مناقب صهر خاتم النبيين، ورابع الخلفاء الراشدين، أبي الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه التي يذكر القارئ ببعضها تذكيراً، وتعطر المقارئ بعبقها تعطيراً: أنه قد أدرك المأمول، ففاز بحب الله تعالى والرسول (صلى الله عليه وسلم) ، فقد اخرج البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه ان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال يوم خيبر: (لأعطين هذه الراية رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله. فبات الناس يدوكون - أي: يخوضون - ليلتهم، أيهم يعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كلهم يرجون ان يعطاها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : أين علي بن أبي طالب؟ فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه. فأرسلوا اليه، فأتي به، فبصق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في عينيه، ودعا الله، فبرئ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية. فقال علي: يا رسول الله، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله، لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من أن يكون لك حمر النعم).
ومن ذلك: أن علياً رضي الله عنه كان في القرب من الرسول (صلى الله عليه وسلم) بمنزلة قرب هارون من موسى عليهما السلام، كما اخرج البخاري ومسلم من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: «خلف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) علي بن أبي طالب في غزوة تبوك، فقال علي: يا رسول الله، تخلفني في النساء والصبيان؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ غير أنه لا نبي بعدي).
ومن ذلك: أن حب علي رضي الله عنه أمارة على الإيمان والإحسان، كما ان بغضه علامة على النفاق والطغيان، فقد اخرج الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (لقد عهد إلى النبي الأمي (صلى الله عليه وسلم) انه لا يحبك الا مؤمن ولا يبغضك الا منافق).
السبطان
فهو والد السبطين وأبو الحسنين، اللذين كانا للنبي (صلى الله عليه وسلم) قرة عين، ويكفيهما فخراً وكرماً ومجداً وجاهاً وشرفاً: أن جدهما (صلى الله عليه وسلم) وسمهما باسمين يطابق منهما وصفاً، فقد اخرج أحمد في مسنده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (لما ولد الحسن: سميته حرباً، فجاء رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: أروني أبني، ما سميتموه؟ قال: قلت: حرباً. قال: بل هو حسن. فلما ولد الحسين: سميته حرباً، فجاء رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: أروني ابني، ما سميتموه؟ قال: قلت: حرباً قال: بل هو حسين. فلما ولد الثالث: سميته حرباً فجاء النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: أروني ابني، ما سميتموه؟ قلت: حرباً قال: بل هو محسن. قال: سميتهم بأسماء ولد هارون: شبر، وشبير، ومشبر).
ومن امارات هذا الحسن الذي يشع بهاء ورونقاً: أنهما من اشبه الناس بجدهما (صلى الله عليه وسلم) في حسنه خلقاً وخلقاً، فقد أخرج أحمد في مسنده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال (الحسن اشبه الناس برسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين اشبه الناس بالنبي (صلى الله عليه وسلم) ما كان أسفل من ذلك).
تبجيل وعناية
ومن هدي الى السداد والإصابة: علم أن جميع الصحابة، كانوا يبجلون القرابة رضي الله عنهم، فرعوا واجباتهم أكمل الرعاية، واعتنوا بحرمانهم أنبل العناية، قالت عائشة رضي الله عنها: (فاضت عينا أبي بكر رضي الله عنه، فتكلم وقال: والذي نفسي بيده، لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي) أخرجه البخاري ومسلم.
وقال عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: قال أبوبكر رضي الله عنه: (ارقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته) أخرجه البخاري.
فهذا تعظيم آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يدين الله تعالى به أبوبكر الصديق رضي الله عنه، وأما إجلالهم الذي كان يظهره عمر الفاروق رضي الله عنه: فيتجلى فيما أخرجه البخاري في صحيح من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان اذا قحطوا: استسقى بالعباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا.فيسقون).
وهذا التعظيم والإجلال، خلق متبادل بين الصحب والآل، فكما أن الشيخين يجلان أمير المؤمنين عليا: فكذا كان علي يجل أبا بكر وعمر إجلالاً جلياً، فكان عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: (كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً: نفعني الله بما شاء منه، واذا حدثني عنه غيري: استحلفته، فإذا حلف لي: صدقته، وإن أبا بكر رضي الله عنه حدثني، وصدق أبوبكر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من رجل يُذنب ذنباً، ثم يقوم فيتطهر، ثم يصلي، ثم يستغفر الله: إلا غفر له، ثم قرأ هذه الآية: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله) إلى آخر الآية، اخرجه احمد وابو داود والترمذي وابن ماجه.
فهذا تقدير ابي الحسنين لابي بكر الصديق، واما توقير ابي السبطين لعمر الفاروق: فنُورٌ مشكاة الاقتباس، يضيء من حديث ابن عمه عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، وهو يروي حديث استشهاد امير المؤمنين عمر بن الخطاب، فيقول بعد فصل الخطاب: (وضع عمر بن الخطاب على سريره، فتكنفه الناس يدعون ويثنون، ويصلون عليه قبل ان يرفع، وانا فيهم، فلم يرعني الا برجل قد اخذ بمنكبي من ورائي، فالتفت اليه: فاذا هو عليٌّ، فترحم على عمر وقال: ما خلفت احدا احب اليّ ان القى الله بمثل عمله منك، وايم الله، ان كنت لاظن ان يجعلك الله مع صاحبيك، وذاك اني كنت اكثر اسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: جئت انا وابوبكر وعمر، ودخلت انا وابوبكر وعمر، وخرجت انا وابوبكر وعمر، فإن كنت لارجو او لاظن، ان يجعلك الله معهما) اخرجه البخاري ومسلم.
فهذان الحديثان وما في معناهما كذلك، يكاد سنا برقهما يذهب بابصار من اورد نفسه المهالك، فظن بالآل والاصحاب خلاف ذلك.
فهذا محمد بن الحنفية، يسأل اباه عليّ بن ابي طالب رضي الله عنه عن خير البرية، بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من البشرية، فيقول: (قلتُ لابي: اي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ابو بكر. قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر. وخشيت ان يقول: عثمان، قلت: ثم انت؟ قال: ما انا الا رجل من المسلمين) اخرجه البخاري.
ثقافة الآل والاصحاب
فالصلة بين القرابة والصحابة: فيها متانة وصلابة، لان مبناها على المحبة والقرابة، وخير شاهد يدل على تعانق الآل والاصحاب معانقة الابدان للارواح، وقد شعّ في العالمين وظهرت فيه دلائل نور شمسه الوضّاح: تسمية ابنائهما بأسماء بعضهم الملاح، وما وقع بين الآل والاصحاب من النكاح.
ففي باب الاسماء قد بلغت المحبة بين القرابة والصحابة اسنى المطالب، وذلك يتجلى في تسمية آل البيت بعض ابنائهم السادة النجائب، باسماء بعض الصحابة من ذوي المكرمات والمناقب، كما هو مثبت في كتب جميع اهل المذاهب.
فدُونكم هذه الدرة السنية والتحفة اللطيفة، التي تعرفكم ببعض اغصان شجرة النسب الشريفة، ممن تسمى باسماء الصحابة المنيفة، وباسم صديقهم ابي بكر الخليفة.
فمنهم: ابو بكر: ابن علي بن ابي طالب، وابو بكر: ابن الحسن بن علي بن ابي طالب، وابوبكر: ابن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن ابي طالب، وابوبكر: ابن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين، وابوبكر: ابن عليّ الرضا بن موسى الكاظم، وغيرهم رضي الله عنهم.
فلو سألنا آل البيت الكرام: من هذا الرجل الذي نسبتم اليه هؤلاء الاعلام؟ لقال آل البيت الاطهار: سبحان الله، انه ابوبكر، الذي كان مع ابينا محمّدٍ صلى الله عليه وسلم (ثاني اثنين إذ هما في الغار)، انه ابوبكر، الذي واسى ابانا محمدا صلى الله عليه وسلم يوم اقامته ويوم ظعنه في الاسفار، انه ابوبكر، الذي زوج ابانا محمدا صلى الله عليه وسلم ابنته عائشة فلم ينكح غيرها من الابكار، انه ابوبكر، الذي جاور ابانا محمدا صلى الله عليه وسلم في قبره الذي في الدار.
كما ان من اغصان شجرة آل البيت الانجاب، المنحدر نسلهم الطاهر من علي ابي التراب، من تسمّى باسم الفاروق عمر بن الخطاب، (ان في ذلك لذكرى لاولى الالبب).
فمنهم: عمرُ: ابن علي بن ابي طالب، وعمرُ: ابن الحسن بن علي بن ابي طالب، وعمرُ: ابن الحسين بن علي بن ابي طالب، وعمرُ: ابن عليّ زين العابدين بن الحسين، وعمرُ: ابن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن عليّ زين العابدين، وغيرهم رضي الله عنهم.
فلو سألنا آل البيت الاطهار: من هذا الرجل الذي نسبتم اليه ابناءكم الابرار؟
لقال آل البيت الاخيار: سبحان الله، انه عمر، الذي اعز الله بن دين ابينا محمد صلى الله عليه وسلم بعد الخفاء والاستتار، انه عمرُ، الذي زوج ابانا محمدا صلى الله عليه وسلم ابنته حفصة الصائمة القائمة في الاسحار، انه عمر، الذي زوجه ابونا عليّ ابنته ام كلثوم طاهرة الازار، انه عمرُ، الذي ظفر في مضجعه في القبر بشرف الجوار.
ويا ليت شعر الشعراء: من يُنبئنا بمن تسمّى من آل البيت الاتقياء، المنحدر نسلهم من اهل الكساء، باسماء بعض الصحابيات اللاتي كملن من النساء، انه ورب الكعبة نبأ عظيم قد سطره يراع العلماء، حين ذكروا تسابق آل البيت إلى التسمّي باسم عائشة الصديقة المبرأة من السماء.
فمنهن: عائشة: بنت جعفر الصادق بن محمد الباقر بن عليّ زين العابدين بن الحسين بن عليّ بن ابي طالب، وعائشة: بنت موسى الكاظم بن جعفر الصادق، وعائشة: بنت جعفر بن موسى الكاظم، وعائشة: بنت عليّ الرضا بن موسى الكاظم، وعائشة: بنت عليّ الهادي بن محمد الجواد بن عليّ الرضا، وعائشة: بنت محمد بن الحسن بن جعفر بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن ابي طالب، وغيرهن رضي الله عنهن.
فلو سألنا آل البيت الابرار: من هذه المرأة التي نسبتم اليها بناتكم الاطهار؟ لقال آل البيت الاخيار: سبحان الله، انها عائشة، التي كان يتعاهدها بالهدايا في ليلتها من ابينا محمد صلى الله عليه وسلم المهاجرون والانصار، انها عائشة التي انزل على ابينا محمد صلى الله عليه وسلم براءتها من الافك وطهارتها من العار، انها عائشة التي قبض ابونا محمد صلى الله عليه وسلم في ليلتها وفي حجرها وكان يمرض عندها في الدار، انها عائشة التي اخبر ابونا محمد صلى الله عليه وسلم بأنها زوجه في الدنيا وفي دار القرار.
نسب ومصاهرة
معشر المحبين، لآل البيت الطاهرين:
هذه اشارة إلى ما وقع بين القرابة والصحابة من الاسماء، فلنشر إلى ما وقع بينهما من المصاهرة والابناء.
فقد زوج علي بن ابي طالب ابنه الحسن: بحفصة بنت عبدالرحمن بن ابي بكر الصديق رضي الله عنهم اجمعين.
وزوج علي بن ابي طالب ابنته ام كلثوم: لعمر بن الخطاب، فولدت له زيدا رضي الله عنهم اجمعين.
وكذا زوج علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن ابي طالب ابنه محمدا الباقر: بأم فروة بنت القاسم بن محمد بن ابي بكر الصديق، وولدت له جعفر الصادق رضي الله عنهم اجمعين.
لذا قال جعفر الصادق رضي الله عنه: (ولدني ابو بكر مرتين)
ومراده بذلك: ان منحدر نسله الطاهر ونسبه الشريف، يتدلى من جهتين من نسب ابي بكر المنيف، وذلك ان ام جعفر الصادق: هي ام فروة بنت القاسم بن محمد بن ابي بكر الصديق، وجدة جعفر الصادق لأمه هي اسماء بنت عبدالرحمن بن ابي بكر الصديق رضي الله عنهم اجمعين، فولد الصديق الصادق مرتين.
فلو سألنا آل البيت الاطهار: ما الذي حملكم على مناكحة هؤلاء الاصهار؟ لقالوا: سبحان الله، او لم يقل ابونا المصطفى المختار صلى الله عليه وسلم (تخيروا لنطفكم، وانكحوا الاكفاء، وانجحوا اليهم) اخرجه ابن ماجه من حديث عائشة رضي الله عنها.
أئمة الآل
ومن وفق لهذه المعارف من المومنين: علم ان آل بيت امام المرسلين، صلى عليهم وسلم رب العالمين، قد قيضهم الله تعالى للذود عن شرعه المبين، فنفوا عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.
وان ذروة سنام هؤلاء الأئمة الانجاب: علي بن ابي طالب ابو التراب، ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم، وزوج الزهراء فاطمة البتول.
ومن ائمة آل البيت: ابناه ابو محمد الحسن وابو عبدالله الحسين، ريحانتا النبي صلى الله عليه وسلم اللذان قرت بهما العين، ومنهم: ابن الحسين علي، زين العابدين الامام التقي ومنهم: ابنه ابو جعفر محمد بن علي الباقر، الذي بقر بإمامته في الدين العلم الزاخر. ومنهم: ابنه ابو عبدالله جعفر الصادق الفقيه، الامام الهمام النبيه. ومنهم: ابنه موسى الكاظم، الامام القدوة الحازم. ومنهم: ابنه علي الرضى، احد ائمة الهدى.
وقد نصر الله تعالى بهؤلاء الائمة هذا الدين، فأوضحوا بالحجة وبينوا بالمحجة حقيقة الايمان برب العالمين، وان الله تبارك وتعالى هو المستحق بأن يفرد بالتوحيد ويبرأ وينزه عن الشرك والتنديد، كما قال ابو جعفر الباقر رضي الله عنه: (ما من شيء اعظم ثوابا من شهادة ان لا إله إلا الله، لأن الله عز وجل لا يعدله شيء، ولا يشركه في الامر احد).
وقد اشتد نكير ائمة ال البيت على من صلى إلى قبور الاموات، او ذبح لهم القرابين طمعا في قضاء الحاجات، او دعاهم من دون الله تعالى في كشف الملمات، كما قال جعفر الصادق رضي الله عنه: (لا يكون العبد مشركا حتى يصلي لغير الله، او يذبح لغير الله، او يدعو لغير الله عز وجل).
وإياك والنذر لغير الله تعالى فانه محرم، فقد جاء الخبر عن ائمة ال البيت في النهي عن نذر المعصية فانه مجرم، كما قال جعفر الصادق رضي الله عنه: (لا نذر في معصية، ولا فيما لا يملك ابن آدم).
فإن كان هذا نهي ائمة آل البيت عن لبس السواد فما ظنكم بمن اجتمع للنياحة، لا جرم انه رد على هؤلاء الائمة نهيهم المغلظ واستباحه، كما قال ابو جعفر الباقر رضي الله عنه: (لما هم الحسين رضي الله عنه بالشخوص إلى المدينة: اقبلت نساء بني عبدالمطلب فاجتمعن للنياحة، فمشي فيهن الحسين فقال: انشدكن بالله ان تبدين هذا الامر، هذه معصية لله ورسوله).
فمن شق ثوبه وخمش وجهه بعد ما سلف: لم يبر لائمة ال البيت القسم والحلف، كما قال زين العابدين رضي الله عنه: (ان الحسين قال لأخته زينب: يا أختاه، اني اقسمت عليك، فأبري قسمي، لا تشقي علي جيبا، ولا تخمشى عليّ وجها، ولا تدعي عليّ بالويل والثبور اذا انا هلكت). فما احوجنا معشر الاخوة الاخيار، إلى قراءة تاريخ امتنا المعطاء، لنتعرف على فضائل وعلوم آل البيت الأطهار، لتلهج السنتنا بقول العزيز الغفار: (ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا ربنا انك رؤوف رحيم).
وليكن مسك الختام، معشر الاخوة الكرام: ترطيب السنتكم بكثرة الصلاة والسلام، على محمد خير الانام، امتثالا لامر الملك القدوس السلام، حيث قال في أصدق قيل وأحسن حديث وخير كلام: (ان الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).
اللهم صل على محمد وعلى ال محمد، كما صليت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم، في العالمين انك حميد مجيد.
كثير من الناس يجهل أو ليس لديه معرفة كاملة بمدى العلاقة التي كانت بين آل بيت النبي الأطهار وصحابته الأخيار... كما أن بعضنا يستند في معرفته بهذه العلاقة على أخبار بعضها مشوش وبعضها منقوص وجزء منها ينافي الحقيقة تماماً...
وتجلية لهذا الموضوع البالغ الأهمية والخطورة - في نفس الوقت - عند اتباع سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم نقوم بنشر هذا البحث الموضوعي والمجرد والمنصف لأنه يرتكز في طرحه على كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والسنة النبوية الصحيحة.
هذا البحث المميز كتبه الأستاذ الدكتور وليد محمد عبدالله العلي إمام وخطيب مسجد الدولة الكبير وأستاذ العقيدة بكلية الشريعة والدراسات الاسلامية جامعة الكويت.
وقد تحدث فيه عن فضل آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ومناقبهم وواجبنا نحوهم، وعلاقتهم المتميزة التي قامت على المودة والتراحم مع صحابة رسول الله الأخيار، وكيف أفضت هذه العلاقة الى نسب ومصاهرة وتوقير وتقدير وتعظيم وإجلال بين الفريقين.
ونظراً لشدة تميز هذا البحث فقد رأينا نشره كاملاً من باب نشر العلم النافع حتى تعم الفائدة وتتجلى الحقائق في كثير من الأمور المتعلقة بهذا الموضوع.
بدأ الدكتور وليد العلي بحثه بالحديث عن فضائل آل البيت فقال: إن الله جل جلاله يخلق ما يشاء ويختار، ما كان لأحد من عباده الخيرة فيما اختار.
وإن من جملة من اختارهم الرب تبارك وتعالى وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلاً، وجعل نسلهم خير نسل العالمين محتداً وقبيلاً: آل النبي صلى الله عليه وسلم الذين هدوا في شرف النسب سبيلاً، وجعلت شمس فضلهم في سماء العالمين دليلاً.
ومن هذه الفضائل الكثيرة، والمآثر والمناقب الوفيرة: ما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه قال (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فينا خطيباً بماءً يدعى خماً - بين مكة والمدينة -، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: أما بعد، ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله، ورغب فيه. ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي).
فقد تضمنت هذه الوصية النبوية الشريفة، وهذه الخطبة المصطفوية المنيفة: حب آل البيت وتعزيرهم، وموالاتهم وتوقيرهم.
لذا فقد أمر المسلم أن يدعو الله تعالى لهم في جميع الصلوات، وأن يسأله أن يذكرهم في الملأ الأعلى وينزل عليهم البركات، كما أخرج الشيخان من حديث عبدالرحمن بن أبي ليلى رحمه الله تعالى قال: (لقيني كعب بن عجرة رضي الله عنه فقال: ألا أهدي لك هدية؟ خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقلنا: قد عرفنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد).
وإن الحديث عن فضائل آل البيت الطيبين، والإخبار عن مناقب سلالتهم الطاهرين: حديث تألفه الطباع، وتتشنف منه الأسماع.
وهيهات هيهات، أن نحصي في هذه الكلمات: ما لأل البيت من الفضل الجلي، أو أن نستوعب في هذه العبارات: ما لأئمتهم من الشرف والقدر العلي، ولكن حسبنا أن نستحضر طرفاً من مكارمهم المتكاثرة، وأن نستذكر نتفاً من مناقبهم الوافرة.
رابع الخلفاء الراشدين
فمن مناقب صهر خاتم النبيين، ورابع الخلفاء الراشدين، أبي الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه التي يذكر القارئ ببعضها تذكيراً، وتعطر المقارئ بعبقها تعطيراً: أنه قد أدرك المأمول، ففاز بحب الله تعالى والرسول (صلى الله عليه وسلم) ، فقد اخرج البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه ان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال يوم خيبر: (لأعطين هذه الراية رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله. فبات الناس يدوكون - أي: يخوضون - ليلتهم، أيهم يعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كلهم يرجون ان يعطاها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : أين علي بن أبي طالب؟ فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه. فأرسلوا اليه، فأتي به، فبصق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في عينيه، ودعا الله، فبرئ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية. فقال علي: يا رسول الله، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله، لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من أن يكون لك حمر النعم).
ومن ذلك: أن علياً رضي الله عنه كان في القرب من الرسول (صلى الله عليه وسلم) بمنزلة قرب هارون من موسى عليهما السلام، كما اخرج البخاري ومسلم من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: «خلف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) علي بن أبي طالب في غزوة تبوك، فقال علي: يا رسول الله، تخلفني في النساء والصبيان؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ غير أنه لا نبي بعدي).
ومن ذلك: أن حب علي رضي الله عنه أمارة على الإيمان والإحسان، كما ان بغضه علامة على النفاق والطغيان، فقد اخرج الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (لقد عهد إلى النبي الأمي (صلى الله عليه وسلم) انه لا يحبك الا مؤمن ولا يبغضك الا منافق).
السبطان
فهو والد السبطين وأبو الحسنين، اللذين كانا للنبي (صلى الله عليه وسلم) قرة عين، ويكفيهما فخراً وكرماً ومجداً وجاهاً وشرفاً: أن جدهما (صلى الله عليه وسلم) وسمهما باسمين يطابق منهما وصفاً، فقد اخرج أحمد في مسنده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (لما ولد الحسن: سميته حرباً، فجاء رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: أروني أبني، ما سميتموه؟ قال: قلت: حرباً. قال: بل هو حسن. فلما ولد الحسين: سميته حرباً، فجاء رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: أروني ابني، ما سميتموه؟ قال: قلت: حرباً قال: بل هو حسين. فلما ولد الثالث: سميته حرباً فجاء النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: أروني ابني، ما سميتموه؟ قلت: حرباً قال: بل هو محسن. قال: سميتهم بأسماء ولد هارون: شبر، وشبير، ومشبر).
ومن امارات هذا الحسن الذي يشع بهاء ورونقاً: أنهما من اشبه الناس بجدهما (صلى الله عليه وسلم) في حسنه خلقاً وخلقاً، فقد أخرج أحمد في مسنده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال (الحسن اشبه الناس برسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين اشبه الناس بالنبي (صلى الله عليه وسلم) ما كان أسفل من ذلك).
تبجيل وعناية
ومن هدي الى السداد والإصابة: علم أن جميع الصحابة، كانوا يبجلون القرابة رضي الله عنهم، فرعوا واجباتهم أكمل الرعاية، واعتنوا بحرمانهم أنبل العناية، قالت عائشة رضي الله عنها: (فاضت عينا أبي بكر رضي الله عنه، فتكلم وقال: والذي نفسي بيده، لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي) أخرجه البخاري ومسلم.
وقال عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: قال أبوبكر رضي الله عنه: (ارقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته) أخرجه البخاري.
فهذا تعظيم آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يدين الله تعالى به أبوبكر الصديق رضي الله عنه، وأما إجلالهم الذي كان يظهره عمر الفاروق رضي الله عنه: فيتجلى فيما أخرجه البخاري في صحيح من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان اذا قحطوا: استسقى بالعباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا.فيسقون).
وهذا التعظيم والإجلال، خلق متبادل بين الصحب والآل، فكما أن الشيخين يجلان أمير المؤمنين عليا: فكذا كان علي يجل أبا بكر وعمر إجلالاً جلياً، فكان عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: (كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً: نفعني الله بما شاء منه، واذا حدثني عنه غيري: استحلفته، فإذا حلف لي: صدقته، وإن أبا بكر رضي الله عنه حدثني، وصدق أبوبكر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من رجل يُذنب ذنباً، ثم يقوم فيتطهر، ثم يصلي، ثم يستغفر الله: إلا غفر له، ثم قرأ هذه الآية: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله) إلى آخر الآية، اخرجه احمد وابو داود والترمذي وابن ماجه.
فهذا تقدير ابي الحسنين لابي بكر الصديق، واما توقير ابي السبطين لعمر الفاروق: فنُورٌ مشكاة الاقتباس، يضيء من حديث ابن عمه عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، وهو يروي حديث استشهاد امير المؤمنين عمر بن الخطاب، فيقول بعد فصل الخطاب: (وضع عمر بن الخطاب على سريره، فتكنفه الناس يدعون ويثنون، ويصلون عليه قبل ان يرفع، وانا فيهم، فلم يرعني الا برجل قد اخذ بمنكبي من ورائي، فالتفت اليه: فاذا هو عليٌّ، فترحم على عمر وقال: ما خلفت احدا احب اليّ ان القى الله بمثل عمله منك، وايم الله، ان كنت لاظن ان يجعلك الله مع صاحبيك، وذاك اني كنت اكثر اسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: جئت انا وابوبكر وعمر، ودخلت انا وابوبكر وعمر، وخرجت انا وابوبكر وعمر، فإن كنت لارجو او لاظن، ان يجعلك الله معهما) اخرجه البخاري ومسلم.
فهذان الحديثان وما في معناهما كذلك، يكاد سنا برقهما يذهب بابصار من اورد نفسه المهالك، فظن بالآل والاصحاب خلاف ذلك.
فهذا محمد بن الحنفية، يسأل اباه عليّ بن ابي طالب رضي الله عنه عن خير البرية، بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من البشرية، فيقول: (قلتُ لابي: اي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ابو بكر. قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر. وخشيت ان يقول: عثمان، قلت: ثم انت؟ قال: ما انا الا رجل من المسلمين) اخرجه البخاري.
ثقافة الآل والاصحاب
فالصلة بين القرابة والصحابة: فيها متانة وصلابة، لان مبناها على المحبة والقرابة، وخير شاهد يدل على تعانق الآل والاصحاب معانقة الابدان للارواح، وقد شعّ في العالمين وظهرت فيه دلائل نور شمسه الوضّاح: تسمية ابنائهما بأسماء بعضهم الملاح، وما وقع بين الآل والاصحاب من النكاح.
ففي باب الاسماء قد بلغت المحبة بين القرابة والصحابة اسنى المطالب، وذلك يتجلى في تسمية آل البيت بعض ابنائهم السادة النجائب، باسماء بعض الصحابة من ذوي المكرمات والمناقب، كما هو مثبت في كتب جميع اهل المذاهب.
فدُونكم هذه الدرة السنية والتحفة اللطيفة، التي تعرفكم ببعض اغصان شجرة النسب الشريفة، ممن تسمى باسماء الصحابة المنيفة، وباسم صديقهم ابي بكر الخليفة.
فمنهم: ابو بكر: ابن علي بن ابي طالب، وابو بكر: ابن الحسن بن علي بن ابي طالب، وابوبكر: ابن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن ابي طالب، وابوبكر: ابن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين، وابوبكر: ابن عليّ الرضا بن موسى الكاظم، وغيرهم رضي الله عنهم.
فلو سألنا آل البيت الكرام: من هذا الرجل الذي نسبتم اليه هؤلاء الاعلام؟ لقال آل البيت الاطهار: سبحان الله، انه ابوبكر، الذي كان مع ابينا محمّدٍ صلى الله عليه وسلم (ثاني اثنين إذ هما في الغار)، انه ابوبكر، الذي واسى ابانا محمدا صلى الله عليه وسلم يوم اقامته ويوم ظعنه في الاسفار، انه ابوبكر، الذي زوج ابانا محمدا صلى الله عليه وسلم ابنته عائشة فلم ينكح غيرها من الابكار، انه ابوبكر، الذي جاور ابانا محمدا صلى الله عليه وسلم في قبره الذي في الدار.
كما ان من اغصان شجرة آل البيت الانجاب، المنحدر نسلهم الطاهر من علي ابي التراب، من تسمّى باسم الفاروق عمر بن الخطاب، (ان في ذلك لذكرى لاولى الالبب).
فمنهم: عمرُ: ابن علي بن ابي طالب، وعمرُ: ابن الحسن بن علي بن ابي طالب، وعمرُ: ابن الحسين بن علي بن ابي طالب، وعمرُ: ابن عليّ زين العابدين بن الحسين، وعمرُ: ابن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن عليّ زين العابدين، وغيرهم رضي الله عنهم.
فلو سألنا آل البيت الاطهار: من هذا الرجل الذي نسبتم اليه ابناءكم الابرار؟
لقال آل البيت الاخيار: سبحان الله، انه عمر، الذي اعز الله بن دين ابينا محمد صلى الله عليه وسلم بعد الخفاء والاستتار، انه عمرُ، الذي زوج ابانا محمدا صلى الله عليه وسلم ابنته حفصة الصائمة القائمة في الاسحار، انه عمر، الذي زوجه ابونا عليّ ابنته ام كلثوم طاهرة الازار، انه عمرُ، الذي ظفر في مضجعه في القبر بشرف الجوار.
ويا ليت شعر الشعراء: من يُنبئنا بمن تسمّى من آل البيت الاتقياء، المنحدر نسلهم من اهل الكساء، باسماء بعض الصحابيات اللاتي كملن من النساء، انه ورب الكعبة نبأ عظيم قد سطره يراع العلماء، حين ذكروا تسابق آل البيت إلى التسمّي باسم عائشة الصديقة المبرأة من السماء.
فمنهن: عائشة: بنت جعفر الصادق بن محمد الباقر بن عليّ زين العابدين بن الحسين بن عليّ بن ابي طالب، وعائشة: بنت موسى الكاظم بن جعفر الصادق، وعائشة: بنت جعفر بن موسى الكاظم، وعائشة: بنت عليّ الرضا بن موسى الكاظم، وعائشة: بنت عليّ الهادي بن محمد الجواد بن عليّ الرضا، وعائشة: بنت محمد بن الحسن بن جعفر بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن ابي طالب، وغيرهن رضي الله عنهن.
فلو سألنا آل البيت الابرار: من هذه المرأة التي نسبتم اليها بناتكم الاطهار؟ لقال آل البيت الاخيار: سبحان الله، انها عائشة، التي كان يتعاهدها بالهدايا في ليلتها من ابينا محمد صلى الله عليه وسلم المهاجرون والانصار، انها عائشة التي انزل على ابينا محمد صلى الله عليه وسلم براءتها من الافك وطهارتها من العار، انها عائشة التي قبض ابونا محمد صلى الله عليه وسلم في ليلتها وفي حجرها وكان يمرض عندها في الدار، انها عائشة التي اخبر ابونا محمد صلى الله عليه وسلم بأنها زوجه في الدنيا وفي دار القرار.
نسب ومصاهرة
معشر المحبين، لآل البيت الطاهرين:
هذه اشارة إلى ما وقع بين القرابة والصحابة من الاسماء، فلنشر إلى ما وقع بينهما من المصاهرة والابناء.
فقد زوج علي بن ابي طالب ابنه الحسن: بحفصة بنت عبدالرحمن بن ابي بكر الصديق رضي الله عنهم اجمعين.
وزوج علي بن ابي طالب ابنته ام كلثوم: لعمر بن الخطاب، فولدت له زيدا رضي الله عنهم اجمعين.
وكذا زوج علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن ابي طالب ابنه محمدا الباقر: بأم فروة بنت القاسم بن محمد بن ابي بكر الصديق، وولدت له جعفر الصادق رضي الله عنهم اجمعين.
لذا قال جعفر الصادق رضي الله عنه: (ولدني ابو بكر مرتين)
ومراده بذلك: ان منحدر نسله الطاهر ونسبه الشريف، يتدلى من جهتين من نسب ابي بكر المنيف، وذلك ان ام جعفر الصادق: هي ام فروة بنت القاسم بن محمد بن ابي بكر الصديق، وجدة جعفر الصادق لأمه هي اسماء بنت عبدالرحمن بن ابي بكر الصديق رضي الله عنهم اجمعين، فولد الصديق الصادق مرتين.
فلو سألنا آل البيت الاطهار: ما الذي حملكم على مناكحة هؤلاء الاصهار؟ لقالوا: سبحان الله، او لم يقل ابونا المصطفى المختار صلى الله عليه وسلم (تخيروا لنطفكم، وانكحوا الاكفاء، وانجحوا اليهم) اخرجه ابن ماجه من حديث عائشة رضي الله عنها.
أئمة الآل
ومن وفق لهذه المعارف من المومنين: علم ان آل بيت امام المرسلين، صلى عليهم وسلم رب العالمين، قد قيضهم الله تعالى للذود عن شرعه المبين، فنفوا عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.
وان ذروة سنام هؤلاء الأئمة الانجاب: علي بن ابي طالب ابو التراب، ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم، وزوج الزهراء فاطمة البتول.
ومن ائمة آل البيت: ابناه ابو محمد الحسن وابو عبدالله الحسين، ريحانتا النبي صلى الله عليه وسلم اللذان قرت بهما العين، ومنهم: ابن الحسين علي، زين العابدين الامام التقي ومنهم: ابنه ابو جعفر محمد بن علي الباقر، الذي بقر بإمامته في الدين العلم الزاخر. ومنهم: ابنه ابو عبدالله جعفر الصادق الفقيه، الامام الهمام النبيه. ومنهم: ابنه موسى الكاظم، الامام القدوة الحازم. ومنهم: ابنه علي الرضى، احد ائمة الهدى.
وقد نصر الله تعالى بهؤلاء الائمة هذا الدين، فأوضحوا بالحجة وبينوا بالمحجة حقيقة الايمان برب العالمين، وان الله تبارك وتعالى هو المستحق بأن يفرد بالتوحيد ويبرأ وينزه عن الشرك والتنديد، كما قال ابو جعفر الباقر رضي الله عنه: (ما من شيء اعظم ثوابا من شهادة ان لا إله إلا الله، لأن الله عز وجل لا يعدله شيء، ولا يشركه في الامر احد).
وقد اشتد نكير ائمة ال البيت على من صلى إلى قبور الاموات، او ذبح لهم القرابين طمعا في قضاء الحاجات، او دعاهم من دون الله تعالى في كشف الملمات، كما قال جعفر الصادق رضي الله عنه: (لا يكون العبد مشركا حتى يصلي لغير الله، او يذبح لغير الله، او يدعو لغير الله عز وجل).
وإياك والنذر لغير الله تعالى فانه محرم، فقد جاء الخبر عن ائمة ال البيت في النهي عن نذر المعصية فانه مجرم، كما قال جعفر الصادق رضي الله عنه: (لا نذر في معصية، ولا فيما لا يملك ابن آدم).
فإن كان هذا نهي ائمة آل البيت عن لبس السواد فما ظنكم بمن اجتمع للنياحة، لا جرم انه رد على هؤلاء الائمة نهيهم المغلظ واستباحه، كما قال ابو جعفر الباقر رضي الله عنه: (لما هم الحسين رضي الله عنه بالشخوص إلى المدينة: اقبلت نساء بني عبدالمطلب فاجتمعن للنياحة، فمشي فيهن الحسين فقال: انشدكن بالله ان تبدين هذا الامر، هذه معصية لله ورسوله).
فمن شق ثوبه وخمش وجهه بعد ما سلف: لم يبر لائمة ال البيت القسم والحلف، كما قال زين العابدين رضي الله عنه: (ان الحسين قال لأخته زينب: يا أختاه، اني اقسمت عليك، فأبري قسمي، لا تشقي علي جيبا، ولا تخمشى عليّ وجها، ولا تدعي عليّ بالويل والثبور اذا انا هلكت). فما احوجنا معشر الاخوة الاخيار، إلى قراءة تاريخ امتنا المعطاء، لنتعرف على فضائل وعلوم آل البيت الأطهار، لتلهج السنتنا بقول العزيز الغفار: (ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا ربنا انك رؤوف رحيم).
وليكن مسك الختام، معشر الاخوة الكرام: ترطيب السنتكم بكثرة الصلاة والسلام، على محمد خير الانام، امتثالا لامر الملك القدوس السلام، حيث قال في أصدق قيل وأحسن حديث وخير كلام: (ان الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).
اللهم صل على محمد وعلى ال محمد، كما صليت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم، في العالمين انك حميد مجيد.