القواعد الفقهية وتطبيقاتها التربوية
ان دراسة القواعد الفقهية يسرت ضبط فروع الاحكام العملية بضوابط تربط كل زمرة من هذه الفروع برابطة تجمعها وان اختلفت موضوعاتها وابوابها، ولولاها لبقيت الاحكام الفقهية فروعا متناثرة مشتتة.
وهذه القواعد مهمة للفقيه وللمفتي والمربي والداعية، وبقدر الاحاطة بها يعظم قدر كل من هؤلاء، ويظهر رونق الفقه، وتتضح مناهج الفتوى، وينكشف بالتعمق فيها تنافس العلماء وتفاضل الفضلاء.
وللقواعد الفقهية اهمية كبرى لا يستغني عنها كل مشتغل بالفقه وفروعه واصوله او بالدعوة ويتمثل ذلك فيما يلي:
1 - ان القواعد الفقهية توفر على الفقيه وقته وجهده، اذ بها يستطيع ضبط الجزئيات ومعرفة مسائل الفروع، لان مسائل الفروع كثيرة، واحكام الجزئيات منبثة في كثير من الابواب المختلفة ويصعب استدامة حفظها، لانها تتشابه في بعض الوجوه اما القاعدة الفقهية فإنها ايسر حفظا واسهل استحضارا لقلة الفاظها وإحكام صياغتها فهي غالبا ما تغني عن حفظ الجزئيات والمسائل.
2 - ان الفقيه عندما ينكب على دراسة القواعد الفقهية فإن ذوقه ووعيه الفقهي يكونان ناميين متجددين، يستطيع ان يرد بهذه الملكة الفقهية كثيرا من المسائل إلى اصولها التي تجمعها للعلاقة التي بها، كما يستطيع ان يربط ما يجد من مطالب لديه بأصولها، وبذلك يسهل على الفقيه معرفة هذه النوازل خصوصا اذا لم يكن للاقدمين بها عهد ولم يتكلموا فيها بشيء، والمسلمون احوج ما يكونون إلى أمثال هؤلاء الفقهاء الذين يبينون للمسلمين حكم الشريعة في النوازل الجديدة والقضايا المستحدثة.
3 - عند دراسة الفقيه للقواعد الفقهيه يستخرج اوجه التشابه في المسائل، فبذلك تتسع دائرة التطبيق العلمي لهذه القواعد، وربما نشأ عن ذلك قواعد جديدة فيثرى الفقه الاسلامي، ويجد الناس الحلول لكثير من القضايا الفقهية والمباحث الشائكة.
4 - كما ان من الفوائد التي تبين اهمية دراسة القواعد الفقهية انها تعطي صورة عن المذهب الذي كتبت فيه بحيث ان المتمرس بها وبفروع المذهب يوجد عنده تصور للمذهب يستطيع به ان يتعرف إلى مسائله ويدرك مراميه.
5 - تسهل على من يفهمها مهمة الدراسة المقارنة بين المذاهب الفقهية فتكون المقارنة بين القواعد الكلية لا بين الفروع الجزئية التي يتوه القارئ فيها.
6 - بمعرفة القواعد الفقهية يسهل على العالم ابطال دعوى اولئك الذين يغمطون الفقه الاسلامي حقه وينقصون من قدره، ويرمونه بانه حلول جزئية وليس قواعد كلية.
7 - ادراك مقاصد الشريعة، فبمعرفة القاعدة العامة يفهم مقصد الشريعة في ذلك، فقاعدة المشقة تجلب التيسير، يفهم منها ان رفع الحرج والتيسير على العباد مقصد من مقاصد الشريعة.
الجانب التربوي في القواعد الفقهية:
تسعى التربية، بكل وسائلها، إلى تحقيق هدف سام هو تغير سلوك الفرد لما ينبغي ان يكون مرضيا ومقبولا من المجتمع، وبهذا يمكن للتربية ان تغير المجتمع بأكمله لأن الفرد جزء من المجتمع فإذا تغير سلوك الفرد إلى الافضل والأقوم والاحسن، نكون بذلك قد خلقنا مجتمعا متفاهما متحابا متعاونا.
ولا يمكننا توجيه الافراد إلى فعل الاشياء او تركها إلا عندما نتعرف إلى الحكم الشرعي بالحل او الحرمة، وهذا ما يعطينا اياه الفقه، اذن من دون الحكم الفقي لا نستطيع توجيه الافراد إلى السلوك المرغوب فيه شرعا.
وبهذا يتضح ان هناك علاقة وطيدة بين الفقه والتربية اذ ان الفقه لا يكون قد اعطى نتائجه التربوية إلا اذا طبق في المجتمعات والتزمت هذه المجتمعات بالأحكام الفقهية النابعة من الكتاب والسنة وبهذا يكون هناك مجتمع مؤمن ملتزم.
مثال تطبيقي من القاعدة الفقهية
«من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه»
تعني هذه القاعدة ان التصرف غير الحكيم والاستعجال غير المشروع يفوت على صاحبه حقه، ويعاقب بحرمانه من اخذ هذا الحق الذي تعجل الحصول عليه في غير وقته مسببا ضررا لمن بين يديه هذا الحق.
أمثلة تطبيقيه على القاعدة:
هذه القاعدة عامة في احكام الدنيا والآخرة، وتدخل فيها مسائل كثيرة منها:
1 - اذا قتل مورثه، او من اوصى له بشيء فإنه يحرم من الميراث والوصية.
2 - لو طلق رجل امرأته ثلاثا بغير رضاها،- في مرض موته - قاصدا حرمانها من الارث ومات وهي في العدة، فإنها ترثه،
3 - الفار من الزكاة قبل تمام الحول بتنقيص النصاب او اخراجه عن ملكه تجب عليه الزكاة.
وكذلك في احكام الدنيا:
1 - فمن لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة.
2 - من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة.
ومن ترك شيئا له وتهواه نفسه عوضه الله خيرا منه في الدنيا والآخرة، فمن ترك معاصي الله ونفسه تشتهيها، عوضه الله ايمانا في قلبه وسعة وانشراحا، وبركة في رزقه وصحة في بدنه مع ماله من ثواب الله.
التطبيقات التربوية:
1 - يربى الطلاب على التأني في كل عمل يقومون به، فعلى سبيل المثال يجب ان يتأنى الطالب في الاجابة وقت الامتحان لأنه اذا استعجل واسرع في الاجابة عوقب بالحرمان من المستوى الذي يتمناه.
2 - يربى جميع فئات المجتمع على الاتقان والتأني في العمل وعدم الاسراع فيه.
3 - يربى الطلاب على اهمية الالتزام بالوقت المدرسي وعدم الهروب من المدرسة، لان الهروب والاستعجال قد يؤديان إلى فصل التلميذ، وهذا عقاب بحرمانه من المدرسة ومواصلة الدراسة نتيجة هروبه واستعجاله في انهاء اليوم المدرسي.
4 - تطبيق هذه القاعدة في حياة الناس يساعد على حقن دماء المسلمين والحفاظ على أرواحهم ودمائهم.
5 - ويولد الطمأنينة والراحة في النفس الانسانية وعدم الخوف من الاضرار بها.
6 - تهذيب النفس وضبطها بألا تقدم على فعل المنكرات ولا تنجر وراء الطمع والجشع لأن عقابها الحرمان من هذا الحق.
7 - تربي هذه القاعدة فئات المجتمع على التصرف الحكيم الفطن في البيع والشراء.
8 - تؤكد هذه القاعدة ان التشريع الحكيم من عند لطيف رحيم بالأمة فجزاء كل من يعمل لمصلحته ولنفسه تصرفا غير مشروع الحرمان من هذا الحق لأنه اضر بالآخرين.