ممدوح إسماعيل / خريف الطوارئ.. في باكستان

تصغير
تكبير



فجأة يوم السبت الموافق 3 نوفمبر 2007، وفي تصرف مفاجئ للعالم كله، أعلن الرئيس الباكستاني برويز مشرف إعلان حالة الطوارئ وتعليق العمل بالدستور، وقد أعقب القرار حملة اعتقالات شملت رموزا عديدة وكبيرة في المجتمع الباكستاني.وإن كان أبرز ما في حملة الاعتقالات والتصرفات الاستثنائية هو:

• تنحية رئيس المحكمة العليا الباكستانية افتخار تشودري وسبعة آخرين معه من قضاة المحكمة وتعيين آخرين مكانهم بعد رفض المحكمة إعلان الطوارئ.

• القبض على عدد كبير من المحامين وصل في أحد التقارير الصحافية إلى 1500 محام.

 • وضع القاضي حسين أحمد زعيم الجماعة الإسلامية رهن الاحتجاز والإقامة الجبرية في منزله، واعتقال عدد كبير من أنصاره وصل إلى 700 شخص. وعقب هذه التصرفات شهدت باكستان حالة من الغليان والاضطرابات لا يستطيع أي من المراقبين التكهن بما ستؤول إليه الأمور في باكستان، ولكن الجميع مجمع على أن حكم الرئيس برويز مشرف يشهد حالة ضعف وانهيار لا مثيل له. ولكن البعض يستغرب تفاقم الأوضاع سياسيا إلى هذا الحد خصوصاً بعد أن شهدت الأيام السابقة مخرجا سياسيا لحكم الرئيس مشرف باتفاقه مع بنظير بوتو زعيمة حزب الشعب وعودتها لممارسة العمل السياسي مقابل تأييد مشرف لولاية رئاسة ثانية.

وقد توقع البعض أن يهدئ ذلك الاتفاق الأحوال السياسية المضطربة في باكستان،  ولكن خابت هذه التوقعات منذ وصول بنظير بوتو إلى باكستان فرغم الاستقبال الشعبي الذي حظيت به إلا أنها أيضا استقبلت باعتراضين خطيرين:

• استهداف موكب وصولها بانفجارات أدت إلى قتل كثير من الأبرياء، ما كشف عن وجود معارضة قوية لها لا ينبغي التقليل منها مطلقا.

• الاتهامات المتعلقة بها بالفساد لم ترفع في ظل قضاء يحاول أن يثبت وجوده واستقلاله وعدالته في بحر أحداث مضطرب.

ولكن الحقيقة التي غابت عن هؤلاء أن الواقع الباكستاني كان مرشحا لأكثر من ذلك لأسباب كثيرة متداخلة:

أولها: أن الرئيس الباكستاني منذ وصوله إلى الحكم عن طريق انقلاب عسكري العام 1999 أطاح فيه بحكومة نواز شريف لم يحظ بأي تواجد شعبي، واعتمد على المؤسسة العسكرية فقط في توطيد حكمه.

ثانيا: جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر بكل تداعياتها بحرج بالغ على باكستان جارة أفغانستان وحليفة حكم طالبان المتهمة بالمشاركة في تلك الاعتداءت، فما كان من الرئيس الباكستاني إلا أن وضع باكستان كلها في خدمة الولايات المتحدة الأميركية في حربها على ما يسمى الإرهاب.

وهي الحرب التي اختلطت فيها الأمور، فوضع الإسلام والمسلمون مع المتهمين بالأحداث في سلة واحدة في مرمى النيران الأميركية، فاضطرب الداخل الباكستاني الموالي إسلاميا وعرقيا للأفغان.

 وشهدت مناطق القبائل بوزيرستان وبيشاور ومناطق عديدة معارضة شديدة ضد سياسة الرئيس مشرف ما عرضها إلى حملات عسكرية خاصة وزيرستان التي سقط فيها الكثيرون قتلى وجرحى.

 ومن ناحية أخرى تعرض الرئيس الباكستاني إلى محاولات اغتيال عديدة.

وشهدت الشهور الأخيرة قبل إعلان حالة الطوارئ الاضطراب التام في حكم الرئيس برويز مشرف، كان أبرزها:

• إصداره قرار اقتحام المسجد الأحمر ما أوقع المئات من القتلى والجرحى، وهو قرار كان عدائيا لمشاعر المسلمين في بلد يمثل المسلمون 90 في المئة من الشعب ويعتمد الحكم فيه على الدين الإسلامي كركيزة أساسية.

• تنحية رئيس المحكمة العليا افتخار تشودري ثم رجوعه تحت ضغط القضاة والمحامين.

• منعه نواز شريف من دخول باكستان في الوقت الذي سمح لبنظير بوتو بدخول البلاد عكس لدى الشعب قناعة بضعف الرئيس وأن سياسة الحكم في باكستان تدار من خارج باكستان.

ويبقى أن قرار إعلان الطوارئ قرار استباقي من الرئيس الباكستاني فقد كان من المقرر صدور حكم المحكمة العليا في 6 نوفمبر بشأن الطعون المقدمة في ترشحه للرئاسة.

ويبدو أنه علم مسبقا بالحكم فسارع بالالتفاف عليه رغم معرفته بمدى قلق الغربيين من إعلان الطوارئ وتعليق العمل بالدستور.

إلا أنه اعتمد على ما يبدو على طمأنتهم بما قدمه في خطاب القرار بازدياد خطر التطرف والإرهاب وهي الفزاعة التي يخشاها الغرب، لذلك كان واضحا في تعليقه بقوله: «أرجو أن يتفهم أصدقاء باكستان الغربيون».

وأخيرا أن الغرب يتفهم الرئيس الباكستاني جيدا بل ويدعمه رغم الاعتراضات الشكلية على تعليق الدستور. فالغرب والولايات المتحدة الأميركية لا يهمهم حرية الشعب الباكستاني بقدر ما يهمهم مصالحهم ووجود من يرعاها في باكستان ولكن خريف الطوارئ في باكستان لا يستطيع أحد التنبؤ بما سيسقط فيه، هل تسقط الأوراق فقط أم تسقط الأشجار أيضا في رياح مفاجئة؟


ممدوح إسماعيل

محام وكاتب مصري

[email protected]

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي