متى يبدأ الطفل بالمحافظة على الذكريات؟
حاولت أن أجد إجابة ولكن أي سن تذكرها للناس يبدأ الكل بالتشكيك بها وأنهم يذكرون ويتذكرون أحداث مرت بهم قبل هذه السن الذي ذكرتها لهم وكأن هذه الأحداث التي يذكرونها ليست أحداثاً ذكرت لهم من الاهل وهم كبار، لذلك أعتقد أنني أتذكر أحداثاً مرت بي وأنا عمري إما يوما أو يومين وبذلك لا أحد يستطيع أن ينافسني بهذه الذاكرة فأنا لن أصرف أي أموال، ومع ذلك دخلت الموسوعة العالمية وأيضا من دون أي تعب ولكن المشكلة أنني أخاف من عيون الناس.
العين والحسد؛ يمتاز الناس باستغلالهما أشد الاستغلال
أي نصيحة وأي انتقاد هو حسد صريح حتى قبل أن يفكروا أو يستوعبوا القصة
فكم من أفكار رائدة تستحق الاحترام والتطبيق أبيدت وتم نسفها بسبب روح الحسد السائدة والاتهام بالمصلحة من وراء الفكرة......
انشغلنا بالتفكير بالحسد عن العمل والتطور
اعلم يا هذا أن سبب النجاح والتطور هو الإخلاص والاجتهاد وقبل ذلك الإقدام على العمل من دون النظر للذين يحاولون التحبيط من الهمة، إلا القليل من آراء الناس التي تنتقد بإخلاص وموضوعية وهم قلة ولكنهم موجودون دائما بالقرب منك أينما كنت، فقط التفت حولك أكيد ستجدهم.
و بما أننا نتكلم عن الذاكرة فإنني سأذكر قصتي أو ذاكرتي عن أبي، فكما أذكر أن أبي كان مسالماً منذ أن كنت صغيراً.
كنت أذكر أن الكل من وجهة نظري كان يأخذ حق أبي بسبب ضعفه المستغرب عندي ولكن أبي كان يفسر ذلك لي على أنه تطبيق القانون!
كان كل من كان في «الفريج» الذي نعيش به يأخذ حق أبي من منظوري الذي أرى وأقيس به الاشياء، ولكن كان هناك اثنان من أهل الفريج شديدي الاحترام لأبي ويستمعان لكلامه بكل إنصات واهتمام.
المهم أني كبرت وكبرت عقد استسلام ابي وبوجهة نظري ضعف أبي
كان أبي أباً حنوناً عطوفاً رؤوفاً بالكل وخاصة بي وبأخوتي.
كنت دائما أتمنى أن يكون أبي قويا أفتخر به أمام أصدقائي في «الفريج» والمدرسة
ولكن بوجهة نظري لم يكن قويا أو حتى يتظاهر بالقوة.
والحق يقال كان أبي يحب تطبيق القانون ويعشق احترام القانون ويتضايق جداً عندما يرى أن هناك من لا يحترم القانون.
ولأنني كنت أعتقد أن أبي ضعيف ويحب احترام القانون فقد أصبحت لديّ قناعة أنني يجب ألا أحترم القانون لأظهر للكل قوتي.
نعم أريد أن أظهر قوتي بعدم احترام القانون وعدم احترام حقوق الآخرين، أي باختصار أحاول أن أكون عكس أبي لاقنع الناس ونفسي أنني قوي.
كبرت وكبرت معي هذا القناعة ولا يكسر هذا القناعة سوى هذين الجارين اللذين يوماً بعد يوم استغرب حبهما لابي ومدى احترامهما له.
من شدة دهشتي سألت احدهما يوما عن سر حبه لأبي فأجاب باستغراب شديد ألا تعلم من هو أبوك.
لم أستوعب ما يقول هذا الجار أبداً.
ووجهت له سؤالا مباشراً هل ابي ضعيف وجبان لذلك فهو يحب تطبيق القانون؟
ضحك هذا الجار وقال يا ابني انك تحاول ان تستهزئ بي وفجأة غضب وتركني وهو يتمتم بكلمات لم أستوعبها!
المهم شققت طريقي الخاص بي والذي كان قائماً على عدم احترام القانون، فأنا وأصدقائي على قناعة أن احترام القانون للضعفاء فقط.
للحق كان أبي يحاول وبإصرار غريب على إقناعي ان مفهومي عن القوة والضعف خاطئ وأن احترام القانون يمثل القوة ويمثل الحق ولكن كما قلت لكم من قبل فان اقناعي بهذه الفكرة صعب للغاية، فأنا وأصدقائي الشباب لدينا قناعات خاصة بنا.
اشتركت مع أصدقاء بأحد الاندية المتخصصة في بناء العضلات لاظهار قوتنا للجميع.
فعلنا كل شيء لبناء العضلات من لعب الحديد ورفع الثقال إلى اخذ الادوية الممنوعة وغير الممنوعة لبناء العضلات ولم نهتم ببناء الاخلاق، فاحترام الناس وإعطاء الناس حقوقهم من صفات الجبناء والضعفاء!
في احد الايام دخلت البيت والخوف، نعم الخوف يمتلكني وأطرافي ترتجف من شدة الخوف وقلبي يضرب بسرعة غريبة لم اعهدها من قبل ابدا.
سألتني امي ما بك. لماذا يبدو وجهك هكذا؟
كانت جالسة مع أبي.
الحق أقول لكم كنت خائفا ان أقص ما بي امام ابي لانني على قناعة ان أبي جبان ويحصل مالا تحمد عقباه إن أخبرته.
حاولت ان اتهرب من الاجابة، ولكنها أصرت ان اخبرها بالقصة او بحكايتي أمام ابي.
بدأت بالكلام وبدأت اسمع صوت اسناني واحس بالعرق وضيق النفس من شدة خوفي وابي يحاول أن يهدئ من روعي.
قلت لهم إن عصابة تتكون من اربعة أشخاص او اكثر تحتجز جارنا وأبناءه الآن، وهي عصابة مسلحة اشتهرت أخيرا، وأنها عصابة تاريخها الإجرامي بشع للغالية وخصوصا في القتل.
قلت «القتل»، والخوف يتملكني وأعصابي بدأت تنهار وكلماتي بالكاد اصبحت مفهومة.
و قلت لهم ان الشرطة وقوات الامن تحاوط «الفريج» ولكن العصابة تهدد بقتل كل من في البيت الآن، وأن قوات الامن لا تستطيع اقتحام المنزل لشدة تجهيزات هذه العصابة ومعرفتهم بشراسة ردة فعل العصابة.
قالت امي أهي نفس العصابة التي قتلت اصحاب المنزل في المنطقة المجاورة لنا قبل اسبوع من اليوم؟
ازداد خوفي وتيقنت ان الموت قريب مني للغاية.
اختفى أبي تماما بينما امي تتكلم ولم استوعب أين هو الان، لكنني لمت نفسي لاني اخبرته فقد يموت من الخوف!
ضمنتي أمي إلى صدرها ووضعت يدها على رأسي وبدأت بقراءة القرآن لتهدئ من روعي وتذهب الخوف عني ولم تهتم اين ابي!
أيقنت عندها ان الام تخاف وتحب ابناءها اكثر من زوجها وإلا لماذا لم تسأل عن ابي؟
فجأة سمعنا إطلاق نار كثيف جدا ويبدو انه إطلاق نار متبادل وازداد خوفي،
صوت اطلاق النار يزداد ويهدأ قليلاً ولكنه مخيف للغاية.
صمت رهيب وبعدها أصوات كثيرة ومتعددة وسمعت أصوات الفرح فجأة.
تركت حضن أمي وركضت لأرى كيف حررت قوات الامن الرهائن.
عند باب البيت الذي كانت العصابة تحتجز الرهائن فتح الباب واذا برب البيت وزوجته وابنائه الصغار يخرجون من الباب سالمين، وزوجة صاحب البيت سعيدة وتهلل بصوت عال جدا وتشكر الله وتشكر.
فجأة ظهر شخص أعرفه جيدا وكان بهيئة غريبة عليّ، كان بيده سلاح اتوماتيكي وعلى خصره بندقية، وحول صدره أحزمة الرصاص، وعلى فخذه اليمنى كان هناك حزام حامل لسكين... إنه ابي إنه ابي... إنه ابوي.
نعم إن ابي هو من حرر الرهائن قتل ثلاثة من اعضاء العصابة وأصاب الرابع وقام بتربيطه.
إنه ابي وجارنا الشديد الاحترام لأبي الذي ذكرته لكم من قبل هما من قاما بكل شجاعة باقتحام المنزل لوحدهما بالتنسيق مع رجال الامن.
شجاعة قلما وجدت
احتضنت أبي بشدة لم أفعلها من قبل.
أحسست انني اليوم أولد، أو قُل إن ذكرياتي بدأت من اليوم، واحترامي للقانون والمحافظة على حقوق الاخرين قد بدأ من اليوم.
لا تنتظر يوماً كهذا مثلي وابدأ بتطبيق القانون. وعش أحلى الذكريات.