ذكرياته الجميلة تغيب خلف الركام

سوق الحريم بإطلالة «محروقة» ... يحرق قلوب النساء

تصغير
تكبير
| كتب محمد صباح |

بمكانة لا تليق بمكانته، يربض سوق الحريم على الاطلال في اطلالة محروقة... وحارقة لمن فتن يوما بحضوره المميز ضمن الموروث الكويتي التقليدي.

ولكن رغم ذلك، لايزال سوق الحريم محتفظا بذلك الموقع الذي انشأ عليه قديما متمسكا برمزية المكان الذي يظهر اليوم خاليا من «صويحباته» اللائي... تركنه يتيما الا من عبق الماضي، ورائحة تفوح بين حنايا تلك البسطات التي تم تطويرها بعد ان هجرنها نسوة تركن طابعا واسما واشياء باتت من الذكرى والذكريات.

بين تلك الممرات الضيقة في سوق الحريم في منطقة الدهلة، تتقلب الذكريات وتدور رحاها الطاحنة لذلك الماضي الجميل الذي هبت عليه رياح النسيان مبعثرة صفو المكان الذي كانت «بسطاته» على بساطتها كأطفال في أحضان أمهاتهم يعتنيين بهم لعلها تعبر بهم ضنك عيش أو ذل سؤال كما لو انهن يرونها معيلا ومعينا على تقلبات الزمن الذي كانت عجلة تقلباته أسرع من أحلامهن.

في «الأمس كانوا هنا واليوم قد رحلوا»، اذ تركن حنايا السوق قصصا وحكايات لا يزال يرددها كبار السن كلما مروا من هنا تجذبهم اليها ذكريات معتقة برائحة «الحنة» و«الرشوش» وغيرها من أدوات الزينة البسيطة التي كانت رأسمال وســـــلع النــــسوة الــــتجارية ممن كن يعرضنها في ذلك السوق.

ذكريات سوق الحريم لاتزال عالقة في زوايا المكان وأخرى، احترقت مع أخشابه التي امتدت لها آلسنة اللهب في السنة الماضية، لكن زوار اليوم يعتصرهم الألم حين يرون هذا الصرح الشعبي قد تحول مرتعا للقطط الباحثة عن قوتها بين أكوام النفايات المتراكمة والمنتشرة في الجزء المحترق منه والممرات الجانبية له.

غياب الكثير من النسوة يوما اثر يوم عن البيع في هذا السوق لربما له أسبابه الطبيعية، فبعض تلك الأمهات رحلن عن هذه الدنيا، وبعضهن انتفت حاجتهن للبقاء فيه مع تطور الحياة، الا ان الأمر المؤلم ان تمنع الراغبات بهذا العمل العودة الى بسطاتهن.

عام مضى أو أكثر على تطوير السوق من قبل الدولة عبر وضع مظلات جديدة وتحسين مستوى البسطات التي حملت طوال تاريخ طويل تلك النسوة اللاتي قضين سنين عمرهن بحثا عن رزقهن المرتبط في هذا المكان، الا ان الجهة المسؤولة عن توزيع البسطات يبدو انها نسيت عن قصد أو غير قصد توزيع تلك البسطات منذ ان تم الانتهاء منه

وكما لو ان «الجميل غالبا مايتلاشى نتيجة عدم الاهتمام في كثير من الآحيان فان الحريق الذي تعرض له السوق في الصيف الماضي جاء ليكتب حتى الان نهاية لهذه القصة الجميلة، حيث امتدت ألسنة اللهب المستعرة الى جزء كبير من السوق محولة المكان خرائب منتشرة في أكثر من ركن فيه».

ولعل غياب البلدية أو الجهة المسؤولة عن المكان أيا كانت وعدم القيام بدورها الكامل في المحافظة عليه وتنظيفه وازالة الأخشاب التي تساقطت من سقف ومظلات السوق بعد احتراقها، أدى الى تراكم مخلفات الحريق على جانبي ممرات السوق من ذلك الوقت وحتى اللحظة الأمر الذي حول المكان الى خرائب ومزابل متوزعة هنا وهناك.

الاهمال وترك المخلفات منذ فترة طويلة دفع البعض من أصحاب المحال المجاورة أو بعض زوار السوق الى رمي مخلفاتهم فوق الأخشاب المحترقة المركونة في جانبي الطريق ما جعل المكان مرتعا للكثير من القطط الباحثة عن الطعام بين ركام المخلفات في حين ان المفترض اعتبار هذا المكان معلما تاريخيا يعبر عن تاريخ وأصالة ساهم في صنعها أمهات وضعن لهن اسما في سجل مشرق حملهسوق الحريم منذ زمن بعيد

وتبد دول العالم اهتماما ملحوظا بمعالمها ومبانيها التي تعبر عن تاريخها محاولة بشــــتى الطــــرق ابرازها ووضعها على خارطة المعالم السياحية، الا ان الوضع في الكويت كما يرى كثيرون «مختلف... فلا اهتمام واضح ولا متابعة دورية لمثل هذه الأماكن الســــياحية الامر الذي يتطلب الالتفات الى هذا المعلم محاولة لتدارك ما يمكن تداركه من أعمال الاصلاحات وازالة الأخشاب ومخلفات الحريق وسرعة توزيع البسطات على النساء اللاتي يرغبن في ممارسة مهنة البيع في السوق وتشجيعهن على العودة الى هذا النشاط».



الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي