«المكمن الجردي» يعتمل على خط عرسال ومحيطها ومساعٍ فوق العادة لتفادي الفتنة

مخاوف متعاظمة في لبنان من... «السوْرنة»

تصغير
تكبير
| بيروت - «الراي» |

يعيش لبنان هذه الأيام في «حقل ألغام» لا يكاد ان يفكّك أحدها حتى ينفجر الاخر، في مشهدٍ يشكّل امتداداً لوقوفه على «فوهة بركان» الأزمة السورية التي صارت تتحكّم بواقعه السياسي والأمني المفتوح على احتقانات بوليتيكو - مذهبية حوّلت «بلاد الأرز» دولة «هاربة» الى الأمام، الى «فراغات» مؤسساتية تنذر بانهيار الاستقرار الهشّ والسقوط في الهاوية.

وأوشك لبنان اول من امس ان يقع في «المكمن المذهبي» الذي نُصب في المنطقة الجردية بين بلدتي القاع وعرسال وأودى بأربعة اشخاص وحوّل منطقة البقاع بقعة «غليان» تداخلت فيه العوامل السياسية والعشائرية والمذهبية ودفع لبنان أكثر الى «فم» الفتنة التي تطلّ بـ «رأسها» من سورية.

واستدعى إمرار يوم تشييع الشبان الشيعة علي كرامي جعفر، ومحمد علي احمد جعفر، وحسين شريف امهز، الذين قضوا مع علي توفيق اوغلو (تركي والدته لبنانية من آل سيف الدين)، على خير، استنفاراً سياسياً وعسكرياً استثنائياً لتفادي اي ردات فعل ثأرية من شأنها إشعال جبهة عرسال السنية ومحيطها الشيعي الذي يشكل البيئة الحاضنة لـ «حزب الله» والداعم بغالبيته الساحقة للنظام السوري.

وفيما كانت الانظار شاخصة على بلدات القصر واللبوة وسهلات المي في البقاع الشمالي التي شيّعت الشابين من آل جعفر وامهز، بلغت المخاوف من انفجار «القلوب المليانة» بين عرسال، التي اتُهمت بايواء القتلة، ومحيطها حد التفكير في إمكان اعلان هذه الرقعة من البقاع منطقة عسكرية بهدف قطع الطريق على انزلاق الامور نحو الحريق الكبير.

ومن خلف غبار «مكمن الجرود» الذي وقع في وادي رافق الذي يعد معبراً غير شرعي بين لبنان وسورية واستهدف الشبان الاربعة، أثارت دوائر سياسية علامات استفهام حول جغرافية الحادث وتوقيته وسرعة ربطه بمنطقة عرسال التي سارعت الى استنكار الجريمة والتبرؤ منها.

وتبدي هذه الدوائر خشية من ان يكون ثمة خطة لايقاع عرسال في فخ الصدام مع جوارها ضمن إطار «مكيدة» الهدف منها الغاء دورها المساند للمعارضة السورية والذي تؤهلها للقيام به جغرافيتها التي تربطها من خلال حدودها الجنوبية بيبرود والنبك التي تطل عبرها ايضاً على طريق دمشق الدولي وصولاً إلى العاصمة السورية، في حين تتصل من خلال جردها الشمالي بأطراف ريف القصير، وعبر مشاريع القاع «التوأم» لها في السياسة والديموغرافيا، بقرى الشريط السني في ريف القصير. علماً ان الثوار السوريين مازالوا يعتبرون عرسال «رئة» إسناد في معاركهم للحفاظ على شريط القرى التي مازالوا يحتفظون بها والمحاذية لسلسلة جبال لبنان الشرقية.

وقد خطف حادث البقاع الذي جاء بعد ايام على قتل ابن عرسال علي احمد الحجيري في جرود الهرمل، الاضواء من الملفات السياسية التي تعيش مراوحة ولا سيما في موضوع تشكيل الحكومة الجديدة الذي ينتظر «الضربة القاضية» التي يرتقب ان تُسدد اليوم للطعنين بقانون التمديد للبرلمان لسنة وخمسة اشهر واللذين تقدم بهما امام المجلس الدستوري رئيس الجمهورية ميشال سليمان والعماد ميشال عون، اذ يتوقع ان تشهد جلسة الدستوري الثالثة اليوم لبت الطعنين تكرار سيناريو الاجتماعين السابقين اي تطيير النصاب من خلال تغيب العضوين الشيعيين والعضو الدرزي بإيعاز سياسي من الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط لضمان عدم إسقاط التمديد، وسط محاولات صعبة كانت مستمرة لضمان تغيير احد اعضاء «الدستوري» السبعة المؤيدين للطعن موقفهم والتحاقهم بموقف الثلاثة المقاطعين (الرافض لقبول الطعن) بما يؤدي الى عقد جلسة اليوم وسقوط الطعن وفي الوقت نفسه إنقاذ المجلس الدستوري الذي ينص قانونه على انه اذا تغيب اي عضو فيه لثلاث جلسات من دون عذر شرعي يُعتبر مستقيلاً الامر الذي يعني «نسف» اعلى هيئة قضائية في لبنان.

وفي حين لفت بيان قيادة الجيش اللبناني التي دعت إلى «التعالي على الجراح وضبط النفس»، مؤكدة أن الجيش «لن يسمح لأي كان باستغلال الحادث الأليم وضرب الوحدة الوطنية وتقويض ركائز العيش المشترك في المجتمع الواحد»، تابع رئيس الجمهورية «المجزرة التي ارتكبت في المنطقة الجردية بين بلدتي القاع وعرسال» اذ تشاور مع رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي في «الاجراءات المناسبة لحماية المواطنين والدفاع عن سيادة لبنان ضد الاعتداءات المتأتية من الاطراف كافة»، كما اطلع من قائد الجيش العماد جان قهوجي على ما توافر من تفاصيل حول «المجزرة» وضرورة «التشدد في ملاحقة مرتكبيها واتخاذ التدابير الآيلة الى ضبط الوضع وإبقائه تحت السيطرة».

وكانت الاتصالات التي تلت مقتل الشبان الاربعة تركزت مع فاعليات بلدة عرسال، على تسليم الجناة إلى السلطات الأمنية اللبنانية لتجنب ردات الفعل. ورغم بيان أهالي البلدة الذي تبرأ من القتلة، وشدد على حسن الجوار بين البلدة ومحيطها، فان هذا الموقف اعتُبر في نظر القيادات المحلية في «حزب الله» غير كافٍ، وهو ما عاد وكرره  رئيس بلدية اللبوة رامز أمهز الذي دعا الى المساعدة لتسليم القتلة، محذراً من لجوء الأهالي إلى أخذ حقهم بيدهم.

ويذكر ان قيادتي حركة «أمل» و«حزب الله» ونواب منطقة بعلبك - الهرمل اصدروا بياناً اتهم «بعض المأجورين بارتكاب الجريمة، بهدف إشعال الفتنة في المنطقة تحت ذرائع وعناوين مصطنعة»، معتبرين أن «تقصير الدولة على هذا الصعيد، يدفع بالفتنة قدما، لذا فإن على الدولة تحمل مسؤولياتها بحزم وقوة من خلال المسارعة فورا لمعالجة الموضوع والضرب بيد من حديد على أيدي المجرمين القتلة وتوقيفهم ومحاكمتهم وإنزال أشد العقوبات الرادعة بهم حفظا للبلاد والعباد».

وفي حين تحرك «حزب الله» عبر قياديين فيه على الارض باتجاه عائلتي جعفر وأمهز لضبط اي ردات فعل، اكد رئيس بلدية عرسال علي الحجيري «أننا لا نعرف المسؤولين عن حادثة جرود بعلبك، وقد جرت الحادثة بعيدا عن عرسال وأبناء اللبوة يعرفون أكثر منا أسباب الحادثة»، قائلا: «عندما يثبت أي شيء علينا فأهلا وسهلا بهم»، متوجها إلى أهل القتلى بالتعزية.

وبرز موقف لرئيس «كتلة المستقبل» فؤاد السنيورة استنكر فيه «الحادث الاجرامي المشبوه الذي استهدف المواطنين الاربعة» معتبراً أنّ «هناك من يدس الدسائس ويعمل بشكل واضح لجر لبنان ومنطقة البقاع الى الفتنة بين أهل البيت الواحد بدليل تكرار الحوادث المشبوهة في منطقة البقاع ولا سيما في محيط بلدة عرسال».

كما اعتبر السنيورة «أنّ الجريمة واضحة المعالم والخلفيات والمسؤولية الاساسية تكمن في تفاعل هذه الأجواء المتشنجة التي تفتح الباب لافتعال واستغلال مثل هذه الأحداث الناجمة عن مشاركة حزب الله في القتال الى جانب النظام السوري ما يستجلب الكثير من الشرور نحو لبنان واللبنانيين».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي