بروفايل / ولعه بلعب كرة القدم أصابه بجرح بالغ حرم الكثيرين منه

أسطورة «الريغي» بوب مارلي ... لا يزال ينبض في قلوب عشاقه

تصغير
تكبير
| إعداد - علاء محمود |

تصادف اليوم الذكرى الـ 33 لرحيل المغني روبرت نيستا مارلي الشهير بلقب «بوب مارلي»، الذي أبصر النو في قرية «سانت آن» شمال جامايكا من والد أبيض البشرة كان يعمل ضابطاً في البحرية البريطانية يدعى الكابتن «نورفال مارلي»، وأم جامايكية تزوجت من والده عندما كانت بعمر الثمانية عشر عاماً وهي «سيديلا بوكر».

قبل أن يكمل عامه الأول اضطر والده إلى هجره وأمه نظراً لاستمرار معارضة عائلته لهذا الزواج، وأيضاً بسبب أن هذا الزواج أدى إلى فصله من الجيش البريطاني، وهنا بدأت معاناته وأمه التي انتقلت في عام 1957 إلى العاصمة الجامايكية «كينغستون» بحثاً عن عمل يعيلها، فسكنا في ضواحيها الفقيرة بمكان يدعى «ترينش تاون». وفي أقّتها وشوارعها الضيقة احترف مارلي الذي كان قد بلغ الثانية عشرة من العمر «قراءة الكف» كمهنة يكسب منها قوت عيشه هو وأمه، وبنفس الوقت كان يمنح نفسه الوقت الكافي لممارسة هوايته بالاستماع الى الموسيقى خصوصاً أغاني «راي تشارلز» عبر الاذاعات الاميركية التي كان يصل مداها جامايكا، فتعرّف على بعض الصبية الذين شاركوه هذا العشق.

ومع مرور الأيام تزوجت والدته مجدداً وانتقلت إلى الولايات المتحدة الأميركية وتحديداً ولاية «ديلاوير» مع زوجها الجديد، لكنها لم تنس ابنها الوحيد إذ استطاعت جمع بعض المال لشراء تذكرة سفر أرسلتها له كي يلحق بها آملةً أن يحصل على عمل أفضل له في الولايات المتحدة، لكن قبل سفره تعرف مارلي إلى فتاة أعجبته تدعى «ريتا أندرسون»، فتزوجها في 10 فبراير من عام 1966 ثم سافر معها إلى أميركا، هناك عمل مارلي كعامل نظافة في فندق «دوبونت» حيث كان يمسح الأرض، بعدها وجد عملاً اخر في مصنع سيارات «كرايسلر» فالتحق به بالفترة المسائية، في سبيل توفير المال الكافي لمواصلة طموحه الوحيد بالموسيقى.

خلال فترة عمله في المصنع، تعرّف عن قرب على حركة «المطالبة بالحقوق المدنية للسود» في الولايات المتحدة، فشاهد بعينيه المعاملة العنصرية القاسية التي يتعرض لها السود، ما ترك أثراً عميقاً في نفسه انعكس في أغانيه لاحقاً مثل أغنية جندي «Buffalo Soldier».

وبعد ثمانية أشهر عاشها مارلي في الولايات المتحدة عاد مرة أخرى إلى جامايكا وكان ذلك في شهر أكتوبر للعام 1966، فأعاد تكوينقة «The Wailers» التي ضمّت من الأعضاء القدامى والجدد أيضاً.

البداية الفنية

في عام 1962 تقدّم مارلي البالغ من العمر السادسة عشر ربيعاً إلى اختبار استماع مع المنتج «ليزلي كونغ» الذي أُعجب بقدراته وأنتج له أول أغنية بعنوان «Not Judg»، فلاقت نجاحاً متوسطا وقتها، بعد ذلك تلتها أغنيتان لم تنجحا أبداً. وهنا رأى مارلي أنّ الوسيلة الوحيدة لتحقيق طموحه ستكون من خلال تكوين فرقة موسيقية خاصة به، وفعلاً كان له ذلك من خلال فرقته «The Wailers» مع خمسة من أصدقائه التي اختار لها موسيقى «الريغي» كخط تمتاز به، حيث كان يتصدى بنفسه إلى كتابة وتلحين الأغاني، ثم يغنيها مع بقية الأعضاء. وبعد مرور عام فقط على إطلاق أول أغنية له، وافق المنتج «كلمنت دود» بعد تجربة استماع على إنتاج تسجيلات خاصه بفرقته، ومنها أغنية «Simmer Down» التي تصدّرت المبيعات في جامايكا فور صدورها، وفي السنوات القليلة التالية أصدرت فرقته أكثر من ثلاثين أغنية حققت نجاحاً كبيراً. ويكمن سر نجاح مارلي الساحق في بساطة كلماته وأهمية الرسالة التي تنشرها وهي التمرد على الظلم، العدالة، الحرية، السلام، محاربة الفقر، والحب بكل أنواعه. إذ لم يكن ذلك كلاماً مجانيا رخيصاً يقال في أغنياته فقط، بل عمل متحقق أيضاً علي أرض الواقع. فقد قال عنه رئيس منظمة العفو الدولية جاك هيلي مقولة وهي «حيثما ذهبت، وجدت بوب مارلي رمزاً للحرية». كما قال منتج أعماله كريس بلاكويل « لقد كان بوب في وقت من الأوقات مسؤولاً عن إطعام 4000 فقير تقريباً في جامايكا».

موسيقى «الريغي» التي نشأت في جامايكا في ستينات القرن العشرين، لم يكن لها أن تنتشر وتكتسب أهمية عالمية لولا جهود مارلي، وكلمة «ريغي» تعود إلى أصل إسباني قديم وتعني «ملوك الموسيقى».

الانفصال... ورحلته وحيداً

رغم النجاح المحلي الجيد في جامايكا الذي حققته فرقة «The Wailers»، إلاّ أنها لم تستطع الاستمرار إذ ان دخلها المادي من التسجيلات في ذلك الوقت قليلاً جداً، لذلك اضطر ثلاثة من أعضائها للهجرة إلى أميركا بحثاً عن فرص أفضل لكسب العيش، وبهذا انهارت الفرقة تماماً، لكن ذلك لم يحبط مارلي أبداً، إذ تعاقد بوب مع المنتج «لي بيري» الذي استطاع بفراسته أن يلمح النزعة التمردية في أغاني «The Wailers» التي توقع لها النجاح، فنتج عن هذا التعاون أروع الأغاني التي أصدرتها فرقة «The Wailers» منها «Soul Rebel» و«Small Axe»، وهكذا واصلت الفرقة نجاحها داخل جامايكا ولكنها بقيت مجهولة عالمياً.

وفي صيف العام 1971 دعا المغني الأميركي جوني ناش صديقه مارلي ليرافقه في جولة غنائية بالسويد، إذ كان مارلي يكتب له كلمات الأغاني التي لاقت نجاحاً جيداً، وهناك في السويد استطاع مارلي توقيع عقد موسيقي لإحياء حفلة في لندن.

وعند ذهب إلى لندن كان هاجس العالمية يشغل تفكيره، وفي محاولة يائسة منه للوصول الى مبتغاه دخل مكتب شركة «Island Records» العريقة في لندن طالياً مقابلة مالكها السيد كريس بلاكويل المتحدر من أصول جامايكية، فحصل على صفقة العمر بالنسبة له ولفرقته فحواها أن يدفع بلاكويل لفرقة «The Wailers» مقدماً قدره 4000 جنيه استرليني لإصدار ألبوم واحد بواسطة أجهزة الشركة الحديثة، وعندما تنتهي الفرقة من تسجيل الألبوم تتسلم 4000 جنيه أخرى.

وهكذا خرج ألبوم «Catch a Fire « إلى النور في العام 1972، وتم تسويقه بصورة احترافية تماماً، فنجح الألبوم في لفت الأنظار إلى موسيقى «الريغي» داخل بريطانيا، لكنه لم يحقق تفوقاً عالمياً ملحوظاً إلا بعد حين.

وفي العام 1973 قامت فرقة « The Wailers» بزيارة بريطانيا بترتيب من بلاكويل حيث قدّمت 31 حفلة غنائية كان الإقبال عليها رائعاً. وفي أكتوبر من العام نفسه زارت الفرقة الولايات المتحدة فأحيت 17 حفلة غنائية. وفي نهاية العام 1973 أصدرت فرقة «The Wailers» ألبومها الغنائي «Burnin» الذي ضمّ الأغنية الشهيرة «I Shot The Sheriff» ذات المغزى السياسي، وبعدها بعام فقط واصل مارلي العمل بقوة حيث أصدر ألبوم «Natty Dread» الذي ضم أغنيته الرومانسية الخالدة «No Woman No Cry».

طريق الشهرة

كان الحلم الذي يراود مارلي هو تحقيق الشهرة لدى الأوروبيين والرجال البيض الذين يراهم رمزاً للظلم والفساد والاحتلال، لكن ذلك الجسر لم يكن لينشأ بسهولة خاصة أن موسيقاه «الريغي» تختلف بشكل جذري عن النمط الذي يروق للغرب المتمثل بموسيقى «الروك اند رول».

لكن الفرصة الحقيقية جاءته عن طريق الموسيقي البريطاني ايريك كلابتون عندما قدّم للغرب أحد أعمال مارلي الغنائية وهي أغنية « I Shot the sheriff «، التي اعتقد كلابتون عند سماعها أنها قصة حقيقية، وأن مارلي قام فعلاً بإطلاق الرصاص على أحد الأشخاص، وهذا ما جعله يبادره بالسؤال عن الحقيقة فأجابه مارلي بالقول «بعضها حقيقي وبعضها لا».

بعدها بدأ الغرب يعرف بوب ويعشق فنه وأسلوبه، فالرجل مازال يتقن فن جذب الناس حوله وشغلهم بما يقدم، فأدمن الشباب أسلوبه في الحياة ووقفته على المسرح وطريقته في الغناء، وحتى خصلات شعره الطويلة المتناثرة علي جبهته.

ألبوماته:

في العام 1975 انفصل اثنان من فرقة «The Wailers» هما بيتر توش و بوني ويلر، وانضمت ريتا زوجة مارلي، لتصبح واحدة من المغنيات الثلاث «I-Threes» الشهيرات في كورال « The Wailers» ذوات الأصوات المخملية الرائعة وهنّ مارسيا غريفيثس، جودي موات وريتا مارلي. كما انضم للفرقة أيضاً عازف الغيتار آل أندرسون، وهكذا واصلت « The Wailers» في نفس العام قيامها بالحفلات العالمية خاصة في بريطانيا، فأصبح أعضاؤها نجوماً عالميين وأعظم نجوم جامايكا بدون منازع.

وفي 1976 أصدرت « The Wailers» ألبوم « Rasta man Vibration» الذي حقق مبيعات قياسية، وحصلت الفرقة في نفس العام على لقب «فرقة العام» التي تمنحها مجلة «رولينغ ستونز» العريقة، وتم في وقتها تتويج مارلي كأعظم «super star» في العالم الثالث.

وفي العام 1977 أصدرت الفرقة ألبومها الأشهر « Exodus» من بريطانيا الذي تصدر المبيعات وبقي في قائمة الألبومات الأكثر مبيعاً لمدة 56 أسبوعاً متواصلاً، كما حقق ذات الألبوم انتشاراً كبيراً في أميركا خاصةً بين السود، فعزّزت الفرقة بواسطة هذا الألبوم نجوميتها عالمياً.

وكان العام 1978 حافلاً بالنسبة للفرقة، فأطلقت ألبومين غنائيين «kaya» و«Babylon By Bus»، وتسلّم مارلي ميدالية «السلام» من الأمم المتحدة في نيويورك، وذلك لدوره في نشر السلام عبر الفن. وبعد عام أصدرت الفرقة ألبوماً جديداً بعنوان «Survival» الذي خصصه مارلي من أجل الدعوة إلى الوحدة الإفريقية.

وفي ابريل من العام 1980 سافر مارلي مع أعضاء فرقته إلى دولة زيمبابوي لإحياء حفل غنائي ضمن مراسم الاحتفال باستقلال تلك الدولة الإفريقية. ثم أصدرت الفرقة ألبوماً جديداً يضاف إلى أرشيفها بعنوان «Uprising» الذي حصد نجاحاً عالمياً كبيراً خاصةً أغنية «Redemption Song» وأيضاً «Get Up، Stand Up» ذات الطابع الثوري المتمرد. استمر نجاح تسجيلات «The Wailers» وقُدِّرت مبيعاتها إلى حين وفاة مارلي 1981 بـما يعادل 190 مليون دولار. إذ بِيع من ألبوم «Legend» وحده أكثر من 12 مليون نسخة أي ما يعادل 180 مليون دولار وذلك حصيلة ألبوم واحد في الولايات المتحدة فقط. ويقول منتج أعماله كريس بلاكويل «إن مبيعات تسجيلات بوب بلغت 300 مليون نسخة تقريباً حتى العام 2000، وهو رقم خرافي لمغني من العالم الثالث.

اعتناقه لديانة الرستفارية:

اعتنق مارلي ديانة «الرستفارية» في العام 1966، وهي عقيدة دينية نشأت في جامايكا في العقد الثالث من القرن العشرين بواسطة حركة من الشبان السود، يرون افريقيا مهد البشرية، متأثرين بدعوة القومية السوداء التي أطلقها الزعيم الجامايكي الشهير ماركوس كارفي.

والرستفارية عقيدة صوفية غيبية تؤمن بالتفسير الإفريقي للكتاب المقدس، وتعتبر أثيوبيا هي أرض الميعاد، وتعتقد بأن الإمبراطور الأثيوبي هيلا سيلاسي ذو طبيعة مقدسة، وتدعو لنبذ العنف وترفض النظرة المادية للحياة وتدعو إلى السلام العالمي الشامل، وتحرم شرب الخمر وأكل اللحوم والتدخين باستثناء تدخين «حشيشة الجانج» (الماريغوانا)، وذلك بسبب اعتقادها أن تدخينها يساعد على التأمل الروحي، ويقدّر عدد الرستفاريين في العالم حالياً بمليون شخص تقريباً.

بوب الزوج والأب

في العام 1966 تزوج مارلي من صديقته والمغنية الرئيسية في كورال فرقته ريتا إندرسون التي أنجب منها أبناءه الشرعيين الأربعة وهم سيديللا، ديفيد الشهير بزيجي، شارون وستيفين. فورث الأولاد الأربعة عن أمهم و أبيهم موهبة الغناء، وقاموا فيما بعد بناء على رغبة والدهم بإنشاء فرقة عرفت باسم «melody makers»، وعرف عن مارلي ولعه بالروابط الأسرية إذ كان دائما يردد على مسامعهم أن اتحادهم سيكون سر نجاحهم وإلهاماً للآخرين.

كذلك كان لمارلي سبعة أولاد آخرين نتيجة علاقات غير شرعية، وبالبرغم من حب مارلي لزوجته ورفيقة كفاحه ريتا إلا أنه اشتهر بتعدد علاقته، والغريب في الأمر أن ريتا كانت على علم بمعظمها، إذ كان مارلي بنفسه يروي لها عنها ويعلمها في حاله إنجابه من إحدى هذه العلاقات، بل وفي بعض الأحيان كما جاء على لسانها كان يقوم بإحضارهم لبيتها لتقوم بتربيتهم.

وفاته

بينما كان مارلي يمارس لعبة كرة القدم في العام 1977، أصيب إصبع قدمه بجرح، فتم علاجه لكنه لم يشفَ منه، إذ اكتشف بعد التشخيص الصحيح أنه مصاب بنوع من سرطان الجلد الذي نما تحت ظفر إصبعه، وهذا ما استدعى بتر الطرف المصاب، لكن معتقدات بوب الرستفارية منعته من ذلك.

وأثناء وجود «The Wailers» في أميركا في العام 1980 لإحياء حفلتين غنائيتين في صالة «الماديسون سكوير غاردن» في نيويورك، خرج بوب في يوم 21 سبتمبر من العام نفسهرس رياضة الجري حول المنتزه الرئيسي في نيويورك، وهناك سقط فاقداً الوعي.

فاكتشف الأطباء لدى فحصه أن السرطان قد تغلغل في جسده، فعاش بعدها ستة أشهر أنهك فيها السرطان جسده المتعب حتى فتك بمعدته ثم إحدى رئتيه وأخيراً وصل إلى دماغه، قبل أن يتوقف قلبه في أحد مستشفيات «ميامي» الأميركية في 11 مايو من العام 1981 عن عمر يناهز السادسة والثلاثين عاماً.

وقبل وفاته بفترة أحس مارلي أن الرحلة قد انتهت وأن موته قريب، لذلك قدّم أخر أغنياته التي غناها لأصدقائه الذين رافقوه طوال رحلته الطويلة مع الفن والسياسة والتمرد والحب وحملت عنوان

«everything is gonna be alright».

أثره بعد رحيله

الكثير من النقاد لم يدركوا قوة وأهمية وتأثير الجامايكي «بوب مارلي» إلا بعد موته، فمع حلول الألفية الثالثة، وصفته جريدة «نيويورك تايمز» بأنه أكثر فنان تأثيراً في النصف الثاني من القرن العشرين، واختارت «BBC» أغنيته الشهيرة «One Love» نشيداً لنفس المناسبة، وربما كان الشرف الأهم وغير المتوقع هو ما جاء من مجلة مرجعية مثل «تايم» كما وصفها الناقد الموسيقي «روجر ستيفنس» التي وصفت ألبومه الشهير « « Exodus بأنه ألبوم القرن.

كما مُنح في العام 2001 جائزة «غرامي» الموسيقية الرفيعة عن نتاجه الإبداعي مدي الحياة. ونُقش اسمه في جادَة مشاهير هوليوود في مدينة «لوس أنجليس» الأمريكية في عام 2001 مع نجوم هوليوود. وبالرغم من الاختلاف الكبير بين موسيقي «الريغي» الهادئة نوعاً ما، وموسيقى «الروك آند رول» الصاخبة وذات الشعبية الساحقة في الولايات المتحدة، فقد تم ضم «بوب مارلي» إلي متحف مشاهير «الروك آند رول» في الولايات المتحدة في عام 1994، وذلك اعترافاً بعبقريته الموسيقية الفذّة.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي