| بقلم الدكتور وليد التنيب |
هل الإزعاج شيء محبّب للبعض ويسعى بكل ما استطاع من قوة أو حيلة أن يجعله سائداً في المجتمع ويزعج غيره؟
أو أن الإزعاج شيء قاتل للتفكير والنجاح!... هل تذكر كم مرة كنت سبباً لإزعاج الآخرين... وهل أصلحت ما قمت به... أم أنك اعتبرت إزعاجك لغيرك شيئاً عادياً جداً ويجب عليهم أن يتقبلوا هذا الإزعاج؟!
استمع لقصة جاسم وأخيه سلطان... فقد تنفعك!
كان جاسم رجلاً وقوراً استطاع أن يبني نفسه بالصبر والاجتهاد بالعمل.
لم ينضمّ جاسم لحزب أو جماعة...
لم يصدر عنه ما يبيّن أنه متعاطف حتى مع أي منها...
لم يكن يتكلم بالأمور السياسية أبداً...
دائماً ما يكرر أن السياسة للسياسيين والعامة عليهم الالتفات لأعمالهم وتطوير البلد.
ابتعد عن السياسة والعمل السياسي لأنه لم يتعب نفسه ويبحث عن تعريف العمل السياسي.
كان يضحك كثيراً إذا استمع إلى العامة من الناس وهم يتكلمون بالأمور السياسية... وإذا سئل جاسم لماذا تضحك ردّ قائلاً هل أنتم تعرفون تعريف السياسة؟!
كوّن جاسم ثروة من عمله الجاد والمخلص... ثروة تمكّنه من شراء أرض ليبني عليها بيتاً له ولأولاده... قرر أن تكون هذه الأرض بجوار أخيه سلطان.
كان سلطان طبيباً...
يشهد التاريخ أن ذكاء سلطان محدود وقدراته أيضاً محدودة جداً... وإن كانت همته عالية (وصاحب فزعة كما يقولون عنه).
لم يحصل على مجموع يؤهّله لدخول كلية الطب أو أي كلية علمية في البلد.
عمل أبوه المستحيل لإرساله إلى إحدى الدول للحصول على شهادة الطب...
وعاد من رحلة الدراسة حاملاً لشهادة الطب من دون طب... شهادة فقط.
أفرحت هذه الشهادة أباه وأهله، ولكنها أبكت البلد... «أرجو أن تكونوا قد فهمتم»!
منعاً للفضيحة (وليس خوفاً على حياة البشر) سعى سلطان إلى العمل الإداري قبل أن يبدأ العمل الفني... وأيضاً ساعده أبوه.
استطاع أن يجمع من المال ما يمكّنه من شراء أرض لبناء بيت العمر عليها... لا يهم كيف جمع المال... «فالمال السائب يعلّم السرقة».
اتفق جاسم وسلطان على شراء أرضين متجاورتين... وبالفعل تمّ لهما ذلك في إحدى المناطق شبه الداخلية.
تم التخطيط والبناء... كانت الأمور تسير بكل يسر للأخوين ولا يعكّر صفوها أي شيء.
بعد السكن بأقل من ثلاثة أشهر، قام صاحب المنزل المجاور لجاسم بتأجير بيته لجمعية خيرية تهتم بالأخلاق وتدريس الأخلاق، والأهم هو جمع المال... كان البيت الذي استأجرته هذه الجمعية عبارة عن بيت على الزاوية وكبير جداً... وبالطبع دفعت به إيجاراً غالياً!
من أجل الأخلاق والدين سكت جاسم ولم يعترض، وإن كانت الأمور ليست لصالحه والزحمة أمام البيت لا تطاق... فسيارات المتبرعين ومن يأتون لتحفيظ أبنائهم القرآن لا تنقطع منذ الصباح حتى آخر الليل.
بعدها بشهر واحد فقط، تمّ تأجير البيت الملاصق لبيت سلطان لحضانة للأطفال... حضانة تعمل صباحاً ومساءً...
من أجل الأطفال وحباً بهم ولعدم إيذاء مشاعرهم، لم يشتكِ سلطان...
نعم، لم يشتكِ جاسم وسلطان من الوضع المأسوي الذي ألمّ بهما بفعل الزحمة والحوادث المتكررة أمام منزلهما والإزعاج غير المحتمل... نعم، لم يشتكيا للسلطات لأنهما لا يعلمان لمن يشتكيان، فكل واحد يدعي أنها ليست مسؤوليته!
إنما وجّها وجهيهما لله سبحانه وتعالى طالبين من الله أن يدمّر ويعاقب كل من سهّل أو شارك في تأجير أي من البيتين... ولن يدعوا أن يقطع نسلهما، وإنما أن يكون من نسلهما من يطبّق القانون ويحفظ حقوق الناس.