| أسيل الظفيري |
قيل فيهم الكثير، بعضهم يمدح وبعضهم يذم، واحتار فيهم الكثير، فهم يرون منهم الإنجاز أحيانا والتمرد احيانا أخرى، ما مصدر هذه الحيرة في شباب اليوم ولماذا هذا التضارب؟ أكاد أجزم أن السبب بهذا التضارب هو طريقة تفكيرنا نحن الناضجين، فمن لديه القدرة منا على تقبل فكرة اختلاف طبيعة الأجيال عن بعضها، ويملك القدرة على أن يسمع ويلاحظ يكتشف الجديد عندهم،هو من يستطيع أن يرى الإيجابية فيهم، تظهر هذه النظرة بجلاء عند سماعنا لمسؤولي مراكز الشباب والشابات وهم يتحدثون بفخر عن قدرات ومواهب مرتادي هذه المراكز، وينبهرون بقدرة الشباب على العمل والاجتهاد متى ما هُيئت لهم الفرصة لذلك، أما النظرة السلبية للشباب فنستطيع أن نعرف سببها إذا اعترفنا بأننا مجتمع يمارس الانتقاد و«التحلطم» بحرفية عالية.
شبابنا يتميزون عنَا بالكثير، فهم يقدرون الإنجازات الصغيرة ويفرحون بها، فعقولهم حرة من معظم المعوقات التي تمنعنا نحن الكبار من الإنجاز، هم يحسنون تكوين العلاقات بسرعة هائلة مما يفتح لهم آفاقاً متشعبة لنشاطات عدة إن وجدوا الدعم المناسب والتوجيه بطريقة ناعمة، يعينهم على ذلك مرونتهم العالية، ورجوعهم السريع إن أخطأوا بطريقة يتفوقون بها علينا نحن الكبار المتصلبين.
اذن، ما سبب شعورنا نحن المربين بخيبة الأمل من هذا الجيل؟ وهنا أطرح عليك سؤالاً قارئي: كيف ستكون حالك إذا توقع منك الآخر الكثير؟ خصوصا إذا كان هذا الحلم فوق طاقتك، هل ستكلف نفسك عناء تحقيق الحلم له؟ أم إنك ستعتبر هذا تدخلاً في خصوصياتك وطريقة حياتك؟ أتوقع أنه لا شيء يزعج أكثر من أن يحيى الإنسان حياته ليُرضي بها غيره، إذاً ما بالنا نثقل على أبنائنا بمهمة تحقيق أحلامنا فيهم، نحن عندما نتصور بخيالنا مستقبل لهم، هم ليسوا ملزمين بتحقيقه لنا، وان كان به خير واضح لهم، فمنا من يرى ابنه طبيبا او مهندسا او خطيبا، ويدفع بعنف بالابن لتحقيق حلمه، أليس من الظلم أن نختزل نجاحهم بالحياة بتفوقم بالدراسة متناسين جوانب النجاحات الأخرى بشخصياتهم؟
في عام 1983 قام هوارد جاردنر أستاذ الادراك والتعليم للدراسات العليا في جامعة هارفرد - بالمناسبة هو أحول العينين ولديه عمى ألوان وغير قادر على التعرف على الوجوه - بنشر كتابه frames of mind وقدم فيه نظرية الذكاءات المتعددة، حيث أشار إلى أن الذكاء ليس موحدا أو عاما، وإنما يتضمن سبعة ذكاءات في بداية الأمر، ثم أضاف لها ذكاءات جديدة حتى وصلت إلى اثني عشر ذكاء، منها الذكاء اللغوي الذي يبرز عند الشعراء والكتاب والمحامين، والذكاء المنطقي والذي يعطي الانسان القدرة على التعامل مع الأرقام والمنطق، والذكاء الجسدي والمكاني والطبيعي والوجداني وغيرها، ولا ننسى الذكاء الإيقاعي الذي تميز به القارئ مشاري العفاسي حتى إننا نسمع تلاوته في أي بلد نسافر له، كل هذه المواهب موجودة في أبنائنا، وإن لم نستطع رؤيتها فتلك مشكلتنا وليست مشكلتهم، فلا نحملهم فوق طاقتهم خشية أن ينفروا من توجيهاتنا ويلوموننا بأكبر مما تحتمل نفوسنا المحبة لهم. إيماننا بأنهم كنوز مغمورة تحتاج منا أن نؤمن بقدراتها ونشجعها، يجعلنا أول المستفيدين من هذه الكنوز والأكثر افتخاراً بها.
[email protected]