بعد أسبوع على «الإجماع العابر» على تكليفه تشكيل الحكومة اللبنانية

«حزب الله» وحلفاؤه يرفعون «البطاقة الصفراء» بوجه سلام

تصغير
تكبير
| بيروت - «الراي» |

تبخرت سريعاً في بيروت أجواء الإجماع «المباغت» حول تكليف النائب تمام سلام تشكيل الحكومة والتي برزت حين سارعت قوى «8 اذار»، المصابة بانتكاسة سياسية نتيجة استقالة رئيس «حكومتها» نجيب ميقاتي، الى ملاقاة ترشيح «14 اذار» لسلام بتسميته، في محاولة مزدوجة الهدف منها الحدّ من خسائرها عبر تفادي إظهار نفسها «مهزومة»، وإغراق الرئيس المكلف بتأييدها له لحجز موقع لها في الحكومة وقطع الطريق على الطرف الآخر لمنعه من استكمال انقلابه السياسي - الدستوري على انقلابٍ مماثل نفذته «8 اذار» عند الاطاحة بحكومة الرئيس سعد الحريري في يناير 2011 بقوة نفوذ النظام السوري و«حزب الله» في حينه.

فبعد اسبوع على تكليف سلام، الذي اعلن صراحة عزمه تشكيل حكومة «مصلحة وطنية» غير فضفاضة ومن شخصيات غير سياسية او مستفزة، للاشراف على «مهمة جليلة»، وهي الاشراف على الانتخابات النيابية، برزت مؤشرات قوية الى «انفراط» الاجماع حول التكليف، مع بلوغ عملية التأليف وضْع سلام تشكيلة وزارية، حدد مهلة عشرة ايام لإنجازها، حيث بدت قوى «8 اذار» وكأنها تعلن «الحرب» على سلام وخياراته عبر رسائل «شديدة اللهجة» أعقبت اجتماعاً طارئاً لـ «مجلس قيادة» هذه القوى، ضمّ ممثلين لـ «حزب الله» وحركة «امل» (يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري)، و«التيار الوطني الحر» (تيار العماد ميشال عون)، و«تيار المردة» (برئاسة النائب سليمان فرنجية).

فمع المعلومات التي تحدثت عن ان سلام، الذي أطفأ محركات الكلام بعد الاستشارات النيابية التي أجراها مع الكتل البرلمانية، انصرف الى خلف الجدران لإعداد «الطبخة» الحكومية، أدركت قوى «8 اذار» ان الرئيس المكلف، الذي أدار لها الظهر يتجه الى تشكيل حكومة من دون أخذ رأيها، وتالياً فإنه يعتزم فرض «حكومة من جانب واحد»، بحسب وصف اوساط «8 اذار»، التي قررت القيام بهجوم استباقي على سلام.

طلائع هذا الهجوم بدأت في الترويج السياسي - الاعلامي لانصياع الرئيس تمام سلام لـ «نصائح» رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة في عملية تشكيل الحكومة (مواصفات وأسماء)، ووصلت الى حد إطلاق رسائل «لمَن يهمهم الامر»، بدت حاسمة في رفض حكومة «الامر الواقع» او تجاهُل اي مكوّن من «8 اذار» وحجمه، والإصرار على قيام حكومة سياسية تواجه المتغيرات، اضافة الى اعتبار ان اي خروج عن هذا المسار يشكل مساً باتفاق الطائف. واقترن هذا الهجوم بالتلويح بعدم تسليم الوزارات للحكومة الجديدة، وبكلام تهديدي من نوع «لا تجرّبونا».

ورغم ان سلام، الذي نأى بنفسه عن السجالات السياسية والتسريبات الاعلامية، اعلن «ان الهواجس التي يطرحها البعض، والمرتبطة بعملية تشكيل الحكومة ليست في محلها»، حسب ما نقلت اوساطه، فإنه استقبل «المفاوض» عن حركة «امل» و«حزب الله» الوزير علي حسن خليل، واضعاً نصب عينيه مسألتين لن يحيد عنهما: حكومة غير سياسية من شخصيات «لها عواطف سياسية»، والأولوية المطلقة لحكومته في الاشراف على الانتخابات النيابية، في ظل معلومات عن ان اللقاء مع خليل تخلله بحث في عودة الرئيس المكلف للقاء مكونات قوى «8 اذار» كل على حدة للتشاور في امور التأليف والشؤون الوزارية الاخرى.

ورغم ان سلام يتجنّب فتح «بازار» حول الحصص والاسماء تفادياً لمشاركته في حقه بالتشكيل، ذكرت معلومات ان الرئيس المكلف اخذ بنصيحة رئيس الجمهورية ميشال سليمان حول ضرورة التشاور مع القوى السياسية في تفاصيل التشكيل سواء من حيث الصيغة التي يفضلون او الاشخاص المنوي توزيرهم تلافيا لما قد تصطدم به ساعة اعلانها.

ونُقل عن اوساط قريبة من سلام انه يدرس امكان الوصول الى صيغة وزارية من ثلاثين وزيراً بعدما كان يصر سابقا على الا تتعدى التشكيلة العشرين وزيرا كحد اقصى، وانه تبلغ من الوزير وائل ابو فاعور رغبة النائب وليد جنبلاط في ان تكون الحكومة العتيدة ممثلة للجميع وان يكون وزراؤها من غير الحزبيين.

واللافت ان سلام لا يتصرف بعكس ما قاله لحظة اعلان ترشيحه لرئاسة الحكومة، فلماذا انقلب موقف «8 اذار» من تأييد «مفاجئ» لتكليف سلام الى هجوم قاسٍ مع اتضاح الرسم التشبيهي للحكومة التي يعتزم تأليفها؟ وهل ستمضي «8 اذار» في تهديدها الى حد افتعال وقائع من النوع الذي يحول دون تشكيل حكومة جديدة بأرجحية التفاهم بين الرئيسين سليمان وسلام ومعهما «14 اذار»، وربما الزعيم الدرزي وليد جنبلاط؟ وماذا لو شكّل سلام حكومة لم تنل ثقة البرلمان وصارت حكومة تصريف اعمال بدلاً من حكومة «8 اذار» المستقيلة.

يختلط «حابل» المحلي بـ «نابل» الاقليمي في محاولة استشراف اجابات على تلك الاسئلة، خصوصاً بعدما كان اوحى «حزب الله» برغبة «عارمة» في تسهيل مهمة تمام سلام كرسالة «حسن نية» في اتجاه المملكة العربية السعودية، التي قيل انها «استعادت دورها في لبنان» من خلال تغليب خيار ترشيح سلام «المعتدل» لرئاسة الحكومة.

بعض الذين وجدوا في هذا الكلام مجرد «مناورة» لاستيعاب نكسة استقالة حكومة ميقاتي ولمداراة الوقائع الجديدة في البلاد، تحدثوا عن ضغوط بدأت تُمارَس على سلام يُخشى معها إما تكبيله بالشروط وتالياً احباط عملية تشكيل الحكومة ودفعه الى الاعتذار، وإما ترك الفوضى الامنية والسياسية تأخذ مداها، وتالياً قلب الاولويات على النحو الذي يطيح بالاستحقاقات الدستورية.

في موازاة ذلك، نقل موقع «يقال.نت» عن الرئيس السابق للحكومة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري ارتياحه لتكليف سلام تشكيل الحكومة الجديدة وانه لا يريد منه «إلا أن ينجح في المهمة التي اختير من أجلها» وان لا مطالب تفصيلية لديه «فقط الانتخابات».

وبحسب الموقع فان الحريري يرفض إعطاء ما يحصل في لبنان من تطورات سياسية أبعادا إقليمية، ويحصرها بالدينامية اللبنانية وبقراءة بعض الاطراف للتطورات الخارجية، لا أكثر ولا أقل، وانه لا ينظر الى «حزب الله» على اعتباره طرفا يخطط لكل خطوة يقوم بها، «فهذا الحزب، عندما يتعاطى السياسة، يرتكب أخطاء مثله مثل غيره، ويحاول أن يتداركها بالتي هي أحسن، تماماً كما حصل عندما ارتضى أن يسير بتسمية الرئيس تمام سلام».

واستغربت أوساط زعيم «المستقبل» ايحاء «حزب الله» بأن لديه شروطاً للتحاور مع الحريري قائلة: «ليضع ما يحلو له من شروط، فلا حوار معه في الافق»، مضيفة: «اذا كان ثمة مَن يبني معطيات على ما قاله الحريري بعد اجتماعه بالبطريرك بشارة الراعي في باريس (انا دائما مع اي حوار منتج) فان هؤلاء يتجاهلون ان الحريري كان يرد على سؤال ولا يطلق اي مبادرة».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي