رؤى / محمود درويش... أنا عربي (1)

تصغير
تكبير
| د. لطيفة جاسم التمار |

محمود درويش شاعر الأرض المحتلة الذي استطاع أن يتعايش مع أشكال التعبير الفني، كما استطاعت القضية الفلسطينية نوعا ما أن تتعايش مع الاحتلال الصهيوني لكن بحرقة كبيرة، تفشت لدى كل المجتمع العربي، نجد التداخل التاريخي مع الحقيقة الشعرية في بداية تجاربه الفنية حيث تطغى الأحداث التاريخية على الجانب الشعري وكما قال «هيدجر» أن الشعر هو الأساس الذي يسند التاريخ، وشاعرنا استطاع بفنية الشاعر الذكي أن يوظفه هذه التقنية توظيفا يلاءم قسوة المرحلة التي يمر بها الشعب الفلسطيني، بحيث اكتست ملامح الشعرية النضج والاتزان في تجربته، وبذلك اقترب التاريخ الفعلي للمرحلة التي يعيشها الشاعر من تجليات أسلوبه وتعبيره الفني منتجا صورا إبداعية متوازنة المراحل يتصدرها جانب الشفافية في عرض التجربة الشعرية مستخدما بذلك تقنيات الحداثة الشعرية الطاغية على شعره، مكونا معزوفة غنائية مكتملة المعالم قادرة على تكوين عالم كلي لكل نص ينتجه الشاعر. محمود درويش ولد من رحم الأمة العربية في وقت سيطرة الاحتلال الصهيوني على أرض بلاده، فعرف بعنفوانه وموقفه الرافض للاحتلال، فتميز شعره بالصدق الفني ممتزجا مع التقنيات الحديثة متوشحا بالطابع الدرامي في أعماله الشعرية، يقول في بداية أنا عربي:

سجل!

أنا عربي

ورقم بطاقتي خمسون ألف

وأطفالي ثمانية

وتاسعهم سيأتي بعد صيف

فهل تغضب؟

متوالية تبدأ بفعل الأمر وتنتهي بالاستفهام لتمثل الواقع الحسي المعاش الذي يعيشه الإنسان العربي في ظل الاحتلال الصهيوني، فالعربي يحاول بعرض هذه المعلومات فرض هويته الفلسطينية التي يحاول الاحتلال طمسها ومن الواضح أن الشاعر يريد أن يفرض على الآخر بأنه عربي وهذه الحقيقة الأولى التي يريد أن يوصلها للعدو بأنه « أنا عربي»، ثم يبدأ بعرض التفاصيل الأخرى. من الملاحظ سيطرة الجانب الوطني على القصيدة حتى أن بعض المقاطع تتكرر لتكون لازمة بنيوية وضرورة من ضروريات التقنيات الفنية الحديثة التي كانت أسلوبا مميزا لشاعرنا، لتؤكد على شيء ما في نفسه بأنه «عربي» يكمل الشاعر القصيدة قائلا:

سجل!

أنا عربي

وأعمل مع رفاق الكدح في محجر

وأطفالي ثمانية

أسل لهم رغيف الخبز،

والأثواب والدفتر

من الضجر...

ولا أتوسل الصدقات من بابك

ولا أصغر

أمام بلاط أعتابك

فهل تغضب؟

يكرر الشاعر الأبجدية البنيوية التي ذكرناها في السابق، مع الاختلاف في وسط المقطع وتتكرر هذه الأبجدية في كل مقاطع القصيدة، واصفة مدى الكدح والفقر الذي يعيشه الإنسان العربي في وطنه بينما ينعم العدو المحتل بخيراته، لكن مع هذا يظل الإنسان العربي مرفوع الرأس عالي الهمة ينعم بالكرامة رافضا الصدقات من الأعداء.





* دكتوراه في الأدب العربي الحديث

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي